هل داعش "دولة إسلامية ؟!
بقلم – هاني ضوَّه :
نائب مستشار مفتي الجمهورية
منذ ظهور ذلك التنظيم الإرهابي الإجرامي المسمى "داعش"، بدأت وسائل الإعلام خاصة الغربية في إقرار المسمى الذي اعتمده لنفسه بأنه "دولة إسلامية" أو "Islamic State"، وهو ما يعد تزييفًا للحقائق، وتشويهًا متعمدًا لصورة الإسلام .. سواء كان ذلك بقصد أو غير قصد.
استخدام مسمى "الدولة الإسلامية" عندما نتحدث عن "داعش" الإرهابية هو بمثابة استسلام لها، وإلحاقهم بكلمة إسلامية هو تمجيد وشرعنة لأعمالهم الإجرامية التي لا يقرها الإسلام تحت أي مسمى.. لذا ناشدنا وسائل الإعلام في الغرب وغيره بعدم اطلاق مسمى "الدولة الإسلامية" على هذا التنظيم الإرهابي المتطرف.
ولكي ندرك كيف قد يساهم إقرار هذا المسمى للتنظيم الإرهابي في شرعنة أعمالهم، وجعلهم كيان معترفٌ به، علينا أولًا أن نُخضع هذا المسمى لمعايير العلوم السياسية الحديثة، وللمعايير والقيم الإسلامة لنرى هل "داعش" تعد "دولة" .. "إسلامية" .. أم لا؟!
المطالع لمفهوم الدولة في العلوم الإجتماعية والقانونية والسياسية الحديثة، يرى أن أول عناصر التعريف هو أن الدولة كيان سياسي – قانوني، ومن شروطة أن يكون هناك "اعتراف" بشرعية هذا الكيان السياسي القانوني، داخليًا وخارجيـًا -حسبما ذكرت بعض مراجع العلوم السياسية ورسائل الدكتوراه حول مفهوم الدولة ومنها رسالة د. أحمد عثمان-.
والإعتراف داخلياً يعني أن أغلبية أفراد المجتمع يٌقِرون بحق هذا الكيان في ممارسة السلطة عليهـم. وهذا الإقرار قد يتراوح بين الحد الأدنى وهو الإذعان، والحد الأقصى وهو التأييد والإعتـزاز. والإقرار بالحد الأدنى يعني عدم مقاومة سلطة تلك الدولة، أما الحد الأقصى فهو التهيؤ والإستعداد لحماية هذه الدولة والتضحية في سبيلها.
أما الإعتراف خارجيًا بدولة ما فيعني اعتراف الدول الأخرى بها، أو بعضها على الأقل، وتقبل بوجود هذا الكيان في الأسرة الدولية أو النظام الدولي.
وكل هذا لا ينطبق على تنظيم "داعش" الإرهابي" .. فلا هي معترف بها داخليًا من قبل المناطق التي قامت بالسيطرة عليها، بل تلقى مقاومة شرسه ورفض من أهل تلك البلدان، حتى اضطر البعض إلى النزوح منها لأنهم لا يطيقون المقاومة، كما أنه لا يوجد ولو حتى دولة واحدة اعترفت بداعش كدولة ضمن النظام الدولي.
ومن شروط الدولة كذلك كما قال علماء الاجتماع والقانون أن يكون لها أرض أو إقليم بحدود معروفة تمارس عليه وفيه سلطة الكيان السياسي- القانوني.
وهذا أيضًا لا يتوافر في تنظيم "داعش" الإرهابي ..
ومن هنا يتضح لنا أن إطلاق مسمى دولة على "داعش" لا يصح إطلاقًا بالمنظور الاجتماعي والقانوني والسياسي .. وأن ذلك يعطي هذا التنظيم الإسلامي شرعية وحجم أكبر من حجمه.
ودعونا نرى .. هل "داعش" تعد "إسلامية" .. هيا لنعرض أفعال داعش على القيم والمقاصد العليا للشريعة الإسلامية، لنرى .. حقيقة نسبتها للإسلام.
الله سبحانه وتعالى عندما أرسل الرسل والأنبياء لبيان شريعته للناس، جعل أحكام تلك الشرائع والأديان تدور أحكامها جميعًا حول حفظ الضروريات الخمس، والتي تتمثل في حفظ الدين، وحفظ النفس، وحفظ العقل، وحفظ العرض، وحفظ المال؛ لأن استقرار حياة الناس دينيًا ودنيويًا متوقف عليها، ومرهون بحفظها، فإذا ما فُقِدت اختلَّت الحياة في الدنيا، وانعدم النظام في المجتمع، ووجب العقاب بحق كل مفرط ومتهاون فيها.
وأول مقصد من مقاصد الشريعة هو حفظ الدين، وحفظ الدين حاصله في ثلاثة معانٍ، وهي: الإسلام والإيمان والإحسان، والمتابع لأفعال "داعش" يجد أنها تهدم تلك المعان، فسلوكهم يتناقض مع الغاية من إرسال الرسل، فهم يضيعون الدين بتكفيرهم لعباد الله، على الرغم من أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اعتبر "التكفير" مثل القتل سواءً بسواء، فقال: {من رمى مؤمناً بكفر، فهو كقتله}.
وداعش لم تتورع عن تكفير الناس، في الوقت الذي يقول فيه الله تعالى:{يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا، ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً تبتغون عرض الحياة الدنيا}. وبأفعالهم الإجرامية يخرجون الناس من دين الله أفواجًا ويشوهون صورة الإسلام فينفر الناس منه، فيهتكون بذلك مقصد حفظ الدين.
وأدى تكفير داعش لعباد الله إلى انتهاك مقصد أخر من مقاصد الشريعة وهو حفظ النفس، الذي هو واحدًا من أعظم مقصاد الشريعة، يقول تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا}، وقد عد النبي صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله حرمة دم الإنسان أشد من حرمة هدم الكعبة المشرفة، وقال: "لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يُصِبْ دمًا حرامًا".
وعن هدم مقصد حفظ العقل لدى داعش، فيتمثل ذلك في تبنيهم لفهم معوج ومشوه، فهم يلوون النصوص الشرعية من أجل تسخيرها في إقناع أتباعهم بتلك الأعمال الإجرامية المخالفة للشريعة ونصوصها، فليس لديهم منهج علمي وتركوا لعقولهم التي تربت على العنف والقتل والتكفير، العنان في تفسير النصوص الشرعية بحسب أهوائهم، فهدموا بذلك العقل والإنسانية، ولو أنهم لجأوا لأهل العلم والاختصاص الذين يملكون أدوات الاستنباط والفهم الصحيح، لحفظوا عقولهم وعقول الناس.
ولم يكتفي هذا التنظيم الإرهابي بذلك قضوا على مقصد الشريعة في حفظ العرض بأن هتكوا الأعراض وسبوا النساء وقاموا ببيعهم في أسواق الرقيق، مثلما فعلوا مع الفتيات الأزيديات في العراق، حتى أنهم أجبروا فتيات صغيرات بمدينة درنة الليبية وكذك في سوريا- بعضهن في الثانية عشرة- على الزواج مقابل توفير الحماية لأسرهن، فضلًا عن تبنيهم لفكرة جهاد النكاح التي أنتجت جيلًا من الأطفال مجهول النسب والهوية والجنسية.
أما عن استباحتهم الأموال فحدث ولا حرج .. فلم تسلم مدينة اجتاحتها همجية "داعش" من سرقة لأموال أهلها سواء المال العام أو الخاص مثلما يحدث في سوريا والعراق، بل فرضوا على الناس "إتاوات" تحت مسميات مختلفة مرة باسم "الخراج" مرة باسماء أخرى مع أن الله سبحانه وتعالى نهى عن ذلك إذ يقول في القرآن الكريم: {يا أيها الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ}.
وهكذا .. يتضح لنا أنه لا يصح أن "داعش" الإرهابية .. ليست دولة، وليست إسلامية، لأن هذا التنظيم الإرهابي المتطرف لا تنطبق عليه شروط الدولة في العلوم السياسية والاجتماعية، كما أنه يسعى إلى هدم مقاصد الشريعة كلها، وتشويه الإسلام، وإخراج الناس من دين الله أفواجًا.
ويكفي هنا أن نسقط أفعالهم على ما نصحنا به نبي الرحمة سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم في خطبة الوداع في أعظم جمع يوم الحج وأعظم مكان وأعظم زمان، لنرى كيف خالف هؤلاء الخوارج شرع الله وضربوا بمقاصد الدين عرض الحائط.
قال النبي سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم في وصيته لأمته في حجة الوداع: "إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا إلى يوم تلقون ربكم، ألا هل بلغت؟" فقالوا: نعم. قال: "اللهم اشهد، فليبلغ الشاهدُ الغائب، فرب مبلغ أوعى من سامع، فلا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض".
الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن كاتبه ولا تعبر بالضرورة عن موقع مصراوي.
للتواصل مع الكاتب:
hani_dawah@hotmail.com
موضوعات متعلقة:
- تفريخ الإرهاب في الشرق والغرب
- أهم 8 احداث للمسلمين في أوروبا بعد هجمات باريس؟
- في 4 مشاهد .. مسلمو الغرب يواجهون الإسلاموفوبيا
فيديو قد يعجبك: