من يعرفه ومن لا يعرفه تأثر به.. أسطورة أحمد خالد توفيق
كتبت- سارة عبدالخالق:
صدقة جارية.. عمرة.. دعوات من القلب بالرحمة والمغفرة.. أعداد غفيرة تشهد جنازته.. عيون وقلوب حزينة على فراقه.. أشخاص يعرفونه وآخرون لم يعرفوه.. ناس قابلته والبعض لم يقابله من قبل.. شباب نشأ على كتاباته .. جيل كامل تأثر بشخصيته وروحه وفكره.. شخص من الصعب أن يتكرر!
إنه الراحل الكاتب الكبير الدكتور (أحمد خالد توفيق)، هذا الروائي الأسطورة الذي ترك بصمة وعلامة فارقة في حياة الآخرين، وكان له دور فعال إيجابي مؤثر، رحل عن عالمنا، وما زالت كتاباته وأفكاره وتأثيره في الملايين باقيا..
قد يرحل الإنسان بجسده، ولكنه ترك شيئا مؤثرا وعظيما، ترك جيلا بأكمله واعيا مثقفا متأثرا به وبشخصيته وبفكره الواعي، متأثرا بتواضعه وقربه من الناس، متأثرا بأخلاقه وسعة صدره وتفهمه لجيل من الشباب نشأ على قلمه وكتاباته.
من مقولاته الشهيرة- رحمة الله عليه: (أنا أخشى الموت كثيرا، ولست من هؤلاء المدعين الذين يرددون في فخر طفولي نحن لا نهاب الموت، كيف لا أهاب الموت، وأنا غير مستعد لمواجهة خالقي).
ماذا فعلت يا (رفعت إسماعيل)؟!.. ماذا فعلت يا (دكتور أحمد خالد توفيق)؟!.. في جمهورك وقرائك، إنه شخص بكل ما أتاه الله من علم ومعرفة لم يكن يبحث عن الشهرة أو السيط أو الغنى، بل كان شخصا مهذبا خلوقا مميزا بأخلاقه وعلمه وثقافته وفكره ومعرفته.
ماذا فعلت لكي يرزقك الله محبة كل هؤلاء البشر؟!.. ماذا فعلت ليكون أول عمل يؤنسك في قبرك هو صدقة جارية من أشخاص لا تعرفك؟!.. ماذا فعلت لكي يقوم ناس في الصعيد بالقيام بعمل وصلات مياه للبيوت كصدقة جارية على روحك؟.. ماذا فعلت لكي يسخر لك الله ناس تقوم بعمل عمرتين لك في أول يوم لك في قبرك؟!.. ماذا فعلت لكي يسير وراء جثمانك ويصلي عليك كل هذه الأعداد ؟!.. ماذا فعلت لكي تتحول كل منصات التواصل الاجتماعي (السوشيال ميديا) إلى دعوات ورحمات متمنية من الله – عز وجل – القبول)؟!
نشرت إحدى مستخدمات موقع التواصل الاجتماعي "الفيسبوك" تدعى (أماني ممدوح) على صفحتها: (الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات عمرة عن الأستاذ عسى أن الله يتقبلها ويجعل أول ليلة له في قبره نورا وبردا وسلاما، ويجعله في مقعد صدق عند مليك مقتدر، انشروا الفكرة لو أن كل تلميذ تصدق بجنيه لو أن مائة فقط من أحبائه قاموا بالعمرة عنه لعلنا نوفي بعض حقه علينا، غفر الله لك يا أستاذ جيلنا، وألحقك بصحبة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وألحقنا بك على خير غر فاتنين ولامفقودين).
وهناك آخرون تبرعوا بمبالغ مالية من أجل المساهمة في حفر بئر وبناء مسجد والمشاركة في بناء مستشفى خيري والمشاركة في تسقيف منزل ووحدة غسيل كلوي ومشاركة في شراء جهاز طبي، كل ذلك بنية صدقة جارية على روح الكاتب الكبير (أحمد خالد توفيق).
(اللهم نسألك أن تتقبلها وتجعلها نورا في قبره وأول عمل صالح يرافقه، اللهم سخر لنا من يدعو لنا بعد الموت، ومن يتذكرنا بالأعمال الصالحة).
عن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: (إذا أحب الله عبدا نادى جبريل: إني قد أحببت فلانا، فأحبه، قال: فينادي في السماء، ثم تتنزل له المحبة في أهل الأرض، فذلك قول الله: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا}، وإذا أبغض الله عبدا نادى جبريل: إني أبغضت فلانا، فينادي في السماء ثم تتنزل له البغضا في الأرض) – صحيح الترمذي.
وعن أنس بن مالك – رضي الله عليه – قال: مر بجنازة فأثنى عليها خيرا، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم - : (وجبت، ومر بجنازة أخرى فأثنى عليها شرا، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: وجبت، فقال عمر: فداك أبي وأمي، مر بجنازة فأثني عليها خيرا، فقلت: وجبت، ومر بجنازة فأثنى عليها شرا، فقلت: وجبت، فقال: من أثنيتم عليه خيرا وجبت له الجنة، ومن أثنيتم عليه شرا وجبت له النار، أنتم شهداء الله في الأرض) – صحيح النسائي.
نحن لا نزكيه على الله، لكن عندما يرحل عن عالمنا أشخاص أمثال دكتور (أحمد خالد توفيق) نحزن في صمت، ويمتلكنا شعور لانستطيع وصفه، ويجعلنا نتساءل ماذا فعلنا نحن في حياتنا لكي نترك بصمة وعلامة فارقة في حياة الآخرين؟!
إن الموت يأتي فجأة وجميعا نعلم هذا، ولكننا ما زالنا في غفلة غير مقتنعين أن دورنا قد يحين في أي لحظة، قد أكون أنا أو أنت أو زميلك أو... إنها الحقيقة التي يجب أن نعمل لها ونستعد لها، ونعد أنفسنا لمثل هذه اللحظة التي لا رجعة فيها، هذه ليست دعوة للتشاؤم أو الحزن بل هي دعوة للبحث عما بداخلنا من خير وأعمال قد تفيدنا أو تفيد غيرنا وتؤثر فيه، وتترك بصمة إيجابية.
فمد يد العون وإدخال البهجة والسعادة على الآخرين أو أي عمل أو فعل مفيد له ثواب وفضل عند الله، فالله- عز وجل- يؤتي كل ذي حق حقه، فقد ترى أن شيئا صغيرا لا يفيد بل هو عند الله عظيم، فرب العالمين يؤجر الشخص على نيته الحسنة، فمبالك بعملك وفعلك وتأثيرك؟!
لقد كان دكتور (أحمد خالد توفيق) مثالا ونموذجا يحتذى به في حسن تقديم الخير للآخرين، فهو شكل فكرا وجيلا واعيا محبا للقراءة، أدخل السعادة على قلوب الكثيرين، وكان بسيطا متواضعا لا يبحث عن شهرة أو مال، بل كان يحب ما يعمل ومتقنا له، كان طبيبا استغل علمه لكي ينقله لقرائه بصورة مختلفة مشوقة مثيرة مفيدة من خلال قصصه وكتاباته، كما أنه لم يتوقف عند هذا الحد، بل سعى أن ينشأ جيلا مثقفا واعيا بالعالم من حوله، فكان حريصا على أن يوظف معرفته وثقافته بالكتب الأجنبية ويستغل علمه باللغات الأجنبية، ليقوم بترجمة القصص والروايات والكتب العالمية إلى العربية حتى يستفاد الشباب منها.
فلابد للفرد أن يكون مثقفا مطلعا ليس مقتصرا على مجال واحد، لأن معرفتك وثقافتك المتعددة من المؤكد أنها تؤتي ثمارها بعد ذلك، وتجعلك ذو قيمة وفائدة وذو شخصية فريدة من نوعها تعطي مما لديها للآخرين.
فإتقانك لعملك، وتميزك في مجالك، وبحثك لتقديم العون للآخرين، ودورك في الحياة، وسعيك للعمل الصالح من أجل آخرتك ليس بالعمل السهل البسيط!
يذكر أن الدكتور أحمد خالد توفيق فراج (1962 – 2018 م)، هو مؤلف وروائي وطبيب مصري، ترك بصماته في جيل من الشباب الذي تأثر بكتاباته وراياته، وهو يعتبر أول كاتب عربي في مجال أدب الرعب والأشهر في مجال أدب الشباب والفانتازيا والخيال العلمي، وصاحب الشخصية الشهيرة (رفعت إسماعيل) بطل سلسلة (ما وراء الطبيعة) المعروفة لدى عدد كبير من الشباب، وله عدد كبير من الروايات التي حققت نجاحا جماهيريا كبيرا، بالإضافة إلى العديد من الكتابات الصحفية في عدد من الصحف والمجلات والمواقع الإلكترونية، وقام بترجمة عدد كبير من روايات أدبية عالمية، وعلى الرغم بانشغاله في الكتابة إلى أنه لم يترك مجاله الأساسي وهو العمل في مجال الطب حيث كان عضو هيئة التدريس واستشاري قسم أمراض الباطنة المتوطنة بكلية الطب جامعة طنطا.
وقد توفي في 2 أبريل عام 2018 م، ودفن في 3 أبريل عن عمر يناهز 55 عاما إثر أزمة صحية مفاجئة.
رحم الله د. أحمد خالد توفيق الذي ترك بصمة مؤثرة بعلمه وأخلاقه وفكره
رحم الله من كان دليلا وقدوة لجيل من الشباب
رحم الله (العراب).. الأسطورة الباقية في الأذهان والعقول والقلوب
فيديو قد يعجبك: