في ذكرى ميلاده .. هل الإسكندر الأكبر هو ذو القرنين المذكور في القرآن ؟
كتب – هاني ضوه :
لم يكن للناس حديثًا خلال الأيام الماضية إلا عن التابوت الأثري الذي تم اكتشافه في الإسكندرية قبل أيام وأرجعه البعض إلى الإسكندر المقدوني الأكبر، حتى تبين بفتحه أنه غير ذلك، ومن العجيب أن اليوم يوافق ذكرى ميلاد الإسكندر الأكبر الذي يعد من أعظم الملوك الرومان الذين حكموا ما بين 336 و 323 قبل الميلاد.
ولد الفاتح والملك المقدوني الإسكندر الأكبر في 20 يوليو عام 356 قبل الميلاد في منطقة بيلا في المملكة اليونانية القديمة مقدونيا، وأثناء فترة حكمه ما بين عام 336 و323 قبل الميلاد، وحّد المدن اليونانية المستقلة وقاد رابطة كورنيث، كما أصبح ملك فارس وبابل وآسيا وأقام مستعمرات مقدونية في المنطقة، وتوفي عام 323 قبل الميلاد على إثر إصابته بالملاريا بينما كان يفكر باحتلال قرطاج وروما.
كثير من القصص والحكايات دارت حول الإسكندر الأكبر، فالبعض يربط بينه وبين ذي القرنين الذي ورد ذكره في القرآن الكريم حيث قال بعض المفسرين أن الإسكندر هو ذي القرنين، وهو ما رد عليه عدد من كبار المفسرين.
الإسكندر هو ذو القرنين
رأى عدد من المورخين القدماء والمفسرين من الفرس والعرب أن شخصية ذا القرنين التي ذكرها الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم هو نفسها الإسكندر المقدوني، وذلك في قوله تعالى في سورة الكهف:
(وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْرًا (83) إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا (84) فَأَتْبَعَ سَبَبًا (85) حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا (86) قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُّكْرًا (87) وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاء الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا (88) ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (89) حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُم مِّن دُونِهَا سِتْرًا (90) كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا (91) ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (92) حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْمًا لّا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلا (93) قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94) قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95) آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (96) فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97) قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاء وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (98).
من هؤلاء المفسرين الذين أشاروا إلى أن ذي القرنين الذي ذكر في القرآن هو الإسكندر الأكبر الإمام القرطبي في تفسيره وما أخرجه الطبري ومحمد بن ربيع الجيزي في "كتاب الصحابة الذين نزلوا مصر" بإسناد فيه ابن لهيعة أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن ذي القرنين فقال: "كان من الروم فأعطي مُلكًا فصار إلى مصر وبنى الإسكندرية، فلما فرغ أتاه ملك فعرج به فقال: انظر ما تحتك، قال: أرى مدينة واحدة، قال: تلك الأرض كلها، وإنما أراد الله أن يريك وقد جعل لك في الأرض سلطانا، فسر فيها وعلم الجاهل وثبت العالم".
وهذا الحديث قال عنه العلماء أن إسناده ضعيف.
ومن هؤلاء العلماء أيضًا ابن هشام الذي قال في كتابه "السيرة النبوية": "ذو القرنين هو الإسكندر الأكبر اليوناني، ملك فارس واليونان. أو ملك المشرق والمغرب ولهذا سُمي ذا القرنين".
وذهب إلى ذلك أيضًا كلًا من الإمام الزمخشري في تفسيره والإمام السيوطي في كتابه "تفسير الجلالين"، وكذلك الإمام الرازي والبيضاوي.
يقول الامام الشوكاني في تفسيره "فتح القدير": "واختلفوا في ذي القرنين اختلافاً كثيراً، فقيل: هو الإسكندر بن فيلقوس الذي ملك الدنيا بأسرها اليوناني باني الإسكندرية. وقال ابن إسحاق: هو رجل من أهل مصر، اسمه مرزبان بن مرزبة اليوناني، من ولد يونان بن يافث بن نوح؛ وقيل: هو ملك اسمه هرمس؛ وقيل: ملك اسمه هردبس؛ وقيل: شاب من الروم، وقيل: كان نبياً، وقيل: كان عبداً صالحاً".
وحكى القرطبي عن السهيلي أنه قال: إن الظاهر من علم الأخبار أنهما اثنان: أحدهما: كان على عهد إبراهيم عليه السلام. والآخر: كان قريباً من عيسى عليه السلام؛ وقيل: هو أبو كرب الحميري؛ وقيل: هو ملك من الملائكة.
ورجح الرازي القول الأوّل، قال: لأن من بلغ ملكه من السعة والقوّة إلى الغاية التي نطق بها التنزيل إنما هو الإسكندر اليوناني كما تشهد به كتب التاريح؛ قال: فوجب القطع بأن ذا القرنين هو الإسكندر، قال: وفيه إشكال لأنه كان تلميذاً لأرسطاطاليس الحكيم، وكان على مذهبه، فتعظيم الله إياه يوجب الحكم بأن مذهب أرسطاطاليس حق وصدق، وذلك مما لا سبيل إليه. قال النيسابوري: قلت: ليس كل ما ذهب إليه الفلاسفة باطلاً فلعله أخذ منهم ما صفا وترك ما كدر والله أعلم.
الإسكندر ليس ذو القرنين
رغم هذه الأقول إلا أن هناك العديد من كبار المفسرين نفوا أن يكون الإسكندر الأكبر هو نفسه ذي القرنين الذي ذكر في القرآن الكريم في سورة الكهف، فنفى ذلك صراحة الإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله فقال:
"الْإِسْكَنْدَر الْيُونَانِيّ كَانَ قَرِيبًا مِنْ زَمَن عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام , وَبَيْن زَمَن إِبْرَاهِيم وَعِيسَى أَكْثَر مِنْ أَلْفَيْ سَنَة، وَالَّذِي يَظْهَر أَنَّ الْإِسْكَنْدَر الْمُتَأَخِّر لُقِّبَ بِذِي الْقَرْنَيْنِ تَشْبِيهًا بِالْمُتَقَدِّمِ لِسَعَةِ مُلْكه وَغَلَبَته عَلَى الْبِلَاد الْكَثِيرَة، أَوْ لِأَنَّهُ لَمَّا غَلَبَ عَلَى الْفُرْس وَقَتَلَ مَلِكهمْ اِنْتَظَمَ لَهُ مُلْك الْمَمْلَكَتَيْنِ الْوَاسِعَتَيْنِ الرُّوم وَالْفُرْس فَلُقِّبَ ذَا الْقَرْنَيْنِ لِذَلِكَ .
والْحَقّ أَنَّ الَّذِي قَصَّ اللَّه نَبَأَهُ فِي الْقُرْآن هُوَ الْمُتَقَدِّم .
وَالْفَرْق بَيْنهمَا مِنْ أَوْجُهٍ: أَحَدهَا: مَا ذَكَرْته، الثَانِ: أنّ الْإِسْكَنْدَرَ كَانَ كَافِرًا، وَكَانَ مُعَلِّمُهُ أَرَسْطَاطَالِيس، وَكَانَ يَأْتَمِر بِأَمْرِهِ، وَهُوَ مِنْ الْكُفَّار بِلَا شَكّ، الثَالِث: كَانَ ذُو الْقَرْنَيْنِ مِنْ الْعَرَب، وَأَمَّا الْإِسْكَنْدَر فَهُوَ مِنْ الْيُونَان" انتهى باختصار.
وقال كذلك: "وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي ذِي الْقَرْنَيْنِ فَقِيلَ كَانَ نَبِيًّا، وَقِيلَ: كَانَ مَلَكًا مِنْ الْمَلَائِكَة، وقيل لَمْ يَكُنْ نَبِيًّا وَلَا مَلَكًا، وَقِيلَ : كَانَ مِنْ الْمُلُوك. وَعَلَيْهِ الْأَكْثَر " انتهى بتصرف.
ومن الأقوال التي ذكرها ابن كثير كذلك في هذا الأمر أن «الأزرقي» وغيره قالوا: "إن ذا القرنين أسلم على يدي إبراهيم الخليل وطاف معه بالكعبة المكرمة هو وإسماعيل عليه السلام، أما المقدوني اليوناني المصري باني إسكندرية الذي يؤرخ بأيامه الروم، فكان متأخرا عن الأول بدهر طويل، كان هذا قبل المسيح بنحو من ثلاثمائة سنة وكان أرسطا طاليس الفيلسوف وزيره وهو الذي قتل دارا بن دارا وأذل ملوك الفرس وأوطأ أرضهم".
وذهب الإمام ابن كثير في كتابه "البداية والنهاية" فقال:
"ذكر الله تعالى ذا القرنين هذا وأثنى عليه بالعدل، وأنه بلغ المشارق والمغارب، وملك الأقاليم وقهر أهلها، وسار فيهم بالمعدلة التامة والسلطان المؤيد المظفر المنصور القاهر المقسط. والصحيح: أنه كان ملكا من الملوك العادلين ".
خلاصة الرأي
وبعد ذكر هذه الأقوال يتضح أن الإسكندر الأكبر ليس هو ذو القرنين الذي ذكره الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم في سورة الكهف، لاختلاف الزمان والمكان والوصف وغيرها من الدلائل التي ساقها المفسرين والمؤرخين.
وأختتم بقول المقريزي في كتابه "الخطط": "وقد غلط من ظن أن الإسكندر بن فيلبس هو ذو القرنين الذي بنى السد فإن لفظة ذو عربية، وذو القرنين من ألقاب العرب ملوك اليمن، وذاك رومي يوناني وأيضا هذا اليوناني لم يعمر أكثر من 30 عام وقتل وسيرته معروفة".
مصادر:
- كتاب "تفسير القرطبي" – الإمام القرطبي".
- كتاب "فتح الباري" – الإمام ابن حجر.
- كتاب "البداية والنهاية" – الإمام ابن كثير.
- كتاب "فتح القدير" – الإمام الرازي.
- كتاب "السيرة النبوية" – ابن هشام.
- كتاب "الخطط" – المقريزي.
- تفاسير "الجلالين" و"الزمخشري" و"البيضاوي" و"الرازي".
فيديو قد يعجبك: