الإرهاب والقضاء
بقلم الدكتور - شوقي علام:
تابعنا بمزيد من الألم حادثة مقتل القضاة الثلاثة ومرافقيهم برصاص الغدر والإرهاب بمنطقة شمال سيناء، والمقصود من استهداف القضاة بطبيعة الحال هو توجيه رسالة إرهاب إلى السادة القضاة من أجل الفت فى عضدهم وتوهين عزائمهم عند القيام بمهام إصدار الأحكام القضائية.
ويبدو أن الإرهاب وعملاءه يعيشون فى عالم التيه والأوهام الضائعة، حيث لم يستوعبوا بعدُ أن شعب مصر بجميع أطيافه من قضاة وعلماء ودعاة وضباط وجنود وشرطة وجيش ورجال ونساء، قد عزموا عزماً أكيداً على خوض المعركة إلى نهايتها، كما عزم الإرهابيون تماماً على خوض المعركة إلى نهايتها، وقد جهل الإرهابيون أو تجاهلوا أن الشعب المصرى قد تجاوز بكثير جداً مرحلة التأسف على الشهداء التى تصل به إلى حالة الخنوع لابتزاز وضغوط الإرهاب الأسود.
نعم نحن نحزن على القضاة والجنود والضباط الذين يتعرضون للقتل برصاص الإرهاب الأسود، لكننا نعلم يقيناً أن معركتنا معركة حق لا معركة باطل، وأن قتلى الدفاع عن الوطن شهداء أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون، فنحن نتخذ من حزننا عليهم وقوداً وشحناً يديم علينا صبرنا وثباتنا فى خوض هذه المعركة، والتى نجزم إن شاء الله تعالى أنها ستنتهى لصالح الحق والوطن لا لصالح القتلة والإرهابيين، فعلى شعب مصر العظيم وفى مقدمتهم أسر الشهداء العظام الذين ضحوا بأرواحهم ودمائهم الزكية الطاهرة - الصبر والثبات والتكاتف من أجل تطهير بلادهم من الإرهاب وسمومه.
المعركة لا يخوضها رجال الشرطة وحدهم ولا رجال الجيش وحدهم وإنما يخوضها معهم جنباً إلى جنب السادة القضاة، سدنة الحق والعدل، وإلى جوارهم السادة العلماء الأجلاء الذين يعملون على تصحيح المفاهيم وتطهير الخطاب الدينى مما علق به من مفاهيم ساعدت على انتشار هذا الفكر الإرهابى، والكل يخوض المعركة بإخلاص واجتهاد وصبر ومثابرة وتكاتف وتعاون حتى تخرج بلادنا من محنتها، وعلينا أن ندرك إذن أن الإرهاب الأسود لا يفرق بين مقاتل ومفكر وعالم وقاض، الكل مستهدف والتكفير وسيلتهم والقتل غايتهم والشر عقيدتهم، ولا سبيل لنا إلا الجهاد فى سبيل الله تعالى لأجل حماية الوطن والدين من هؤلاء المجرمين.
لا سبيل إلى المصالحة ولا إلى التهاون وإلى التخاذل فى تخليص الوطن الحر من هذه الخفافيش الظلامية التى شوهت صورة الدين والإسلام، وجعلته فى أعين كثير من الناس وضمائرهم دين قتل وإرهاب، ولا شك أن ثمة مواجهات مباشرة تجرى على الأرض فى ميادين كثيرة لمواجهة هذا الفكر، ولكن علينا أن نفكر فى خطة شاملة تشمل مناهج التعليم والأفكار التى تؤدى إلى هروب الناس إلى الإرهاب.
وللأسف الشديد بعض الذين يزعمون أنهم يحاربون التطرف والإرهاب، ويزعمون أنهم يعملون على تجديد الفكر الدينى وتطوير الخطاب الدينى، يعملون عن قصد أو دون قصد على انتشار الأفكار المتطرفة، بعضهم ينكر السنة المطهرة بالكلية ويعلن أنها ليست بحجة وليست موجودة أصلاً، وبعضهم ينكر فرضية الحجاب الذى اتفقت كلمة علماء الأمة الإسلامية على فرضيته، وبعضهم ينكر وجود أمور معلومة من الدين بالضرورة، تمثل صُلب الإسلام الحنيف من عقائد وشرائع ثابتة، وبعضهم يحرّف تفسير آيات القرآن الكريم ويخرج بها عن مقصود الشرع الشريف، كل هذا يجعل البعض من أهل التطرف ينادى: «إن الدين مهدد، وإنه فى خطر»، فنعيد من جديد نداءات التطرف والإرهاب والقتل باسم حماية الدين، فالانحراف الفكرى فى الاتجاه المضاد ومحاربة المعلوم من الدين بالضرورة سبب أكيد وبيئة صالحة لوجود الفكر المتطرف بحجة حماية الدين.
الإسلام دين وسط لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، لا إلى أهل التطرف والتشدد والإرهاب، ولا إلى أهل التمييع والتسيب والإلحاد، دين وسط بين الإفراط والتفريط، بين الغلو والتمييع، وإذا أردنا أن نبقى على وسطية هذا الدين فلنقاوم الاتجاهين معاً لا محالة.
إن أخطر شىء فى هذه المعركة هو سلاح الكلمة، كلمة الحق التى تنبع من المعرفة والعلم والتخصص والإخلاص لهذا الوطن والحرص على سلامة أمنه وأمانه وإيمانه.
لابد أن نفسح المجال لأهل التخصص وحدهم ولا يزاحمهم من ليس متخصصاً فى قضية تجديد الخطاب الدينى، وإلا فإن الفشل الذريع هو النتيجة الحتمية للتزاحم على سُلم تجديد الخطاب الدينى ممن يعرف وممن لا يعرف.
إذا أردنا أن نواجه الإرهاب وأن نقضى عليه تماماً، وألا نبقى له أثراً، فليحارب كُلٌّ من مكانه وخندقه، ولا نفرق كلمة المصريين ببث أفكار وخلافات تشغل الناس عن قضاياهم الحقيقة المهمة، وفى مقدمتها قضية التنمية وبناء الإنسان المصرى الحضارى المتطور الذى يأخذ بركاب العلم والعمل لأجل النهوض بوطنه وجعله وطناً قوياً فى مقدمة الدول المتقدمة. والله ولى التوفيق.
فيديو قد يعجبك: