لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

رسائل التسامح ما بين المفتي "محمد عبده" والأديب العالمي "تولستوي"

07:25 م الأربعاء 21 فبراير 2018

بقلم – هاني ضوه:

عاشا في زمان واحد، ولم يلتقيا قط .. اختلفا في الديانة والجنسية، ولكن اتفقا في الإنسانية .. وجمعهما التسامح والمحبة، أحدهما للآخر، والاتفاق على أن الدين ما جاء إلا لصلاح الإنسانية، وأن الهدف الأسمى له وحدة جميع البشر وتعارفهم وتعاونهم معًا بمحبة ورحمة.

إنهما العظيمان الشيخ محمد عبده –أول مفتي رسمي لمصر- والأديب العالمي "تولستوي" اللذان أحدثا نهضة فكرية غير مسبوقة في عصرهما، وضربا مثالًا للمحبة والتسامح غير مسبوق، وخلد ذلك رسالتان متبادلتان بين الشيخ محمد عبده وتولستوي محفوظتان في متحف "تولستوي" بموسكو.

وقد أثارت كتابات الأديب العالمي "تولستوي" حول النبي سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم إعجاب الشيخ محمد عبده، فقد كان تولستوي رغم مسيحيته معجبًا بشدة بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، ويعتبر الإسلام دينًا راقيًا وإنسانيًا، وحينها قرر الشيخ محمد عبده أن يتواصل مع تولستوي، ولم يكن هناك إلا الكتابة وسيلة.

وبالفعل في 8 أبريل من عام 1904 بادر الشيخ محمد عبده بمراسلة تولستوي من بيته في عين شمس، ليرد عليه الأديب العالمي برسالة أخرى، وفي الحقيقة الرسالتان تحملان في طياتهما معاني من الرقي والإنسانية والمحبة والتسامح بين نموذجين نحن في أشد الحاجة إليهما في وقتنا المعاصر، كونهما يمثلان نموذجًا فريدًا في وقت سادت فيه الكراهية وإقصاء الآخر لمجرد الاختلاف في الدين أو العرق أو اللون أو البلد.

وأترككم لتأمل نص الرسالتين، وأضعهما متتاليتين لتروا كيف يتعامل العقلاء وإن اختلفوا: 

رسالة الشيخ محمد عبده إلى تولستوي:

«عين شمس، ضواحي القاهرة، في 8 أبريل 1904..  أيها الحكيم الجليل مسيو تولستوي، لم نحظ بمعرفة شخصكم ولكننا لم نحرم التعارف بروحكم. سطع علينا نور من أفكاركم، وأشرقت في آفاقنا شموس من آرائكم ألفت بين نفوس العقلاء ونفسكم. هداكم الله إلى معرفة سر الفطرة التي فطر الناس عليها ووقفكم على الغاية التي هدى البشر إليها، فأدركتم أن الانسان جاء إلى هذا الوجود لينبت بالعلم ويثمر بالعمل ولأن تكون ثمرته تعباً ترتاح به نفسه وسعياً يبقى ويرقى به جنسه، وشعرتم بالشقاء الذي نزل بالناس لما انحرفوا عن سنة الفطرة واستعملوا قواهم التي لم يمنحوها إلا ليسعدوا بها في ما كدر راحتهم وزعزع طمأنينتهم. نظرتم نظرة في الدين مزقت حجب التقاليد ووصلت بها إلى حقيقة التوحيد ورفعتم صوتكم تدعون الناس إلى ما هداكم الله إليه وتقدمتم أمامهم بالعمل لتحملوا نفسوهم عليه. فكما كنتم بقولكم هواة للعقول كنتم بعلمكم حاثين للعزائم والهمم. وكلما كانت آراؤكم ضياء يهتدي به الضالون كان مثالكم في العمل إماماً يقتدي به المرشدون. وكما كان وجودكم توبيخاً من الله للأغنياء كان مدداً من عنايته للفقراء. وإن أرفع مجد بلغتموه لأعظم جزاء نلتموه على متاعبكم في النصح هو هذا الذي سموه بالحرمان والابعاد. فليس ما كان إليكم من رؤساء الدين سوى اعتراف منهم أعلنوه للناس بأنكم لستم من القوم الضالين. فاحمدوا الله ان فارقوكم بأقوالهم كما كنتم فارقتموهم في عقائدهم وأعمالهم، هذا وإن نفوسنا لشيقة إلى ما يتجدد من آثار قلمكم فيما تستقبلون من أيام عمركم، وإن لنسأل الله ان يمد في حياتكم ويحفظ عليكم قولكم ويفتح أبواب القلوب لفهم ما تقولون ويسوق الناس إلى الاهتداء بكم فيما تعملون والسلام. مفتي الديار المصرية محمد عبده».

وجاء رد الأديب العالمي تولستوي على رسالة الشيخ محمد عبده بالفرنسية بناء على طلبه بعد أربعة أسابيع من استلامه للرسالة، وقال في رده:

«صديقي العزيز، لقد تلقيت رسالتكم الطيبة الحافلة بالمديح، وها أنذا أسارع بالرد عليها، مؤكداً لكم أولاً على السعادة الكبرى التي اعطتني اياها، إذ جعلتني على اتصال برجل متنور، حتى ولو كان ينتمي إلى إيمان يختلف عن إيماني الذي ولدت فيه وترعرعت عليه، ومع هذا فإني أشعر بأن ديننا واحد، لأني اعتقد ان ضروب الايمان مختلفة ومتعددة، ولكن ليس ثمة سوى دين واحد هو الدين الحقيقي. وإنني لآمل ألا أكون مخطئاً إذ افترض، عبر ما يأتي في رسالتكم، بأنني ادعو إلى الدين نفسه الذي هو دينكم. الدين الذي يقوم على الاعتراف بالله وبشريعة الله التي هي حب القريب، ومبادرة الآخر بما نريد من الآخر ان يبادرنا به. انني لمؤمن بأن كافة المبادئ الدينية الحقيقية تنبع من هذا المصدر، والأمر ينطبق على اليهود كما ينطبق على اتباع براهما وعلى البوذيين والمسيحيين والمسلمين، وانني لأرى أنه بمقدار ما تمتلئ الاديان بضروب الجمود الفكري، والأفكار المتبعة والاعاجيب والخرافات، بمقدار ما تفرق بين الناس، بل تؤدي إلى توليد العداوات في ما بينهم. وفي المقابل بمقدار ما تخلد الأديان إلى البساطة وبمقدار ما يصيبها النقاء، تصبح أكثر قدرة على بلوغ الهدف الأسمى للانسانية: وحدة الجميع، وهذا هو السبب الذي جعل رسالتكم تبدو لي ممتعة، مما يجعلني أرغب في البقاء على تواصل معكم. للمناسبة ما رأيكم في مذهب الباب، بهاء الله، واتباعه؟ في النهاية أرجو ان تتقبلوا يا جناب المفتي تعاطف صديقكم. ليون تولستوي».

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان