مفتي الجمهورية يكتب: وما أدراك ما ليلة القدر
هي ليلة خير من ألف شهر.. فيها نزل القرآن، إنها ليلة القدر .. تلك الليلة المباركة التي فضلها الله سبحانه وتعالى على سائر الليالي، وأجزل فيها العطاء فجعلها سلام حتى مطلع الفجر.
بيّن الرسول عليه الصلاة والسلام أنّ ليلة القدر تكون في إحدى الليالي الوتر العشر الأواخر من شهر رمضان، وقد حددها جمهور العلماء بأنها ليلة السابع والعشرين من رمضان، وقال البعض الآخر إنها إحدة الليالي الفردية من العشر الأواخر وأن يومها يختلف من عام لعام.
وقد حثنا النبي صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله بالاجتهاد في قيام تلك الليلة المباركة والإكثار من الاستغفار والعبادة، فقال: «من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدّم من ذنبه». وفي هذه الليلة تنزل الملائكة ومعهم جبريل عليه السلام على عباد الله المؤمنين يشاركونهم عبادتهم وقيامهم ويدعون لهم بالمغفرة والرحمة.
ويقول الله سبحانه وتعالى في سورة القدر: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ، لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ، سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ).
وفي قوله تعالى: (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ)، بيان لفضلها وأن العبادة فيها مضاعفة كعبادة العابد في ألف شهر، فمن قامها فكأنها قام ألف شهر، ومن ذكر الله فيها أو قرأ القرآن أو دعا فكذلك، وهذا من فضل الله تعالى على هذه الأمة، لما كانت أعمارهم أقل، وأجسادهم أضعف من الأمم السابقة، عوضهم الله تعالى بمضاعفة الأجر في هذه الليلة.
وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد علم موعد ليلة القدر على وجه التعيين، ثم أنسيها لحكمة يعلمها الله سبحانه وتعالى، ليتحفز الناس للعبادة والدعاء في كل العشر الأواخر، وأن لا يخصوا ليلة منها بعينها، والدليل على ذلك ما رواه البخاري في صحيحه عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم ليخبرنا بليلة القدر فتلاحى (تخاصم) رجلان من المسلمين فقال: خرجت لأخبركم بليلة القدر فتلاحى فلان وفلان فرفعت، وعسى أن يكون خيراً لكم فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة «. وروى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أريت ليلة القدر ثم أيقظني بعض أهلي فنُسيتها، فالتمسوها في العشر الغوابر» . فهذان الحديثان يبينان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمها، ويبينان نسيانه لها تحديداً ، هذا وقد روى البخاري في صحيحه من حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان» .
ومن علامات ليلة القدر أن الشمس تطلع في صبيحتها ليس لها شعاع، صافية ليست كعادتها في بقية الأيام، ويدل لذلك حديث أبي بن كعب رضي الله عنه أنه قال : أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنها تطلع يومئذٍ لا شعاع لها».
وثبت من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : «ليلة القدر ليلة طلقة، لا حارة ولا باردة، تُصبح الشمس يومها حمراء ضعيفة».
وعن دعاء ليلة القدر فقد ذكرت أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها أنها قالت للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: يا رسول الله أرأيت أن وافقت ليلة القدر ما أقول؟ قال عليه الصلاة والسلام وعلى آله: قولي: «اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عني».
فيديو قد يعجبك: