تهنئة المسيحيين .. والصراع السنوي !!!
بقلم - هاني ضوه :
نائب مستشار مفتي الجمهورية
إني لأعجب من أناس يسعون بكل ما أوتوا من قوة لكي يقطعوا أواصر البر والرحمة بين أبناء الوطن الواحد اللذان يمثلان جناحي مصر -المسلمين والمسيحيين- بفتاوى متشددة تثير الكراهية والبغضاء بين إخوة يتشاركون الوطن الواحد لمجرد الاختلاف في العقيدة.
مع بداية كل عام دائمًا ما تثار فتاوى متشددة تحرم تهنئة المسيحيين بعيد ميلاد السيد المسيح بدعوى أن ذلك مخالف للعقيدة الإسلامية، ولم يعلم هؤلاء أن مجرد التهنئة ليست إقرارًا بالعقيدة المسيحية، ولكنها من باب البر والمودة والرحمة بين الناس، بل الله سبحانه وتعالى أرشدنا لذلك في القرآن الكريم مع من لم يناصبونا الحرب فقال تعالى: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِى الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾.
ولا شك أن التهنئة في المناسبات من باب البر والقسط، أما المنهي عنه شرعًا فهو التشبه والموافقة في الأفعال والاعتقادات التي نهى الإسلام عنها أو خالفت شيئًا من ثوابته. أما مجرد التهنئة فلا شئ فيها بل هي تعزز قيم المواطنة والتعايش السلمي بين أبناء الوطن الواحد.
ومن المقرر شرعًا أن الإسلام لم يمنعنا من مجالسة أهل الكتاب؛ وأن نأكل من طعامهم وشرابهم، بل أكثر من ذلك أباح لنا الزواج منهم؛ فقال تعالى: ﴿وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾، والزواج كما هو مقرر شرعًا ما هو إلا مودة ورحمة؛ قال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾، ومن غير المعقول أن يتزوج المسلم بامرأة من أهل الكتاب، ويطلب عندها المودة والرحمة، وتهنئه في عيده ولا يرد التهنئة في عيدها، ألم يكن ذلك مخالفة صريحة لنص القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا﴾.. [النساء: 86]، حيث إنه لم يفرق بين من يلقي التحية مسلم أو غير مسلم، والتهنئة في الأعياد ما هي إلا نوع من التحية.
وفي عام الوفود سمح النبي صلى الله عليه وآله وسلم لوفد مسيحيي نجران أن يؤدوا صلاواتهم في مسجده الشريف.
وللأسف من يقومون بإطلاق الفتاوى المتشددة في مثل هذه المناسبات قد غاب عنهم أن النصوص الشرعية تتكامل ويجب أن يراعى سياقاتها وأنها كالجملة الواحدة، وقد قَبِلَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم الهدية من غير المسلمين، وزار مرضاهم، وعاملهم، واستعان بهم في سلمه وحربه حيث لم يرَ منهم كيدًا، كل ذلك في ضوء تسامح المسلمين مع مخالفيهم في الاعتقاد.
وعلماء الإسلام قد فهموا من هذه الأحاديث أن قبول هدية غير المسلم ليست فقط مشروعة أو مستحبة؛ لأنها من باب الإحسان، وإنما لأنها سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
نحن في أشد الحاجة في تلك المرحلة الدقيقة من تاريخ وطننا مصر أن ندعم أواصر المحبة والمودة والرحمة والتآلف بيننا كمسلمين ومسيحيين لأن هذا الوطن لا يقوم إلا بنا، ونحن عماده وحائط الصد المنيع ضد محاولات ومؤامرات نشر الفتن، ولكي نحقق وصف النبي صلى الله عليه وآله وسلم لنا عندما قال عن أهل مصر: "إنهم في رباط إلى يوم القيامة".
فيديو قد يعجبك: