"نفحات رمضانية" يقدمها الشيخ محمود الهواري: عشرة آداب للدعاء (5)
كتب - محمد قادوس:
في حلقات خاصة لـ"مصراوي"، وعلى مدار الشهر الفضيل، يقدم الدكتور محمود الهواري، عضو المكتب الفنى لوكيل الأزهر، وأحد خطباء الجامع الأزهر، إطلالة رمضانية روحانية تتجدد مع أيام هذا الشَّهر الطَّيِّب، متعرضا لنفحات إيمانية قيمة ونصائح نبوية غالية، ومنها رمضان شهر الدُّعاء.
يقول الهواري، عبر فيديو خاص نشره مصراوى عبر صفحته الرسمية على فيسبوك:
إنَّ المتأمِّل لآيات الصِّيام في القرآن يجد أن الدُّعاء مذكور فيها في قوله تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾[البقرة: 186].
وقد أشار رسول الله ﷺ إلى مكانة الدُّعاء من دين الإنسان وعبادته، حتَّى إنَّه قال: «الدعاء هو العبادة».
غير أن الدُّعاء ليس كلمات تجري على اللِّسان وحسب، وإنَّما هو حال يعيشه الدَّاعي مع ربِّه، ولذا كان للدُّعاء آداب لا بد من التزامها إذا ما أراد المؤمن تحقُّق مراده، ومن هذه الآداب:
الأوَّل: النِّيَّة: واستحضار النِّيَّة، وتخليصها من الشَّوائب من آكد المطلوبات، وفي كل عمل من أعمال المسلم يجب تصحيح النِّيَّة، فقبول الأعمال مرهون بإخلاص النِّيَّات، وكلَّما أخصل العبد لربِّه كان هذا أرجى لقَبول العمل، ومن تصحيح النِّيَّة أن يثق الدَّاعي بأنَّ الله يجيبه، وقد جاء عن رسول الله ﷺ تأكيده على ذلك، فقال: «ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاءً من قلبٍ غافلٍ لاهٍ».
الثَّاني: الطَّهارة: وهي أدب وليست شرطًا في الدُّعاء، فيجوز للإنسان أن يدعوَ بوضوء وبدون وضوء، ولكن الأكمل، والأقرب للإجابة أن يكون على طهارة، فالداعي يكلِّمُ ربه، ويناجي خالقَه.
الثَّالث: أن يبدأ بحمد الله والثَّناء عليه، والصَّلاة على رسول الله ﷺ، ولقد سمع رسولُ الله ﷺ رجلًا يدعو في صلاته لم يمجِّدِ الله تعالى، ولم يصلِّ على النبي ﷺ، فقال رسول الله ﷺ: «عَجِلَ هذا»، ثم دعاه فقال له - أو لغيره -: «إذا صلى أحدكم، فليبدأ بتمجيد ربه جل وعز، والثناء عليه، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يدعو بعدُ بما شاء».
الرَّابع: رفعُ اليدين واستقبال القِبلة، وأن يجلس بين يدي ربه جلسة المتضرع المستكين طالب الحاجة، والله أكرم من أن يردَّ سائلًا مدَّ يده إليه، يقول رسول الله ﷺ: «إن الله حييٌّ كريمٌ، يستحيي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صفرًا خائبتين»، وفي هذا الحديث دليل على مشروعية رفع اليدين في الدعاء.
الخامس: عدم الدُّعاء بإثم أو قطيعة رحِمٍ، فالدُّعاء باب قرب من الله الرَّحمن الرَّحيم ليُفيض عليه من فضله، وليس من الرَّحمة أن يدعو الإنسان على أحد، والدُّعاء بالإثم وقطيعة الرَّحم مظنَّة عد إجابة الدُّعاء كلِّه، يقول رسول الله ﷺ: «ما على الأرض مسلمٌ يدعو الله بدعوةٍ إلا آتاه الله إياها، أو صرف عنه من السوء مثلها، ما لم يَدْعُ بإثمٍ أو قطيعة رحمٍ»، فقال رجلٌ من القوم: إذن نُكثِرَ، قال: «اللهُ أكثَرُ».
السَّادس: من الآداب ألَّا يعامل الدَّاعي ربَّه بعلمه، فيترك الدُّعاء إذا لم يتحقَّق مطلوبه، فالله حكيم في ترتيب احداث الكون، بل الواجب ألَّا يستبطئ الإجابة، ويظل داعيًا واثقًا في الله –عزَّ وجلَّ- يقول رسول الله ﷺ: «لا يزال يستجاب للعبد ما لم يَدْعُ بإثمٍ أو قطيعة رحمٍ، ما لم يستعجل» قيل: يا رسول الله، ما الاستعجال؟ قال: «يقول: قد دعوتُ وقد دعوتُ، فلم أرَ يستجيب لي، فيستحسِرُ عند ذلك ويدَعُ الدعاء».
السَّابع: ومن آداب الدُّعاء ومهاراته أن يتحرَّى الدَّاعي أوقات الإجابة، وهي: عند سماع الأذان، وبين الأذان والإقامة، وفي الثلث الأخير من الليل، وآخر ساعة من نهار يوم الجمعة، ودُبُر الصلوات المكتوبة، وعند نزول المطر، وعند التقاء الجيشين، وعند شرب ماء زمزم، وعند سماع صياح الديكة، وعند المريض، وفي السجود، وعند إفطار الصائم، ويوم عرفة، وعند الكعبة.
الثَّامن: لا يليق بالعبد أن يدعو ربَّه، وقد عارض شرعه بارتكاب ما يغضبه، وما يحول دون استجابة الدُّعاء، كأكل الحرام، والربا، وأكل أموال الناس بالباطل؛ يقول رسول الله ﷺ: «أيها الناس، إن الله طيبٌ لا يقبل إلا طيبًا، وإن الله أمَر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾ [المؤمنون: 51]، وقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾ [البقرة: 172]، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعَثَ أغبَرَ، يمد يديه إلى السماء، يا رب، يا رب، ومطعَمُه حرامٌ، ومشربه حرامٌ، وملبَسُه حرامٌ، وغُذِيَ بالحرام؛ فأنَّى يستجاب لذلك؟»
التَّاسع: أن يلتزم العبد الدُّعاء كثيرًا، حتَّى في أوقات الرَّخاء، وقد حكى القرآن عن نبي الله يونس عليه السَّلام أنَّ سبب نجاته أنَّه كان من أهل التَّسبيح، قال الله تعالى: ﴿فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ [الصافات: 143، 144]، وقال رسول الله ﷺ: «مَن سرَّه أن يستجيب الله له عند الشدائد والكرب، فليُكثِرِ الدعاءَ في الرخاء».
الأدب العاشر من آداب الدُّعاء: أن يختم دعاءه بالصَّلاة على رسول الله ﷺ، وذكر النَّبي ﷺ بركة في كل الأمور.
فيديو قد يعجبك: