الخلافات السياسية بين الصحابة.. باحث بالأديان يفرق بين خطأ التقديس وحتمية التقدير
كتبت – آمال سامي:
كاتب موريتاني شاب، أستاذ بتاريخ الأديان، درس على أيدي عدد من علماء موريتانيا فأجازوه في حفظ القرآن الكريم، والفقه والأصول، حصل على الماجستير والدكتوراة في تاريخ الأديان من جامعة تكساس بأمريكا، هو محمد بن المختار الشنقيطي.
في 2011 نشر الباحث كتابه الذي يحتوي على رسالة قصيرة تتحدث عن فترة تاريخية صعبة في الذاكرة الإسلامية، وهي مرحلة الفتنة والاختلاف بين الصحابة رضي الله عنهم، وكيفية التعامل مع هذا الخلاف، في صفحات تراوحت بين 240 و 290 صفحة بين الطبعتين الأولى والثانية.
تدور فكرة الكتاب حول وضع قواعد لدراسة واستخلاص العبرة من تلك الخلافات بين الصحابة، وتظهر تلك الفكرة في اختيار عنوان الكتاب: "الخلافات السياسية بين الصحابة رضي الله عنهم: رسالة في مكانة الأشخاص وقدسية المبادئ"، حيث حاول الكاتب التفريق بين فكرة مكانة الصحابة العظام، وبين تقديسهم، والتأكيد على أن المقدس هنا هو "المبادئ" وليس أصحابها.
يقول الكاتب في تقديمه للكتاب بطبعته الأولى إن "الأمة لن تخرج من أزمتها التاريخية إلا إذا أدركت كيف دخلت إليها"، حيث أوضح أن أزمة الحضارة الإسلامية من وجهة نظره "أزمة دستورية في جوهرها وهي أزمة بدأت بذرتها ليلة السقيفة، وتحولت إلى فتنة عمياء في الجمل، ثم شبت حربًا هوجاء في صفين، وقد انتصرت في صفين القوة على الحق، والبغي على العدل، والملك على الخلافة. ولا يزال المسلمون عاجزين عن الخروج من هذا المأزق الدستوري حتى اليوم، رغم ما تضمنه القرآن والسنة من مبادئ هادية في بناء السلطة وآدائها".
ويشير الكتاب إلى وجود حواجز كثيفة من "المقدسات الوهمية" التي حالت بين المسلمين وبين دراسة تلك المرحلة الحرجة من تاريخ الإسلام، فيجد الباحث فيها نفسه بين فريقين أحدهما شيعي يسيء قراءة تاريخ الصحابة، وسني يمنع من الخوض في دراسة هذا التاريخ. وفي بداية كتابه يحدد الكاتب هدفه من رسالته، وهو تحقيق الآتي:
وضع حد فاصل بين الوحي والتاريخ، فيتم التقيد بالوحي المنزل كتابًا وسنة، ويتم الاعتبار بالتجربة التاريخية دون اتخاذها اصلا يبني عليه.
الفصل بين المبادي ووسائل تجسيدها التاريخية، حيث يكون الباب مفتوحًا أمام تجديد الوسائل دون تحريف المبادئ.
وضع حد فاصل بين مكانة الأشخاص وقدسية المبادئ، فالأشخاص يستمدون مكانتهم من خدمة المبدأ، فإذا تحول الحفاظ على تلك المكانة إلى تقليل من مبدأ أو عدم وضوحه في اذهان الناس فقد انحرف عن قصده.
ولفت المؤلف النظر إلى أن أي مرحلة تأسيس في تاريخ أي أمة تتحول في أذهان الأجيال التالية إلى مرحلة تقديس لوسائلها ورجالها لا مبادئها فقط كما ينبغي أن يكون، قائلًا أن علاج هذا الأمر يكون بالوعي التاريخي الذي يدخل فكرة الزمن في دراسة المبادئ، فيميز بين المبدأ وحامله، وبين المبدأ والوسائل التي تخدم هذا المبدأ.
وضع الكاتب قواعد للحديث عن الخلافات السياسية بين الصحابة، ونظمهما في اثنتين وعشرين قاعدة، نذكر أبرزها:
1. التثبت في النقل والرواية، حيث إن هناك روايات كثيرة متناقضة عن تلك الأحداث، حيث تميزت روايات تلك المرحلة بعدم التحري في النقل، واكد الكاتب أن أفضل معيار علمي للإستناد عليه في الحكم على تلك الروايات هو منهج أهل الحديث لأنه منهج موضوعي.
2. استصحاب فضل الأصحاب، وهو عدم تناسي فضائل الصحابة وسبقهم وجهادهم وعدم إطلاق الألسنة بالاساءة إليهم أو الافتراء عليهم، وقد رد على هؤلاء شيخ الإسلام ابن تيمية وعلى رأسهم روافض الشيعة في كتاب "منهاج السنة النبوية في الرد على الشيعة والقدرية".
3. التمييز بين الذنب المغفور والسعي المشكور، فقد بشر عدد من الصحابة بالجنة، وقد أخطأ صنفان من الناس في فهم تلك النصوص من وجهة نظر المؤلف، وهم من فهم البشارة بالجنة نوع من أنواع العصمة، وصنف آخر أخذوا الذنب غير مقرون بالبشار، فرتبوا عليه وعيدًا لهؤلاء القوم الذين وردت فيهم نصوص صريحة تدل على أنه غير واقع. وبين الكاتب أن المسلك الصحيح في التعامل مع الأمر هو ما قال به ابن تيمية وابن حجر: " أن الذنوب تقع منهم لكنها مقرونة بالمغفرة، تفضيلًا لهم على غيرهم...".
4. التمييز بين المنهج التأصيلي والمنهج التاريخي، والمنهج التأصيلي هو الذي ينطلق من مبدأ ويزن الناس عليه ويحاكمهم على أساسه، وهدف أصحابه ألا تلتبس مباديء الإسلام بأعمال البشر أو تشوبها شوائب التاريخ. أما المنهج التاريخي هو وصف التجربة البشرية العملية وقياس بعضها على بعض، وهدفه الدفاع عن رجال الإسلام أن تنهار هيبتهم في النفوس.
5. الاعتراف بحدود الكمال البشري، فجيل الصحابة بشكل مجمل قد بلغ غاية الكمال البشري، وكل مؤمن صادق يتعبد الله بحبهم وبغض من أبغضهم، لكن لابد أن يدرك أن كمالهم بشري، فلا يتعجب إذا وجد حالات من الضغف البشري فيهم، فقد يكون المرء تقيا لكن يمسه طائف من الشيطان، بنص القرآن: إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون. فيقول المؤلف أن من الاعتراف بحدود الكمال البشري عدم تنزيه غير المعصوم عن الهوى والطموح الدنيوي مهما سمت مكانته وعلا كعبه.
6. الإقرار بثقل الموروث الجاهلي، حيث كانت للأعراف الاجتماعية والتاريخية تأثير كبير في إشعال الفتن السياسية بين الصحابة رضي الله عنهم.
7. صعوبة وقلة اجتماع الأمانة والقوة في فرد واحد، وهما ما جعلهما الإسلام معيارًا للكفاءة السياسية.
8. ضرورة الابتعاد عن التكفير وعن الاتهام بالنفاق، فيذكر الكاتب أن جهلة الشيعة أتهموا الصحابة بالكفر والنفاق وبالارتداد عن الإسلام بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم.
9. التركيز على العوامل الداخلية، فيقول الكاتب إن كثيرا من المعاصرين والسابقين فسروا الفتنة بالعوامل الخارجية فقط، أي بنظرية التآمر، مغفلين أهم العوامل التي سببت الفتنة فعلًا وهي العوامل الداخلية، ويؤكد الكاتب أنهم رغم نواياهم الطيبة يغضون بذلك من قدر الصحابة، حيث يصورونهم جماعة من المغفلين يتلاعب بهم يهودي مجهول النسب والأصل، في إشارة منه إلى شخصية عبد الله بن سبأ التي جعلها كثير من العلماء سببًا للفتنة.
موضوعات متعلقة..
- بعد استرداد مصر جزءًا منها.. ما هي "الربعة القرآنية" الخاصة بالسلطان قنصوة الغوري؟
- التبرك بآثار الأنبياء والصالحين.. لماذا أجازه الشعراوي وعلي جمعة وحرمه ابن باز
فيديو قد يعجبك: