"ملاذ كرد".. نهاية البيزنطيين وبوابة دخول المسلمين إلى آسيا الصغرى
-
عرض 3 صورة
-
عرض 3 صورة
-
عرض 3 صورة
كتب – هاني ضوه :
في التاريخ الإسلامي أحداث كانت فاصلة في تاريخ الأمة وكانت سببًا في انتشار الإسلام في ربوع الأرض، ومن هذه الأحداث معركة من المعارك التي قادها القائد المسلم ألپ أرسلان وانتهت عصر الروم في تلك المنطقة، وكانت بداية لقيام مملكة إسلامية في قلب آسيا الصغرى –تركيا الآن-.
إنها معركة "ملاذ كرد" التي وقعت في مثل هذا اليوم 15 ذي القعدة من سنة 463 هـ - 26 من أغسطس من عام 1071م، بالقرب من منطقة ملاذك رد، وهذه المنطقة تعرف الآن بمحافظة "موش" في تركيا.. ويرصد مصراوي تفاصيل إحدى المعارك المؤثرة والمهمة في التاريخ الإسلاميو وذلك في التقرير التالي:
كانت انتصارات ألپ أرسلان بعد توليه الحكم وتوسعه في حدود دولته أمرًا مثيرًا لقلق قيصر الروم الامبراطور البيزنطي رومانوس خوفًا من أن تدخل دولته في حدود دولة المسلمين، فأسرع بتجهيز جيش كبير يتألف من 200 ألف من المقاتلين، وكان الجيش يتكون من الروك والكرد والبلغاريين والروس وغيرهم، وتوجه به إلى القسطنطينية، عاصمة الدولة البيزنطية في ذاك الوقت، ومنها إلى منطقة "ملاذ كرد"، التي يعسكر فيها الجيش السلجوقي بقيادة ألب أرسلان.
وجد أرسلان نفسه في مواجهة جيش جرار لا يقوى على مواجهته والالتحام معه خاصة أن جيشه لا يتخطى ربع جيش الروم حيث بلغ عدد الجيش المسلم 15 ألف جندي فقط، فبدأ في مهاجمة مقدمة جيش البيزنطيين، واستطاع تحقيق النصر، مما مكنه من التفاوض مع إمبراطور البيزنطيين، وحاول عقد هدنة إلا أن الأمر قد فشل.
حينها بدأ ألپ أرسلان في إشعال الحماس في جنوده وبث روح الجهاد بينهم وخطب فيهم خطبة عظيمة ذكرهم بأجر الشهادة وأشعل فيهم الحماسة والغيرة على دين الله فانضم لهم عدد كبير، وقبل بدء المعركة عرض أرسلان على الإمبراطور البيزنطي الصلح للمرة الثانية ولكنه رفض، لتبدأ المعركة بضراوة شديدة، وما هي إلا ساعة حتى استطاع جيش المسلمين في إلحاق هزيمة كبيرة بجيش البيزنطيين وامتلأت ساحة المعركة بجثثهم.
وبعد انتصار ألپ أرسلان في معركة "ملاذ كرد" كان ذلك إذانًا بنهاية حكم الروم البيزنطيين في آسيا الصغرى وبداية حكم المسلمين الذي غير مسار الحياة في هذه المنطقة وبدأوا التوغل في آسيا الصغرى لتستمر الفتوحات الإسلامية بعدها في تلك المنطقة لقرنين من الزمان ويدخل أهل هذه البلاد إلى الإسلام.
ويحكي لنا الإمام ابن كثير في كتابه "البداية والنهاية" ما حدث في تلك المعركة بالتفصيل وكيف انتصر فيها القائد ألب أرسلان فيقول:
"وفيها أقبل ملك الروم ارمانوس في جحافل أمثال الجبال من الروم والرخ والفرنج، وعدد عظيم وعُدد، ومعه خمسة وثلاثون ألفاً من البطارقة، ومعه مائتا ألف فارس، ومعه من الفرنج خمسة وثلاثون ألفاً، ومن الغزاة الذين يسكنون القسطنطينية خمسة عشر ألفاً ، ومعه مائة ألف نقّاب وخفار".
بينما وصف الإمام الذهبي في كتابه "تاريخ الإسلام" الاستعدادات لمعركة "ملاذ كرد" فيقول:
"وألف روزجاري، ومعه أربعمائة عجلة تحمل النعال والمسامير، وألفا عجلة تحمل السلاح والسروج والغرادات والمناجيق، منها منجنيق عدة ألف ومائتا رجل، ومن عزمه قبحه الله أن يبيد الإسلام وأهله، وقد أقطع بطارقته البلاد حتى بغداد، واستوصى نائبها بالخليفة خيراً، فقال له : ارفق بذلك الشيخ فانه صاحبنا، ثم إذا استوثقت ممالك العراق وخراسان لهم مالوا على الشام وأهله ميلة واحدة، فاستعادوه من أيدي المسلمين ، والقدر يقول : {لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون} سورة الحجر: الآية : 72.
فالتقاه السلطان ألب أرسلان في جيشه وهم قريب من عشرين ألفاً، بمكان يقال له الزهوة، في يوم الأربعاء لخمس بقين من ذي القعدة، وخاف السلطان من كثرة جند الروم، فأشار عليه الفقيه أبو نصر محمد بن عبد الملك البخاري بأن يكون وقت الوقعة يوم الجمعة بعد الزوال حين يكون الخطباء يدعون للمجاهدين.
فلما كان ذلك الوقت وتواقف الفريقان وتواجه الفئتان، نزل السلطان عن فرسه وسجد لله عز وجل، ومرغ وجهه في التراب ودعا الله واستنصره، فأنزل نصره على المسلمين ومنحهم أكتافهم فقتلوا منهم خلقاً كثيراً، وأسر ملكهم ارمانوس، أسره غلام رومي.
فلما أوقف بين يدي الملك ألب أرسلان ضربه بيده ثلاثة مقارع وقال: لو كُنت أنا الأسير بين يديك ما كنت تفعل؟ قال: كل قبيح، قال فما ظنك بي؟ فقال: إما أن تقتل وتشهرني في بلادك، وإما أن تعفو وتأخذ الفداء وتعيدني. قال : ما عزمت على غير العفو والفداء. فافتدى منه بألف ألف دينار وخمسمائة ألف دينار. فقام بين يدي الملك وسقاه شربة من ماء وقبل الأرض بين يديه، وقبل الأرض إلى جهة الخليفة إجلالاً وإكراماً، وأطلق له الملك عشرة ألاف دينار ليتجهز بها، وأطلق معه جماعة من البطارقة وشيعه فرسخاً، وأرسل معه جيشاً يحفظونه إلى بلاده، ومعهم راية مكتوب عليها لا إله إلا الله محمد رسول الله".
مصادر:
كتاب "البداية والنهاية" – الإمام ابن كثير.
كتاب "تاريخ الإسلام" – الإمام الذهبي.
كتاب "أخبار الدولة السلجوقية" - بدر الدين الحسيني.
كتاب "موسوعة التاريخ الإسلامي" – محمود شاكر.
فيديو قد يعجبك: