لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

بأيّ ذنب قُتلت؟

بأيّ ذنب قُتلت؟

08:00 م الأربعاء 07 نوفمبر 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم: د.محمود الهواري
مع كل حادثة أو مصاب يلمّ بالشعب المصري -ومن ثم بالأمة كلّها- تتحرك الأفكار وتسكن، وتجول وتستقر، وتثور وتهدأ، فتذهب إلى أقصى اليمين وتعود إلي أقصى اليسار في محاولة مجهدة للذهن، ومقلقة للقلب؛ لكشف ما يتعلق بالأحداث من دوافع ونتائج وملابسات.

وبعد رحلة فكرية مضنية -معها محصول لفظي غير منضبط غالبا- يرجع الناس بمعانٍ كثيرة، منها ما يؤثر على علاقة الناس بعضهم ببعض تشكيكا في النيات، واتهاما دون بينات، ومنها ما يؤكد نظرية المؤامرة، وغير ذلك من محصول فكري لا يعود علينا كمواطنين بفائدة تذكر.

وتروادني باعتباري واحدا ممن تطوف أفكارهم في هذه البلايا والأحداث التي منيت بها مصر، تروادني أسئلة أجدني مدفوعا بقوة لطرحها على هؤلاء القتلة المجرمين الذين اعتدوا على حافلة المنيا، فلماذا يفعلون هذا؟ وما الفائدة منه؟ وما جنسياتهم؟ وما خلفياتهم؟ ولأي جهة يعملون؟.

كثير من الأسئلة يسابق بعضها بعضا تصرخ فيهم، وتسألهم بقول الله تعالى: "بأي ذنب قتلت"؟.
والذي لا أشك فيه أن مقصود هؤلاء المجرمين المفسدين أن تكون مصر خرابة كبيرة، يعشش فيها بوم الطائفية، ومشاعر البغضاء والكراهية والحنق بين أبناء الشعب الواحد.
والذي يرتضيه ضميري أن هؤلاء القتلة المجرمين لم ينطلقوا من دين، أيًّا كان هذا الدين.

وكيف يكونون أصحاب دين وقد حافظ الدين على الحياة في كليات خمسة تشمل جوانب الحياة كلها، هي: الدين، والنفس، والعقل، والنسب، والمال، وجعلها بعضهم ستة فزاد على الخمسة المذكورة، العرض، والأمر بالمحافظة عليها واضح في القرآن والسنة، وهذه الكليات اتفقت الأديان السماوية وأصحاب العقول السليمة على احترامها وصيانتها.
فهذا القرآن يكرِّم بني آدم دون إشارة للعقيدة، فيقول الله تعالى: "ولقد كرمنا بني آدم..." بغض النظر عن اللون أو المعتقد، ويجعل قتل نفس واحدة كقتل البشرية كلها بملياراتها الكثيرة، ويعظِّم من حياة الفرد حتى يساوي حياته بحياة البشرية كلها، قال تعالى: "...مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا".
وأمر بحسن التعامل مع عموم الناس، فقال تعالى: "وقولوا للناس حسنا"، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "وخالق الناس بخلق حسن".
فالذي يأمر بحسن القول لا يأمر طبعا بسفك الدم.

وهذا العهد الجديد في إنجيل متى أحد أناجيله الأربعة يأمر بالبر والصلة لغير المسيحيين، جاء من كلام المسيح عليه السلام: مَنْ لَطَمَكَ عَلَى خَدِّكَ الأَيْمَنِ فَحَوِّلْ لَهُ الآخَرَ أَيْضًا. وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُخَاصِمَكَ وَيَأْخُذَ ثَوْبَكَ فَاتْرُكْ لَهُ الرِّدَاءَ أَيْضًا.
وقال أيضا: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ.

ولست بهذا الكلام أدافع عن دين الله، فالدين ليس متهما، ولو رحت أستدل على حرص الدين على حياة الإنسان لطال المقام. والذي يقبله عقلي أن الهدف الأعظم من هذه الأحداث مصر في ذاتها، مصر بموقعها، مصر بأثرها وتاريخها، مصر بشعبها، مصر بمواطنيها عامة، فالرصاص الغادر لا يفرق بين مسلم وغيره، ولا بين رجل وامرأة، ولا بين شيخ كبير وطفل صغير، والقتل والتفجير والاغتيالات الحسية والمعنوية لا تستند إلى هوية.

إضافة إلى أهداف أخرى كتشويه الدين، وإذهاب قدسيته من نفوس أهله، وإيجاد ذريعة للتدخل الأجنبي، وغير ذلك.
إن اليد الغادرة التي سفكت الدماء وأزهقت الأرواح لم تفرق بين المسلمين المصلين في مسجد الروضة بسيناء، وبين المسيحيين العائدين من دير الأنبا صموئيل بالمنيا.
والذي لا ينبغي أن يكون أن تدفع الأحداث شعب مصر للتعامل بكلمتي "نحن" و"هم"، فهذا الأثر الغريب يسعد قلوب الفسدة، وانقسام الشعب إلى "نحن" و"هم" فخ كبير يريدون أن يوقعونا فيه.
وبداية هزيمة هذه الأفكار يوم أن نكون جميعا أفرادا ومؤسسات يدا واحدة ضد هذا العفن الممنهج.

ولا يخفى على الكثيرين أن المسألة مسألة بيزنس ولقمة عيش لمرتزقة إرهابيين وظّفهم أسيادهم ممن لا يرقبون في الشعوب الآمنة إلًّا ولا ذمة.

إعلان

إعلان

إعلان