ما هي النية؟ وهل الأعمال تقسم حسب النية إلى أقسام؟.. جمعة يوضح
مصراوي:
قال الدكتور على جمعة - مفتى الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف - من خلال الصفحة الرسمية لفضيلته على فيسبوك أن النية هي العزم المؤكد في اللغة، وهي مرتبة من خمس مراتب تسمى بمراتب القصد؛ الإنسان عندما يفكر في شيء حتى يتهيأ إلى العمل يمر بخمس مراحل، إن صح التعبير.
مراتب القصد خمس هاجس ذكروا * فخاطر فحديث النفس فاستمعا
يليه هم فعزم كلها رفعت * سوى الأخير ففيه الأخذ قد وقعا
الهاجس: الشيء يأتي في رأسك ويذهب. فالهاجس صورة عابرة.
الخاطر: الشيء يأتي في رأسك ويستقر . فالخاطر صورة مستقرة.
حديث نفس : إذا ما تكلم الإنسان وتردد مع نفسه في الفعل وعدم الفعل هل يقدم على هذا الفعل سواء أكان طاعة أو معصية .
الهمّ : إذا ما مالت نفسه إلى الفعل .
العزم (النية) : وهو القصد المؤكد وهو أن يصمم الإنسان على فعل هذا الشيء -يعني عزمت عزمًا مؤكدًا- ،من هنا يبدأ الحساب بالثواب أو بالعقاب.
وأوضح جمعة أن النية لها فضل كبير جدًّا في الشريعة، ونبهنا على هذا الفضل الإمام البخاري رضي الله تعالى عنه؛ ولذلك جعل حديث: «الأعمال بالنيات» أول حديث في «صحيحه»، والنية في القرآن : ﴿وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾.. [الأنعام : 52]، فربنا سبحانه وتعالى وجَّه إلى النبي هذا النداء بأن هؤلاء الناس دخلوا في نية صالحة، وأن هذه النية الصالحة جعلتهم بهذه المكانة العالية التي يؤمر فيها سيدنا الرسول صلى الله عليه وسلم باحتوائهم، وبضمهم، وبعدم طردهم.
وكذلك في الحكمين الذين نرسلهم ﴿إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَا﴾ وكان سيدنا عمر يجعل الضمير في الآية يرجع إلى الحكمين.
فكان يرسل الحكمين، فإذا لم يستطيعوا أن يصلحوا بين الزوج والزوجة، يشد عليهم في الكلام، فيقولوا : قمنا بما علينا ، فيقول لهم: لا ﴿إِنْ يُرِيدَا﴾ هم الحكمين ﴿إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللهُ﴾ فأنتم لم توفقوا لأنكم لم تريدوا إصلاحا، يجب أن تخلصوا النية.
وأضاف فضيلته أن هذه تربية فيها شدة لكنها لها فهم؛ فالإنسان وهو حكم يجب أن يدعوا الله ويلتجئ إليه إنه يصلح بين الزوجين، فربنا يوفقه ، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها، فهجرته إلى ما هاجر إليه». الإمام البخاري جعله أول حديث، الإمام النووي جعله أول حديث في «الأربعين النووية».
فأصبح هذا الحديث هو مدخل القضية حتى قال الإمام السيوطي: إن النية نجدها في سبعين بابًا من أبواب الفقه.
وتابع جمعة قالاً أن النية موجودة في الوضوء، في الصلاة، في الزكاة، في الصيام، في الحج، موجودة في الكفارات، موجودة في المعاملات، موجودة في الأنكحة ، موجودة في القضاء، في الشهادة، موجودة في كل شيء، ولها أحكام، وأحكام كثيرة في سبعين باب.
قال سبحانه وتعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ ما معنى الإخلاص؟ وكيف نصل إليه؟
الإخلاص، هو النية التي لا يشوبها شيء ، يعني النية الصافية ؛ الخالية من شرك، نية خالصة لله، يعني متوجهة لله وحده ، منفردًا عن أي شيء؛ ولذلك: «أنا أغنى الأغنياء عن الشرك» سبحانه، "أغنى الشركاء عن الشرك" لأن أنت المحتاج لله تعالى؛ فالله تعالى لا يحتاج إلى أحد.
إذن الإخلاص معناه: التوحيد، التفريد، الحاجة الخالصة من أي وجه غير وجه الله. من السوى، ما سوى الله، ولذلك قالوا: "وأن تخلي القلب من السوى". لا يوجد فيه إلا الله تعالى.
ولذلك تجد السادة الشاذلية عندما يريدوا أن ينبهوا يذكروا لفظ الجلالة "الله" ليذكر نفسه بالإخلاص.
وكلمة التوحيد" لا إله إلا الله" هي كلمة الإخلاص.
ولذلك سورة (قل هو الله أحد) اسمها سورة الإخلاص، لماذا؟
﴿قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ﴾ الواحد الذي لا شريك له .
﴿اللهُ الصَّمَدُ﴾ الذي يتوجه إليه وحده بالدعاء، الصمد يعني: أصمد إليه، يعني: أتوجه إليه.
﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ نفى المثلية والمساواة بينه وبين أحد، كل أحد، إذًا هذا هو الإخلاص، فسميت سورة الإخلاص.
هل يمكن الجمع بين نية دنيوية مع نية العبادة؟ وهل هذا يفسد الإخلاص ؟
العبادة فيها جزء من الدنيا ، وهناك دنيا يطلقوا عليها الدنيا المحضة ، وهناك دنيا وسيطة بين العبادة المحضة، والدنيا المحضة.
إذن نستطيع أن نقول : أن هناك عبادة محضة، ودنيا محضة، وعبادة راكبة على الدنيا، ودنيا راكبة على العبادة. ثلاث أجزاء : " عبادة فقط، ودنيا فقط، واثنين مع بعض".
نضرب الأمثلة: أنا أتوضأ هذه عبادة محضة، لكني أتوضأ لكي أصلي، فهذه عبادة محضة، أعلَّم ابني كيف يتوضأ ؛فتعليم ابني الوضوء نوع من أنواع العبادة، رغم إن أنا توضأت فقط لكي أعلمه، لكني توضأت ورفعت الحدث.
أنا بسجد وبدعي؛ هذا الدعاء عبادة محضة «الدعاء هو العبادة»، فأقول: يا رب ارزقني، - هذا خاص بالدنيا- ، يا رب اغفر لي، يا رب أدخلني الجنة، -هذا خاص بالآخرة-.
ولكن افرض دعيت وقلت: يا رب ارزقني اليوم نصف كيلو كباب من عند الكبابجي الفلاني، هذا لعب هذا يبطل الصلاة ؛ لأنه كلام دنيوي، لكن ما الفرق بين ارزقني، وارزقني نصف كيلو كباب من عند فلان؟ ارزقني قد يرزقه التقوى، أو يرزقه الصبر، أو يرزقه الهداية، أو يرزقه المادة، أو يرزقه نصف كيلو كباب من عند فلان، لكن الفرق بينهم إن هذا يسمى الدنيوي المحض، الذي يكر على الأعمال بالبطلان؛ لأنه: ﴿وَقُومُوا لِلهِ قَانِتِينَ﴾.
سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال له شخص: ما شاء الله وشئت، فقال له: «أجعلتني لله نِدًّا، قل: ما شاء الله ثم شئت». فهناك فرق بين ما نطق به اللسان، وبين ما اعتقده الجنان.
فنحن لا نعترض عليه اعتراض الإنكار، إنما نعترض اعتراض التعليم، بل نطلب منه بتهذيب العبارة، فلا تقل : " توكلنا على الله وعليك"، بل قل : "توكلنا على الله ثم عليك".
وقد أمرنا ربنا سبحانه فقال: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾ ، ﴿أَلَا لِلهِ الدِّينُ الْخَالِصُ﴾ ، ﴿أَلَا لِلهِ الدِّينُ الْخَالِصُ﴾. ولذلك سيدنا الشيخ محمود خطاب السبكي ألف كتابه الماتع في الفقه، وكان مالكيًّا، وكان أستاذًا في الأزهر، اسمه «الدين الخالص» يعني: إن هذا هو خلاصة القضية. فربنا يقول: ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾.
هذا هو الإخلاص، وقضية خلط العمل الدنيوي بالعمل العبادي ، مقبولة في هذا النطاق الوسط ، ولكن غير مقبولة إذا ما كانت محضة، وإذا كانت تكر عليها بالبطلان.
هناك مسألة في الفقه، يسأل عليها كثير من الناس، اسمها التشريك.
وصورتها: إن أنا دخلت المسجد، فصليت الظهر، سقطت عني تحية المسجد ، هذه حلت محل هذه.
وصورة أخرى : امرأة أو رجل عليهم أيام من رمضان؛ لأن المرأة تفطر أثناء الحيض، فعليها أيام من رمضان، فأوقعتهم في شوال، فتأخذ الأجرين –القضاء والست البيض-، لكن النية تنفرد بالقضاء فقط، يعني تقول: يا ربي، أنا سأقضي ما علىّ من رمضان، وتصمت، وتجد في حسابها يوم القيامة، إنها اتحسب لها قضاء رمضان، الحمد لله، واتحسب لها صيام في شوال.
ولكن كيف ذلك؟ لأنها اختارت شوال، واختارت منه ستة أيام، حتى يصدق عليها أنها صامت ستة من شوال، لأنها كان ممكن تعملهم في أي شهر أخر، في القعدة، في الحجة، في كذا إلى آخره، لكن لماذا اختارت شوال؟ لأن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من صام رمضان وأتبعه بست من شوال...». –لم يقل أتبعهم فرضًا ولا نفلًا- «...فكأنما صام الدهر». فالمرأة التي تصوم في شوال ما عليها تأخذ الثوابين.
فالتشريك، يعني أنا أصلي ركعتين تحية مسجد، فأشركت معهم الضحى، وأشركت أيضا معهم استخارة، وأشركت معهم أيضا قضاء الحاجة، كل هذه الصور تجوز.
فالتشريك يعني ركب النية ، نية على نية على نية على نية على نية. وكل هذا جائز، ما دام في حدود إن هذه نافلة، ففضل الله واسع.
والإخلاص معناه توحيد الله بالقصد، يعني هاتين الركعتين أقصد بهم الله تعالى وحده لا شريك له ، إذًا هناك فرق بين تعدد النية – التشريك-، وبين الإخلاص، فهناك من يأتي ويقول: أنا جمعت بين نيتين فلا يوجد إخلاص، لا؛ تفريد النية ليس هو الإخلاص؛ الإخلاص هو توجيه النية أو النيات لله رب العالمين.
ألف ابن الحاج -وكان رجل من الأتقياء من المغرب- كتابًا اسمه: «المدخل»، هذا الكتاب عبارة عن بيان النيات الصالحات، فيذكر فيه وأنت ذاهب للمسجد أمامك سبعين نية.
وأنت ذاهب تنوي أنك لو وجدت أذى في الطريق تزيله.
وتنوي تسلم على من تمر عليه، وتنوي إنك أنت تستر العورة، وتتجمل للصلاة، وتتعرض لمن في المسجد حتى يسألوك إن كنت عالمًا، أو يطلبوا منك إن كنت غنيًّا، أو تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، أو... أو... أو... كذا، كل هذه نيات.
فيديو قد يعجبك: