"ما تشانغ تشينغ".. الإمام العالم والداعية الصيني النموذج
القاهرة - مصراوي:
قال مرصد الأزهر الشريف إن التاريخ الإسلامي حفل بالكثير من العلماء والدعاة إلى الله تعالى في كل أرجاء الدنيا، وكان من بينهم دعاة للإسلام في البر الصيني لا يعرف الكثير من المسلمين سيرتهم، وبدوره يُذكّر المرصد دائمًا بكل من ساهم في خدمة الإسلام ونشر الدين الحنيف في ربوع الدنيا، ويسعي جاهدًا لعرض بعضٍ من سِيرهم؛ ليكونوا قدوة تُحتذى لشباب المسلمين في العالم أجمع.
وأضاف المرصد في بيان نشرته الصفحة الرسمية على "فيسبوك" أن وِحدة اللغة الصينية التابعة للمرصد حرصت على تقديم تعريف بسيط بأحد أهم هذه النماذج المشرِّفة في التاريخ الإسلامي، وعرض لسيرته وجهوده في نشر الإسلام بين أبناء الصين المسلمين في العصر الحديث وهو العالم المسلم (ما تشانغ تشينغ)، ذاك العالم الذي أفنى عمره في تعليم الدين الإسلامي ونشره بين المسلمين الصينيين.
مولد ما تشانغ خطيباً
وُلد الداعية (ما تشانغ تشينغ) عام ١٩٣٦، ونشأ وسط أسرة مسلمة متدينة، حيثُ كان أبوه (ما شو چين) رئيس المدرسة العربية الإسلامية في الصين آنذاك، ومنذ نعومة أظفاره بدأ يتلقى العلم من أبيه، ولم يمر وقت طويل حتى ظهر نبوغه وتفوقه في الدراسات الإسلامية؛ مما جعله يعتلي منبر الخطابة والوعظ بالمساجد وهو لا يزال في الثالثة عشرة من عمره، كما أنه استمر في طلبه للعلم بالرغم من الظروف السياسية الصعبة التي مرت بها الصين، ففي فترة "الثورة الثقافية" كان يعمل نهارًا بمهنة صيانة الساعات وليلًا يقوم بدراسة العلوم الإسلامية.
دراسة العلوم الشرعية
وقد كرّس (ما تشانغ تشينغ) حياته لطلب العلم، فقد درس العديد من كتب التراث الإسلامي من أهمها كتاب "إحياء علوم الدين" لحجة الإسلام الإمام الغزالي رحمه الله، وكتاب "شرح العقائد النسفية" في علم التوحيد والعقيدة الإسلامية، وكتاب "رد المُحتار على الدر المختار" في الفقه الحنفي، ومكتوبات الإمام الرباني في التصوف الإسلامي للإمام أحمد سرهندي، وكتاب "شرح الفوائد الضيائية لمتن الكافية" في علم النحو لان الحاجب المالكي، وكتاب "مختصر المعان" للتفتازاني في علم البلاغة، وغيرها من الكتب المشهورة.
نشر العلم والدين
ولقد عُيّن إمامًا لمسجد "دونغ قوان" بمدينة "شي نيغ" شمال غربي الصين في ثمانينات القرن الماضي، وتولى منصب نائب رئيس المجلس الإستشاري السياسي في محافظة "چينغ هاي"، ورئيس هيئة التعاون الإسلامية وغيرها من المناصب العديدة. وقد أفنى عمره في نشر العلوم الإسلامية وتخريج الكثير من الدعاة والأئمة، وكان يقضي نهاره في تدريس العلوم الإسلامية لايُفرق بين الصيف والشتاء حتى عُرف عنه أنّ "المسجد" هو مسكنه ومدرسته؛ حتى صارت مدرسته وِجهة للمسلمين في الصين.
موقف عالم عظيم
ومن المواقف التي اشتهر بها (ما تشانغ تشينغ) بين المسلمين الصينيين ما حدث عام ٢٠٠١، عندما خرج من الصين قاصدًا بيت الله الحرام لأداء فريضة الحج، وبعد عودته من هذه الرحلة المباركة عمِد إلى مسجده لاستئناف دروسه الدينية مباشرة وقبل ذهابه إلى أهله وبيته. كما كانت له مواقف وطنية بارزة أهمها ما قام به في أحداث الزلزال الذي ضرب منطقة "التبت"، حيثُ حثّ المسلمين على التبرّع لسكان المنطقة المتضررين من أعقاب الزلزال، فجُمع الكثير من التبرعات ووصلت إلى مُستحقيها.
وفاة العالم الصيني
وبعد حياة طويلة مليئة بالدعوة إلى الله توفي العالم الصيني المسلم (ما تشانغ تشينغ) يوم الاثنين الموافق 16 يوليو 2018 عن عمر ناهز 83 عامًا، أفناها في نشر تعاليم الدين الإسلامي بين الشباب المسلم، وإنّ تشيع الآلاف من تلامذته ومحبيه لجنازته في مشهد مَهيب لهو خير دليل على عِظم ما تركه من أثر بين المسلمين الصينيين من مختلف القوميات، ودُفن رحِمه الله في مقابر المسلمين بمدينة "شي نيغ".
وفي بيانه أكد مرصد الأزهر أنّ ما قدمه الشيخ (ما تشانغ تشينغ) في الدعوة إلى الله هو نموذج يُحتذى لجُموع المسلمين. وأن البشرية في حاجة ماسة إلى تذكر من جاءوا إلى الدنيا ورحلوا عنها وقضوا حياتهم في نفع الناس وليس ما يضرهم. لا شك أن العالم الآن في أمس الحاجة لتلمس ذكرى من فهموا دينهم فهماً صحيحاً ولم يجنحوا بفكرهم أو يشذوا في عقيدتهم، لا شك أنه فرق شاسع بين من فهم الدين وعمل بمقتضاه ونفع من وراءه، وبين من شذوا عن المنهاج القويم فأضاعوا حقيقة الدين الحنيف وأشاعوا الذعر من روح الإسلام السمحة وأضروا بالإسلام أكثر من أي متربص. إن نموذج عالمنا الصيني اليوم هو دلالة واضحة على أهمية أن يكون هناك رجال يُكملون مسيرته في الحفاظ على الهويّة الإسلامية في المجتمع الصيني.
فيديو قد يعجبك: