هذيانٌ لا يقول به عاقل.. شيخ الأزهر يُفنّد القول بوجود الكون صُدفة
قال فضيلة الإمام الأكبر: إن كثيرًا من العلماء ذهب إلى أن قضية إثبات وجود الله تعالى لم تكن من أولويات القرآن الكريم؛ وذلك لما تتمتّع به هذه القضية من يُسْرٍ وسهولة في إثباتها وإدراكها، ولما تتميّز به معرفة الله تعالى من حضورٍ مستمر في وِجدان الناس جميعًا، وهو ما يُعَبَّر عنه أحيانًا بـ "فِطْريّة الشعور بوجود الله"، ويقولون: إن الآياتِ التي جاءت تتحدث عن وجود الله، إنما جاءت لتُثْبِتَ وَحْدانيّته تعالى، ونَفْيَ الشريكِ عنه.
وبيّن فضيلته خلال برنامج "الإمام الطيب"؛ أن قضية وجود الله تعالى رغم أنها تُعَدّ من أقربِ القضايا إلى العقل والوِجدان؛ إلا أننا قد وجدنا في كل زمان مَن جحدوا الصانع المُدَبِّر العالِم القادر، وقد جاءت آيات القرآن الكريم لتَرُدَّ على هؤلاء جميعًا في كل زمان وكل مكان، وكان مُعتمَد آيات القرآن -في هذا المقام- هو بيان العناية والإبداع والحكمة في هذا العالَم، وفي نُظُمه وقوانينه ونواميسه، وبيان عظمة الله وقدرته في كل مصنوعاته، وأن كل ذلك إنما يستدعي خالقًا وصانعًا ومُدَبِّرًا.
وأوضح الإمام الأكبر؛ أن آياتِ القرآن الكريم تستوعب في إعجازٍ إلهيٍّ خلاصةَ الاستدلالات السابقة، التي طَوَّلَ بها كلٌّ من: أصحاب الفطرة، والمتكلمين، والفلاسفة؛ فقد رَدّ القرآنُ الكريم بضروريّاتٍ فكرية على مَن انحرفت فطرته، وذلك في آيةٍ قصيرة من آياته الكريمة: {أم خُلقوا من غير شيء أم هم الخالقون}، والجزء الأول من هذه الآية: {أم خُلقوا من غير شيء}؛ يُقَرِّر -عن طريق الاستفهام الاستنكاري- استحالةَ أن يجيء الوجود من العدم، أمّا الجزء الثاني من الآية الكريمة: {أم هم الخالقون}؛ فإنه يُقَرِّر -بطريق الاستفهام الاستنكاري أيضًا- استحالةَ أن يخلق الشيءُ نفسَه؛ فلا يصحّ في منطق العقول أن يكون المخلوق خالقًا، كما لا يصحّ أن يكون الخالق مخلوقًا.
وأضاف فضيلته: أنه بالرغم من أن الكون محتاج في وجوده إلى «الخالق»، وأن عقول البسطاء -فضلًا عن عقول العلماء والفلاسفة والمفكرين- لا تُصَدِّقُ أبدًا أن يستغنيَ العالَم في إخراجه من العدم إلى الوجود عن موجِد، إلّا أن بعضًا ممن يوصفون بالعلم أو الفلسفة أو الفكر تستريح أذهانهم إلى مثل هذا التصوُّر الشاذ، بل المستحيل، ويقولون: إن هذا الكون لم يوجده موجِد، وإنما حصل هكذا عن طريق الصدفة، وحين يُسألون عن كيفية حصول العالَم عن طريق الصدفة؛ يقولون: إن ملايين الملايين من الذَّرّات اللانهائية كانت تتحرك في فضاءٍ لا نهائي، وفي أزمنةٍ سحيقة لا نهائية، ولم تكن في تحركاتها تهدِف إلى غاية معينة، وإنما تتحرك حيثما اتفق وكيفما تَيَسّر، وفجأةً التحمت هذه الذرات بعضها ببعض؛ فتَكَوَّنَ منها في بادئ الأمر كتلةٌ ضخمة جدًّا، وأثناء التحرك العشوائي لهذه الكتلة الهائلة حدث أن اصطدمت بالشمس، وتفتّتت إلى أجزاءٍ كثيرة، ومن هذه الأجزاء تكوّنت الأرض والأجرام والكواكب، وتَشَكّلت المنظومة الشمسية التي نعرفها الآن.
وأكد الإمام الاكبر أن القائلين بمثل هذا الهذيان لا يصحّ أن نُصنّفَهم في عداد العقلاء والعلماء المسئولين عن حُرْمَة التفكير وقيمة الكلمة؛ ولذلك فإن الإمام أبا حنيفةَ لمّا ناظَر بعض الملحدين، قال لهم: "ما تقولون في رجلٍ يقول لكم: إني رأيتُ سفينةً مشحونة بالأحمال، مملوءةً من الأمتعة، وقد احْتَوَشَتْها في لُجَّةِ البحر أمواجٌ متلاطمة، ورياحٌ مختلفة، وهي مِن بينها تجري مستويةً، ليس فيها مَلّاح يُجريها ويقودها ويسوقها، ولا مُتعهِّد يدفعها، هل يجوز ذلك في العقل؟ فقالوا: لا، هذا لا يقبله العقل، ولا يُجيزه الوهم، فقال لهم أبو حنيفة: فيا سبحانَ الله، إذا لم يَجُزْ في العقل وجودُ سفينة تَجري مستويةً من غير متعهد، فكيف يجوز قيام الدنيا على اختلاف أحوالها وتَغَيُّر أمورها، وسَعَة أطرافها، وتبايُن أكنافها من غير صانع وحافظ ومُحْدِث لها؟" وهذا ردٌّ علميٌّ من أبي حنيفة.
وأوضح الإمام الأكبر أن بعض المفكرين المسلمين ردّ على مَن يقولون بالصدفة؛ من خلال تقديمه دليلًا رياضيًّا بحساب الاحتمالات، ومُلَخَّصُ هذا الدليل: أنه مع تَعَدُّد الحالات الكثيرة جِدًّا التي نرى فيها نظامًا ودِقّة، وهي تتخطّى مليارات المليارات؛ فأنت أمام أمرين: إمّا أن تفسرها بفاعلٍ عالم قدير مريد يعلم الأمور وحكمتها وغاياتِها ومقاصدَها، أو تفسرها بالصدفة، ولو فسرتها بالصدفة أنت مضطرٌ مع كل مثال أن تفترضَ صدفةً جديدة، وعندما تَكْثُر الصُّدَف في باب الاحتمالات؛ فإن ذلك يُضْعِفُها.
* نقلاً عن بوابة الأزهر
فيديو قد يعجبك: