من أخّر القضاء حتى دخل رمضان آخر.. هل عليه فدية؟.. "الأزهر للفتوى" يجيب
(مصراوي):
قال مركز الأزهر العالمي للفتوى الالكترونية إن صوم رمضان فريضة عظيمة من فرائض الإسلام، ومن يسر الشريعة الغراء أنها أباحت الفطر في رمضان لمن نزل به عذر منعه الصوم من سفرٍ، أو مرضٍ، أو مشقةٍ غير محتملة على أن يقضي ما أفطره عند الاستطاعة وزوال العذر، قال تعالى: {أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَر}.. [البقرة : 184].
وأوضحت لجنة الفتاوى الالكترونية بالمركز أن الفقهاء اتفقوا على أن من أفطر أيامًا من رمضان؛ وَجَبَ عليه قضاؤها، واختلفوا هل يجب على المفطر فدية إنْ أخّر القضاء حتى دخل رمضان آخر أم لا؟
وأضافت أن جمهور الفقهاء ذهب إلى أن من أخّر قضاء رمضان بلا عذر حتى دخل عليه رمضان آخر فهو آثم، وجب عليه القضاء مع الفدية؛ لتهاونه في القضاء مع تمكنه منه، ومقدار الفدية مدٌ من الطعام عن اليوم الواحد، أي ما يساوي 510 جرامات؛ لما روي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، فِي رَجُلٍ مَرِضَ فِي رَمَضَانَ ثُمَّ صَحَّ وَلَمْ يَصُمْ حَتَّى أَدْرَكَهُ رَمَضَانُ آخَرُ، قَالَ: «يَصُومُ الَّذِي أَدْرَكَهُ وَيُطْعِمُ عَنِ الْأَوَّلِ لِكُلِّ يَوْمٍ مَدًّا مِنْ حِنْطَةٍ لِكُلِّ مِسْكِينٍ، فَإِذَا فَرَغَ فِي هَذَا صَامَ الَّذِي فَرَّطَ فِيهِ». [أخرجه الدارقطني].
ولما روي عن ابن عمر وابن عباس وأبي هريرة أنهم قالوا: أطعم عن كل يوم مسكينا، ولم يرد خلاف في ذلك عن غيرهم من الصحابة.
وبينت لجنة الفتاوى، في بيانها، أنه ذهب الحنفية إلى أنه لا تجب الفدية على من أخّر قضاء رمضان حتى لو دخل رمضان الذي يليه، ولا يلحقه الإثم؛ لأنه صومٌ واجبٌ فلم يجب في تأخيره فدية، قال الإمام الكاساني رحمه الله: «بل المذهب عند أصحابنا أن وجوب القضاء لا يتوقت؛ لما ذكرنا أن الأمر بالقضاء مطلق عن تعيين بعض الأوقات دون بعض، فيجري على إطلاقه، ولهذا قال أصحابنا: إنه لا يكره لمن عليه قضاء رمضان أن يتطوع، ولو كان الوجوب على الفور لكُره له التطوع قبل القضاء؛ لأنه يكون تأخيرًا للواجب عن وقته المضيق، وإنه مكروه، وعلى هذا قال أصحابنا: إنه إذا أخر قضاء رمضان حتى دخل رمضان آخر فلا فدية عليه،... فإنه لا دلالة في الأمر على تعيين الوقت، فالتعيين يكون تحكمًا على الدليل، والقول بالفدية باطل؛ لأنها لا تجب خلفًا عن الصوم عند العجز عن تحصيله عجزًا لا يرجى معه القدرة عادة، كما في حق الشيخ الفاني، ولم يوجد العجز؛ لأنه قادر على القضاء فلا معنى لإيجاب الفدية» [بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (2/ 104)].
وأكدت لجنة الفتاوى أن الراجح: ما ذهب إليه الحنفية؛ لقوة حجتهم، فظاهر النص لم يوجب إلا القضاء فقط، قال تعالى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184]، والأصل أن إلزام العباد يحتاج إلى دليل تبرأ به الذمة.
وهو ما رجحه الإمام البخاري حيث أورد في صحيحه عن إِبْرَاهِيمُ النخعي قال: «إِذَا فَرَّطَ حَتَّى جَاءَ رَمَضَانُ آخَرُ يَصُومُهُمَا، وَلَمْ يَرَ عَلَيْهِ طَعَامًا -أي فدية-، وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مُرْسَلًا وَابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ يُطْعِمُ وَلَمْ يَذْكُرِ اللَّهُ الإِطْعَامَ وإنما قال: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184]» [صحيح البخاري (3/ 35)].
وفي نهاية بيانها بالفتوى أوضحت اللجنه أنه وعليه: فمن أخّر قضاء رمضان لعذر حتى دخل رمضان آخر فعليه القضاء، ولا فدية عليه اتفاقًا، أمّا مَن أخر القضاء بغير عذر فعليه القضاء والفدية على قول جمهور الفقهاء، خلافًا للحنفية الذين أوجبوا القضاء فقط، وهو ما عليه الفتوى، ومما ذُكر يُعلم الجواب.. والله تعالى أعلم.
فيديو قد يعجبك: