حب الوطن واجب ديني وأخلاقي
بقلم – هاني ضوَّه :
نائب مستشار مفتي الجمهورية
الوطن ليس مجرد أرض أو حدود جغرافية يعيش داخلها الإنسان، ولكنه جزء من أصل الإنسان لا ينفصل عنه حتى لو غادر حدودة لحدود أخرى، بل يظل يسكن في داخله ووجدانه كشعور فطري لا يمكن لإنسان أن يتخلص منه، فهو واجب شرعي وديني وأخلاقي.
وكان العرب قديمًا كما قال الجاحظ إذا غزَتْ، أو سافرت إلى مكان بعيد عن أرضهم، حملتْ معها من تربة بلدها رملًا وعفرًا تستنشقه شوقًا وحنينًا وانتماءً لوطنهم.
لذا اهتمت الشريعة الإسلامية بالأوطان وتعزيز حبها والانتماء إليها في نفوس المسلمين ودعت إلى كل ما من شأنه أن يرتقي بها ويؤدي إلى رفعتها ورقيها وعمارتها، وشددت النهي عن كل ما يهدد أمنها وسلامتها واستقرارها.
وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولنا فيه أسوة حسنة عندما هاجر إلى المدينة المنورة وقف ونظر إلى مكة المكرمة موطنه وقال: "ما أطيبَك من بلدٍ! وما أحبَّك إليَّ! ولولا أن قومي أخرجوني منك، ما سكنتُ غيرَك". وهي كلمات قالها الحبيب صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وهو يودع وطنه ويتمنى لو لم يخرج منه وتكشف عن حب كبير لوطنه الأول.
وهكذا طالبنا ديننا الحنيف أن يكون حبنا للوطن أكبر وأعظم من حبنا لأنفسنا، وأن نعلي من شأنه ونعمل على تنميته ورقيه، أن نتحمل المسؤلية كلًا في مجال عمله وتخصصه من أجل أن نرتقي بأوطاننا لتكون أفضل الأوطان، فالتعبير عن حب الوطن والانتماء إليه لا يكون بالشعارات الجميلة الرنانة، ولكنه يكون بالعمل والبناء والدفاع عنه ضد كل اعتداء قولي أو فعلي، وبذل الغالي والرخيص حتى تظل رايته مرفوعة خفاقة، فحب الوطن واجب شرعي وديني و أخلاقي، ولا يتم ذلك إلا بالتعاون بين المسؤولين والمواطنين فيقوم كل منهم بواجبه ومسؤليته تجاه الوطن، فيقوم المسؤلين بتهيئة الحياة وتيسيرها للمواطنين والرقابة في حين يقوم المواطنون بالعمل والبناء كلًا في تخصصه.
وقد حذرت الشريعة الغرام أيما تحذير من تدمير الأوطان وتهديد استقرارها بإطلاق الشائعات التي تهدد أمن واستقرار واقتصاد الوطن، أو بالسعي لتخريب مؤسسات الدولة بكافة الوسائل والطرق، أو إثارة الفتن والنعرات والطائفية بين أبناء الوطن الواحد، وهي من أخطر الأمور التي تفكك بناء الأوطان وتجعلها فريسة سهلة لأعداءه إذا ما تفرق أبناءه وابتعوا أهوائهم وطائفيتهم.
وحب الوطن من ضروراته الحفاظ على الأموال العامة ومؤسساته وهيئاته التي ينتفع بها البلاد والعباد، فيجب مواجهة الفساد والرشوة والمحسوبية التي تقضي على العدالة الإجتماعية وتثير الشحناء والبغضاء بين الناس، وقد بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن الناس شركاء في أمور في أوطانهم، لا يجوز لأحد الاستئثار بها، أو الاعتداء عليها وتخريبها وتدميرها، فقال صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله: "الناس شركاء في ثلاثة: في الكلأ، والماء، والنار"، فهي مسؤلية مشتركة بين الناس جميعًا مسؤولين ومواطنين لحماية وطنهم من الفساد والرشوة ومن كل ما يهدد أمن الوطن واستقراره، فالفساد لا يواجه إلا من الطرفين حتى يتم القضاء عليه.
موضوعات متعلقة:
- رجل أعمال: آيتان في القرآن تقضيان على مشكلة البطالة!
فيديو قد يعجبك: