ميلاد المسيح .. معجزات وآيات في القرآن الكريم
كتب – هاني ضوه :
نبي الله تعالى عيسى بن مريم، عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، هو معجزة إلهية، فهو كلمة الله التي ألقاها إلى السيدة الطاهرة البتول مريم العذراء، وكان ميلاده عليه السلام ميلاد رحمة ومحبة وسلام، ليحمل رسالة الله وكتابه إلى العالمين في زمانه، ومبشرًا بخاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
بشارة إلى مريم
ما وقع في ميلاد السيد المسيح عليه السلام أمر عجيب يدل على قدرة الله عز وجل، بداية من بشارة الملائكة لسيدتنا مريم عليها السلام باصطفاء الله سبحانه وتعالى لها لتحمل سيدنا عيسى في رحمها، فهي المصطفاة المطهرة من وساوس الشيطان وكيده، يقول تعالى: (وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ).
ثم جاءت البشارة الثانية إلى السيدة مريم البتول بأن من ستحمله سيكون كلمة الله ونبيه ومن المقربين يقول تعالى: (إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ).
وقد جاءت معجزة ميلاد السيد المسيح بتفاصيلها الدقيقة في عدة مواضع من القرآن الكريم خاصة في سورة "مريم"، وهي قصة مليئة بمشاهد تصور المعجزات والأحداث والمشاعر والانفعالات التي تجعلك عند قراءة آيات الله عز وجل تعيش كافة أحداثها وتتفاعل معها.
كلمة الله
أراد الله سبحانه وتعالى أن يجعل السيد المسيح آية للناس، ليخلق من أم دون أب، كما خلق الله سبحانه وتعالى آدم دون أم ودون أب، فيذكر لنا القرآن الكريم كيف أرسل الله سبحانه وتعالى الملاك سيدنا جبريل عليه السلام، إلى مريم ابنة عمران بعد أن احتجبت عن قومها، ففزعت منه، وذكرته بالله (قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا)، فطمأنها جبريل عليه السلام وأخبرها أنه ليس بشرًا وإنما ملك رسول من عند الله فقال لها: (قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا).
وهنا تعجبت السيدة مريم العذراء كيف تحمل ولدًا وهي غير متزوجة وهي الطاهرة المطهرة التي لا تقرب الزنا، فذكرها جبريل بقدرة الله عز وجل الذي لا يعجزه شيء، ثم نفخ جبريل من روح الله في جيب درعها فنزلت النفخة فحملت من فورها.
يقول تعالى في سورة مريم: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (16) فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا (18) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (19) قَالَتْ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20) قَالَ كَذَٰلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِّلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا (21) فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا (22) فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَىٰ جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَٰذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا (23) فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا}.
هُزي إليك بجزع النخلة
حملت السيدة العذراء لتأتي معجزة أخرى عندما جاءها وقت الوضع، وهو من أصعب الأوقات التي تمر على المرأة والذي تحتاج فيه إلى سند، ولكن الله أيدها بمعجزة أخرى، فلجأت إلى جزع نخلة وناداها جبريل أن تهز هذا الجزع وهي في ضعفها ليتساقط عليها رطبًا تقتات منه لتتقوى على آلام الوضع، يقول تعالى وهو يصف لنا حالها: ﴿ فَأَجَاءهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْياً مَّنسِيّاً * فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً * فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً ﴾ [مريم 23 - 26].
لم يكن هذا الجذع مثمرًا ولكن الله أثمره لها، قال الزمخشري: "كان جذع نخلة يابسة في الصحراء، ليس لها رأس ولا ثمر ولا خضرة، وكان الوقت شتاء. وقيل: كانت النخلة مثمرة. والمهم في الأمر: وجوب اتخاذ الأسباب لتحصيل الرزق، والاعتقاد بأن الفاعل الحقيقي في تيسير الرزق هو الله تعالى، وأنه على كل شيء قدير".
قال إني عبد الله
ذهبت السيدة مريم العذراء إلى قومها وهي تحمل السيد المسيح، وهنا يتطاول عليها من تطاول من بني إسرائيل ليتهموها بأبشع التهم وهي الطاهرة المطهرة، لتأتي معجزة أخرى لتبرئها أمام قومها ولتكون آية للعالمين.
تعجب قوم السيدة مريم وقالوا لها: من أين لك هذا الطفل، فأبوك رجل صالح وأمك طاهرة، وكانت السيدة مريم قد نذرت لله الصوم عن الكلام، فأشارت إلى سيدنا عيسى الرضيع وهو في المهد، فتعجّب الناس من ذلك، فكيف سيكلّموه وهو ما زال في المهد صبيّاً؟ فتكلّم سيدنا المسيح عيسى بقدرة الله: (قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا*وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا*وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا*وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا) [مريم: 30-33].
ونطق سيدنا المسيح عيسى عليه وعلى نبينا السلام بتوحيد الله عز وجل وهو في المهد، وأنه رسول من عند الله بكلمة التوحيد، يقول تعالى: {وَإِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ}. ليقر بأنه عبد الله ورسوله ويدعو الناس إلى عبادة الله الواحد الأحد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد.
فيديو قد يعجبك: