لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

ما هكذا يا سعد تورد الإبل!

د. محمود الهواري

ما هكذا يا سعد تورد الإبل!

07:39 م الخميس 20 ديسمبر 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم د. محمود الهواري

كثيرا ما يتمثَّل الإنسان بكلمات، يرى أنها تعبر عما بداخله أصدق تعبير، وتختصر كثيرا من المعاني التي يحملها بين جوانحه.

وقد لا يعرف الناطق بهذه الكلمات أنها أمثال عربية لها مورد ومضرب!

وعنوان مقالنا مَثلٌ من أمثال العرب السائرة التي لها قصة لا بأس أن نتذكرها.

وأصل المثل كما يذكر الميداني صاحب كتاب مجمع الأمثال: أن سعدا هذا المذكور في المثل والمشتمل بشملته، هو سَعْد بن زيد مَنَاة أخو مالك بن زيد مَنَاة، وكان مالك أخوه يُقَال له: آبل من مالك، فقد كان أحسن الناس رعاية للإبل، فكان آبل زمانه، ولما تزوج مالك وَبَنَى بامرأته، ترك الإبل لأخيه سعد يقوم على رعايتها، إلا أن سعدا لم يحسن القيام على شئونها، ورعايتها فقال مالك هذا البيت:

أوْرَدَهَا سَعْدٌ وسَعْدٌ مُشْتَمِلْ ... مَا هكَذَا يا سعدُ تُورَدُ الإبل

والمثل يضرب لمن قَصَّر في الأمر، ولم يقم بواجبه على الوجه الأكمل الأتم.

ولا أدري لماذا تذاكرت هذا المثل تحديدا في الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية!

وأنا أحدثكم بحديث نفسي.

فلعل المثل قفز إلى ذهني مباشرة بهذه المناسبة لأقوله لكل من يقصر في حق اللغة العربية، تلك اللغة الساحرة التي ينطق بها ملايين البشر.

تلك اللغة التي يتعبد بها المليار ونصف المليار مسلم في جميع أرجاء العالم.

تلك اللغة التي تعد مصدرا لتراث ثقافي وعلمي وحضاري بديع.

فلعلنا نذكِّر بهذا المثل من يقصر في حق لغتنا وحضارتنا وثقافتنا.

فهل من الصواب أن نبالغ في إكرام اللغات الأجنبية على حساب لغتنا الأم؟

صحيح أن الشرع أمرنا أن نتعلم ما استطعنا من علم، ومن هذا العلم لا شك علم اللغات على اختلافها، حتى لقد أُثر أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أمر زيد بن ثابت أن يتعلَّم لغة يهود، ولما كان زيد رضي الله عنه ذا همة عالية فقد تعلمها وحذقها في خمس عشرة ليلة كما يروي أحمد في مسنده، وأُثر عن الصحابة كذلك أنهم كانوا يكرهون اللحن في الكلام، والخطأ في الإعراب، وكانوا يؤدبون أولادهم إذا ما وقعوا في ذلك.

لكن هل يرضى الشرع الذي أَمر بحفظ اللغة وصيانتها بحالنا مع لغتنا العربية وحالها معنا؟

وهل يرضى الشرع أن نهمل لغتنا التي تشكل هويتنا ووعينا وثقافتنا؟

وهل يرضى الشرع أن نترك لغة ارتضاها الله عز وجل لغة لكتابه المنزل بلسان عربي مبين، يظهر للناس مرادات الله في آياته، إلى لغات أخر؟

وهل يمكن القول إننا جفونا لغتنا فما عدنا نجريها على ألسنتنا تحدثا؟

وهل ننكر أننا في كثير من المؤسسات نحتاج إلى مدقق لغوي يراجع المكاتبات خوفا من الوقوع في خطأ لغوي؟

وهل ننكر أن الفصحاء والبلغاء أصبحوا قلة قليلة بين المتصدرين للمنابر الإعلامية والثقافية وغيرهما؟

وإذا قلَّ المتحدثون بالفصحى بين المتعلمين فهل يُرجى أن يتكلم بها العوام؟!

إن هذه اللغة تقتل بيد أهلها؛ فكثيرا ما يطالعنا هذا المشهد الذي يستدعي فيه بعض الظرفاء بضع كلمات لم يعد لها وجود إلا في بطون المعاجم والقواميس فيجرونها على ألسنتهم الآثمة مع شيء من التمايل والتقعر الممجوج، ويجعلها مادة للسخرية، والضحك، والفكاهة؛ لتكون النتيجة أن تقتل هذه اللغة البريئة وتدفن مع ما يرتبط بها من دين وحضارة وثقافة؟

إن مؤسسات الدولة على اختلافها وتنوعها يجب أن تتبنى مبادرة العودة للفصحى.

أتخيل أن يقرأ طلابنا لغتهم، ودروسهم فيتمايلون طربا لجمال ألفاظها، وجزالة معانيها، وحسن تشبيهاتها.

إن التقصير في حق اللغة العربية جُرم يستحق تقصّي أسبابه بدقة، والعمل على إنصافها من ألسنتنا.

ويرحم الله الأديب مصطفى صادق الرافعي حين قال: ما ذلَّتْ لغةُ شعب إلا ذلَّ، ولا انحطَّت إلا كان أمره في ذَهاب وإدبار.

ويرحم الله علامتنا محمود محمد شاكر حين قال: وإنّ امرءًا يقتل لغته وبيانها، وآخر يقتل نفسه، لمثلان؛ والثاني أعقل الرجلين.

إعلان

إعلان

إعلان