التقوى ها هنا
بقلم – هاني ضوَّه
يغفل كثير من الناس عن أمر القلب.. تلك المضغة التي إذا صحلت صلح الجسد كله، لأنها محل التقوى، وعبر عن ذلك النبي صلى الله عليه وآلة وسلم في الحديث الشريف الذي رواه الإمام مسلم في صحيحة، قال صلى الله عليه وآلة وسلم: "التقوى ها هنا" وأشار إلى قلبه الشريف ثلاث مرات. ومعنى ذلك أن تقوى الله تعالى محلها القلب، فإذا اتقى القلب اتقت الجوارح، وفي رواية أخرى ورد قوله صلى الله عليه وسلم: ''إن الله لا ينظر إلى أجسادكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم''.
وتقوى القلب هي مدار الأمر، قال الإمام النووي شارحاً قوله صلى الله عليه وآلة وسلم "التقوى ها هنا":
أن الأعمال الظاهرة لا يحصل بها التقوى، وإنما تحصل بما يقع في القلب من عظمة الله تعالى وخشيته ومراقبته. ومن هنا يفهم أن التقوى ملكة ينبع منها سلوك، وطريق يحصل بهما صلاح القلب، لأن الطريق إلى التقوى يصلح القلب، وصلاح القلب تحصل به الأعمال، وكلما ازداد صلاح الأعمال، ازداد صلاح القلب، لأن الأعمال جنود مطاعون للقلب.
ويقول د. مصطفى محمد السيد أبي عمارة، شارحاً الحديث السابق: ولما كان صلاح القلب واستقامته من الأمور التي ينبغي أن يحرص عليها المرء، فقد ذكر العلماء أن ما به صلاح القلب سبعة أشياء وهي:
1-الإيمان بالله وأسمائه وصفاته.
2- تصديق رسله بما جاؤوا به.
3- تدبر القرآن الكريم عند قراءته.
4- خلو الجوف (عدم امتلاء البطن).
5- التضرع عند وقت السحر، وقيام الليل.
6- مجالسة الصالحين.
7- تحري أكل الحلال واجتناب الحرام والشبهات.
فإذا فالتقوى محلها القلب، لذلك فهي لا تليق إلا بقلب المؤمن بربه، الخاشع لخالقه، القلب الذي طرح نفسه بين يديه، والتجأ منه إليه.. به يبصر، وبه يسمع، وبه يمشي.. عظّم الخالق في نفسه فصغر ما دونه في عينه.
وقد فقه الخليفة الزاهد عمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه- أن حقيقة المتقي ليست بالمظاهر، وإنما هي بالحقائق؛ فقال رضي الله عنه: "ليس تقوى الله بصيام النهار، ولا بقيام الليل، والتخليط فيما بين ذلك، ولكن تقوى الله ترك ما حرّم الله، وأداء ما افترض الله، فمن رُزق بعد ذلك خيرٌ فهو خير إلى خير".
وهناك كثير من الأعمال والعبادات التي يقوم بها الإنسان يرى الناس في ظاهرها التقوى والورع، ولكن صاحبها لم يبتغي منها مطلب دنيوي أو وجاهة اجتماعية أو مكانه بين جيرانه ومعارفه، وهو ما يتنافى مع معنى الإخلاص لله، وفي الواقع هذه الأعمال يكون لا قيمة لها عند الله لأنها لم تنبع من قلب تقي مخلص يمارس الصدق، أو ربما تنقصها النية الصادقة، لأنها لم تنبع من قلب مؤمن يمارس الإيمان الحقيقي.
وحين تكون التقوى محلها القلب يكون العمل ذا قيمة عند الله لأن النية هنا مصاحبة للعمل والنية محلها القلب الذي إذا صلح صلح الجسد كله.
ويشير النبي صلى الله عليه وآلة وسلم إلى هذه الظاهرة الخفية البديعة عندنا، يرشدنا في هديه الشريف إلى أن الله لا ينظر إلى عضو آخر في جسم الانسان غير القلب حيث يقول: "إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم".
فيديو قد يعجبك: