لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

الشيطان يعظ.. "الرفق الداعشي"!

الشيطان يعظ.. "الرفق الداعشي"!

الشيطان يعظ.. "الرفق الداعشي"!

01:00 م الثلاثاء 08 مايو 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بعد الهزائم المتلاحقة التي مُني بها تنظيم داعش على أيدي قوات التحالف الدولي بالتشارك مع القوات المستقرة على الأرض فقد التنظيم أماكن سيطرته بسوريا والعراق، وفي مصر تحقق القوات المصرية نجاحات مستمرة في سيناء، حيث استطاعت القوات فرض السيطرة وتحقيق السلم، وما زالت العمليات مستمرة لتحقيق استقرار تام وتنمية شاملة، وعلى الرغم من هذه الهزائم المتتالية إلا أن التنظيم لم يتوقف عن إصدار الدوريات والنشرات، والتي يدعي فيها تحقيق مكاسب على أرض الواقع، الأمر الذي يصيب المرء بالدهشة والريبة أحيانًا، هل يصدق سيل الأخبار المؤكدة لتراجع التنظيم وانحسار أفكاره، أم يعيش مع وهم الأخبار التي تصدر عن داعش ومثيلاتها.

فقد نشر داعش منذ أيام أحدث إصداراته من جريدة "النبأ" ويدعي فيها انتصارًا هنا وتقدمًا هناك، وليس الغريب فقط في الكذب والتدليس في تلك الأخبار من ادعاء بطولات خيالية لا تمت للواقع بصلة، بل الأغرب الذي لا تخطئه عين أن ينشر التنظيم مقالًا موجهًا "لمجاهديه" بعنوان "لم يكن الرفق في شيء إلا زانه"، فأي رفق يتحدث عنه التنظيم، أهو الرفق الذي قصده النبي صلى الله عليه وسلم، أم رفقٌ من نوع آخر بعيدٌ عن روح الإسلام وتعاليمه.

يستند ذلك المقال "الداعشي" على أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، والتي تدعوا إلى الرفق والأخلاق الحسنة، ومنها حديث النبي صلى الله عليه وسلم "اللهم من ولي من أمر أمتي شيئًا فشق عليهم، فأشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئًا فرفق بهم، فارفق به." وبعد أن ساقت الجريدة أحاديث أخرى في ذات الموضوع، يخاطب المؤلف "مجاهدي التنظيم" وينبههم بحسب المقال على أن شرعنا الحنيف يحث دومًا "على الأخلاق الحسنة، ليس لأنها تعلوا بصاحبها في مراتب الشرف وتهذيب النفس فحسب، بل لأن خيرها ينعكس على كامل المجتمع المسلم وأفراده."

وهذا الأمر حقيقة نقر بها ونقبلها فالإسلام دين الرفق، وقد حث النبي الكريم على الرفق أكثر من مرة وأوصى به، إلا أننا نحذر هنا من هذا الخطاب الداعشي، إذ إنه يقوم بدس السم في العسل، وهو أحد أساليبه المعتادة، ليقوم بعدها بنشر أفكاره المتطرفة خلال هذه الحقائق؛ حتى يستقطب من لا علم له بالدين، فيظن أن كل ما يقولون له صلة بالدين، والدين منه براء.

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: أية أخلاق يتحدث عنها التنظيم وهو يقتل الناس ليل نهار ويتباهى بارتكاب الجرائم وخطف الناس وتهديد الآمنين، أَصرنا نعيش في زمن اختلط فيه الحق بالباطل على أناس، رغم سطوع الحقيقة كالشمس في كبد السماء.

أَمِنَ الأخلاق أن ننتهك الحرمات وييتم الأطفال، أم من الأخلاق أن ننتصر للفكر بالقوة والقتل، لا بالحجة والبرهان؟ إن استناد التنظيم على أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في تأصيله لأفكاره ودعوة البعض للانضمام إليه، لا يعطي أية مصداقية لتصرفاته، ويعد دليلًا واضحًا على استغلال النص الديني لأغراض بعيدة كل البعد عن تعاليم الإسلام السمحة وأخلاقه المؤصلة للدعوة والعيش في سلام.

ويشير المقال إلى أن الأخلاق لا يقتصر خيرها على الفرد الملتزم بها، بل يتعدى خيرها، حيث ينعكس على كامل المجتمع المسلم وأفراده، وهذا الكلام حق لا جدال فيه كما بيّنا، إلا أن التنظيم وأفراده لم يلحظوا الضرر الذي ألحقوه بدين الله وتشويه صورته في أذهان البشر جميعًا بأفعالهم الحمقاء وتجنيد الشباب لتنفيذ عمليات إرهابية، لدرجة أننا بتنا نردد في كل مكان أن الدين لا علاقة له بتلك الأفعال العدائية والتفجيرات.

إننا إذ نؤكد على ضرورة تبرئة الدين من تهمة الإرهاب وضرورة رؤية التنظيمات الإرهابية على أنها منظمات مستغلة للدين، نؤكد في الوقت ذاته على هشاشة الفكر الإرهابي وتناقضاته؛ إذ لا يستقيم في فكر الناس أن يدعي القاتل أنه ينفذ جريمته بالرفق واللين، فبحسب المقال فإن الرفق لا بد أن يكون "لينًا من غير ضعف، وتيسيرًا من غير تفريط ، وأن يستعمل في موضعه استعمالًا حكيمًا، فلين الجانب بالقول والفعل هو السهولة والتواضع بالقول والفعل وترك العنف والقسوة والغلظة والفظاظة في الأمر والنهي،" كما يوصى المقال القائد والأمير والأب والزوج والأخ والجندي "بلين الجانب والسهولة في التعامل بدون عنف أو قسوة، إذا ما أرادوا أن يطاعوا".

وبعد أن قراءة هذه الدعوة لترك العنف والقسوة والفظاظة والغلظة، ثم طي صفحته الأخيرة، فسنجد آخر ما قام به تنظيم داعش من عمليات إرهابية، حيث يسطر العنوان هجمات التنظيم على الآمنين في بلادهم، ويتفاخر التنظيم بإصابة أربعة بجروح خطيرة في هجومين بالسكاكين في النمسا، أما في الصفحات السابقة على المقال فنرى أخبارًا لسقوط قتلى وجرحى على أيدي أفراد التنظيم وحلفائهم.

والسؤال الذي يقف العقل حائرًا أمامه: أليس لأفراد التنظيم عقل يعرفون به القسوة والغلظة التي يتعاملون بها مع الناس، إذ لا يتركون خلفهم إلا خرابًا ودمارًا وقتلى، ألم يقرأوا قول الله عز وجل "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن." ألم يعرفوا أن الله استخلف الإنسان في الأرض ليعمرها، لا ليخرب فيها ويدمرها ويهدد استقلالها.

إن الرفق الذي يدعيه المقال لا ينعكس على أرض الواقع ولا يحققه التنظيم وأفراده في تعاملاتهم، إذ لم تتجاوز تلك الدعوات الكلام المسطور، بل يمكن للمرء أن يدعي أن تلك المقالات لا يقوم أفراد التنظيم بقراءتها، وإلا فإنهم لا يعقلونها، فإن العقل الذي لا يجد تناقضا بين محتوى ذلك المقال وما قبله وما بعده في ذات الإصدار لهو عقل مغيب أو عقل لا يريد أن يرى نور الحقيقة ورحمة الإسلام ودعوته إلى التراحم، وهو عقل معرفته بالسلاح وكيفية استخدامه تتجاوز معرفته بالدين وأخلاقياته.

وحري بنا أن ننبه على تلك التناقضات لا لتسجيل النقاط في مواجهة التنظيم، بل محاولة منا لتنبيه الناس لخطرهم وإسهامًا لإنقاذ الشباب من الوقوع في براثنهم؛ حيث إن لتجنيدهم الشباب مراحل وخطوات، أشبه ما تكون بخطوات الشيطان، ومنها كما بيّنا – عاليه- خلط أكاذيبهم بحقائق الدين.

* نقلا عن مرصد الأزهر- وحدة الرصد باللغة الألمانية

إعلان

إعلان

إعلان