"الإعدام" في بيت الإفتاء
بقلم - أحمد هاشم :
عقوبة الإعدام هي قتل شخص بإجراء قضائي يهدف في الأساس إلى الردع العام، وتعرف الجرائم التي تؤدي إلى هذه العقوبة بجرائم الإعدام أو جنايات الإعدام وتختلف طريقة تنفيذ عقوبة الإعدام بين دولة وأخرى فهناك دول تنفذه بطريقة "الذبح" وأخرى "رمياً بالرصاص" أما في مصر فتبطق "شنقاً" .
وقد طبقت عقوبة الإعدام في كل المجتمعات تقريبًا ما عدا المجتمعات التي لديها قوانين مستمدة من الدين الرسمي للدولة تمنع هذه العقوبة وتعد هذه العقوبة قضية جدلية رائجة في العديد من البلاد، ومن الممكن أن تتغاير المواقف في كل مذهب سياسي أو نطاق ثقافي.
ومنذ صدور القانون الجنائي الوضعي ولائحة الإجراءات الجنائية في مصر في أواخر القرن التاسع عشر وبمقتضاهما توقف تطبيق العقوبات المقررة في الشريعة الإسلامية مثل عقوبة الإعدام (فى الجنايات أو الحدود) كما توقف تطبيق قواعد الإثبات في فقه هذه الشريعة عند النظر في الجرائم بوجه عام .
وأصبح على محكمة الجنايات عند النظر في قضايا القتل العمد أن تسلك في الإثبات القواعد المبينة في قانون الإجراءات الجنائية والذي استقرت قواعده ونصوصه أخيرًا تحت هذا العنوان وعليها أن تستكمل ما لم يرد فيه بما ورد في قانوني المرافعات المدنية والإثبات.
حيث يبدأ المفتي بفحص القضية المحالة إليه من محكمة الجنايات، بدراسة الأوراق منذ بدايتها فإذا وجد فيها دليلاً شرعيًا ينتهي حتمًا، ودون شك بالمتهم إلى الإعدام وذلك حسب ما جاء بتقرير دار الإفتاء المصرية الذي أصدره الشيخ جاد الحق - رحمه الله - مفتي الجمهورية الأسبق .
فعمل المفتي هو عرض الواقعة والأدلة التي تحملها أوراق الدعوى على أنواع وشروط الأدلة ومعاييرها في الفقه الإسلامي، دون الالتزام بمذهب معين، بل عند اختلاف الفقهاء يختار الرأي الذي يمثل العدالة وصالح المجتمع ذلك لأن لكل دليل شروطه التي يلزم توافرها حتى يؤخذ به قضاء على ما هو مبين في موضعه من كتب الفقه.
لماذا ترفض دار الإفتاء الإعدام أحيانًا؟
وهنا منشأ الاختلاف الذى قد يقع وكثيرًا ما يقع بين الفتوى في بعض قضايا الإعدام وبين الرأي الذي انتهت إليه المحكمة لأن مستقى الدليل وضوابطه تختلف اختلافًا بيّنًا في القوانين الوضعية المعمول بها عنها في الفقه الإسلامي المستمد من الأصول الشرعية.
كما أن الفعل الذي أدى إلى موت المجني عليه تتفاوت عناصر تكييفه بأنه قتل عمد في الفقه الإسلامي عنها في القوانين السارية وليس ذلك اختلافًا في تقدير الدليل، بل هو اختلاف في ذات الدليل وضوابطه ومعاييره.
ففي فقه الإسلام يجري القاضي في الاستدلال على قواعد في كل دليله بحسبه أما في هذه القوانين فإن القاضي يحكم في الدعوى حسب العقيدة التي تكونت لديه بكامل حريته في نطاق القواعد القانونية العامة .
عرض الواقعة على القواعد الشرعية :
وهنا تصبح ضوابط الفتوى في قضايا الإعدام هي الالتزام بعرض الواقعة والأدلة، حسبما تحملها أوراق الجناية على الأدلة الشرعية بمعاييرها الموضوعية المقررة في الفقه الإسلامي وتكييف الواقعة ذاتها وتوصيفها قتلاً عمدًا إذا تحققت فيها الأوصاف التي انتهى الفقه الإسلامي إلى تقريرها لهذا النوع من الجرائم وهى إجمالاً: القتيل آدمي حي، وموت المجنى عليه نتيجة لفعل الجاني وأداة القتل ووسيلته وثبوت قصد القتل إما من الآلة المستعملة أو من الأدلة القضائية كالإقرار والشهود وقصد إحداث الوفاة، فإذا توافرت عناصر التكييف وقام عليها الدليل أو الأدلة الشرعية كانت الفتوى بالإعدام.
أما إذا خرج ما تحمله الأوراق عن هذا النطاق كان الإعمال لقول عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه الذي صار قاعدة فقهية في قضاء الجنايات لدى فقهاء المسلمين (لأن يخطئ الإمام في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة) لأن القرآن الكريم حرم قتل النفس الإنسانية بغير حق سواء كان هذا القتل عدوانًا أو كان جزاء فوجب التحقق من واقع الجريمة وتكييفها وقيام الدليل الشرعي على اقتراف المتهم إياها حتى يقتص منه.
فيديو قد يعجبك: