لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

ميلاد جبر الخواطر

الدكتوره هبه إبراهيم سالم

ميلاد جبر الخواطر

08:05 م الإثنين 26 أكتوبر 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم- دكتوره..هبه إبراهيم سالم:

عضو مركز الأزهر العالمى للرصد والافتاء الالكترونى

لقد كان ميلاد خير الخلق سيد العالمين سيدنا محمد – صلى الله عليه وسلم - ميلادًا للعالم كله ، ميلادًا للنور الذي أنار به رب العزة كل الكون، وأخرج به الدنيا والعالم والبشرية من ظلمات الجهل إلى نور الإسلام والإيمان، ومن غياهب المعاصي واضمحلال الأخلاق إلى نور الفضائل والأخلاق العظيمة ... فقد كان النور المبين الذي أرسله الله- تعالى- ليهدي به من يشاء من عباده، ويبدد به ظلمات الجهل والخرافات، ويمحي به الفساد الاعتقادي والأخلاقي والاجتماعي الذي انحدرت إليه الإنسانية وأمضت فيه عصور وأزمنة طويلة ... فكان ميلاده حقا ؛جبرا لخاطر الإنسانية كلها ، وصدق فيه قول الله –تعالى-: "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ " ( سورة الأنبياء جزء الآية 107).

وفي هذه السطور سوف نتحدث عن غيض من فيوضات الله – تعالى- التي جبر بها الكون بأسره قبل ميلاده كإرهاص لمجيئه ، وبعد ميلاده صلى الله عليه وسلم.

ومن إرهاصات الجبر الجميل قبل مولده – صلى الله عليه وسلم- أن نجي الله- تعالى- مكة- المكرمة- في عام الفيل - عام ميلاد الحبيب المصطفى- صلى الله عليه وسلم-، حين أراد أبرهة الحبشي أن يجهز عليها بجيشه ومعه الفيل؛ كي يهدم الكعبة المشرفة، وهنا تحدث المعجزة، ويؤمر الفيل بألا يتحرك ويثبت ، ويرسل الله- تعالى- عليهم طيرًا أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل، وينقذ الله- تعالى- بيته الحرام، وتجبر مكة، ويجبر الكون كله بعدم هدم الكعبة المشرفة في نفس العام الذي ولد فيه الحبيب صلاة الله وسلامه عليه.

ومن ذلك أيضا أن رب العزة –سبحانه- أراد أن ينجي أباه عبد الله بن عبد المطلب من الذبح ويُفدىَ بمائة ناقة، ليكون هذا بداية جبر ظهرت حقيقته بعد أن حدث موت عبد الله، وكانت السيدة آمنة أم النبي -صلاة الله وسلامه عليه- قد حملت به؛ فكان هذا جبرًا لها، ولطفًا من رب العالمين بحالها؛ فرأت النور الذي ملأ الدنيا بمولد طفلها – صلى الله عليه وسلم- ، وكذلك جبر الله – تعالى- بميلاده خاطر جده عبد المطلب بن هاشم الذي فقد ولده ولم يمضِ على زواجه إلا وقت قصير، ويأتيه بأعظم حفيد سيدنا محمد – صلى الله عليه وسلم- ،ويقدر الله – تعالى- بعد ذلك أن يكفل الجد حفيده ؛ ليجبر الله - تعالى- به يُتم الحبيب المصطفى بفقد الأب والأم فكفله في سنوات عمره الأول حتى توفي، ومن بعده جبر به خاطر عمه أبي طالب حين كفله بعد موت جده فرأى البركة قد حلت في بيته ومطعمه ومشربه وزاد الخير بعد أن كان فقيرًا لا يجد طعامًا له ولزوجته وأبنائه.

وليس هذا فحسب ؛ فمن بين من جبر الله – تعالى- خاطرهم بميلاد سيدنا النبي الأعظم -صلاة الله وسلامه -عليه كانت السيدة حليمة السعدية المرضعة التي فقدت الأمل بأن تعود لأهلها بمولود ترضعه، وبعد شعورها بالحزن جبر الله – تعالى- خاطرها بوليد ليس كأي وليد، جبرها بأحب خلق الله إلى الله بسيدنا محمد – صلى الله عليه وسلم- ورزقها بوجوده البركة في كل شيء؛ فكثرت عندها البركة وفاض الخير.

وقد كان النبي- صلى الله عليه وسلم - جابرًا لخواطر الجميع؛ فكان هينا لينا سهلا مترفقا بجميع الخلق حتى بمن لم يره منهم .

ومن ذلك ما كان يفعله صحابته الكرام من جبر خواطرهم ، والاهتمام بشئونهم ، وفي ذلك مواقف عدة منها : أنه عندما دخل سيدنا النبي -صلى الله عليه وسلم- المسجد فوجد أبا أمامة – رضي الله عنه- جالسًا سأله:("يا أبا أمامة، مالي أراك جالسًا في المسجد في غير وقت الصلاة؟" قال: هموم لزِمَتْني، وديون يا رسول الله، قال :"((أفلا أُعلِّمُك كلامًا إذا أنت قلتَه أذهَب الله عز وجل همَّك، وقضى عنك دَيْنَك))، قلتُ: بلى يا رسول الله؟ قال: ((قل إذا أصبحت، وإذا أمسيت: اللهم إني أعوذ بك من الهمِّ، والحزن، وأعوذ بك من العَجْز، والكَسَل، وأعوذ بك من الجُبْن والبُخْل، وأعوذ بك من غَلَبَة الدَّيْن، وقَهْر الرجال))، قال أبو أمامة: ففعلتُ ذلك، فأذهب الله عز وجل همِّي وقضى عني ديني".

فقد كان النبي – صلى الله عليه وسلم- دائم السؤال عن أحوال أصحابه الكرام ؛ ليطمئن عليهم ، ويجبر خواطرهم ، ويواسيهم عند المصائب ، ويفرح معهم في أفراحهم .

ومن أعظم المشاهد التي حدثت مع رسول الله -عليه الصلاة والسلام- ما كان منه عام فتح مكة حيث عفى عمن آذاه ، وترفق بمن شق عليه ، وجبر خواطر من سأله ووقف على بابه، وذلك حين سألهم النبي – صلى الله عليه وسلم- وقال لهم :"ما تظنون أني فاعلٌ بكم .." فقالوا محسنين الظن فيمن هو أهل له :" أخٌ كريم وابن أخ كريم ..." فأجابهم جابر الخواطر -صلاة الله وسلامه عليه - بجميل سماحته قائلًا :" اذهبوا فأنتم الطلقاء".

ولم تقتصر رحمة النبي – صلى الله عليه وسلم- وجبره للخواطر على البشر فقط بل شملت الجماد والحيوان ، ومن ذلك ما ورد من مسحه لذفرات عيني الجمل حين رآه يبكي، وأوصى صاحبه أن يهتم بشأنه من مأكل ومشرب وغيره.

ما أجمل خلقك يا حبيب الله ، ويكفينا لنظل ذاكرين مقتدين بجبره صلى الله عليه وسلم للبشر والشجر والحجر؛ أن نذكر قول الله –تعالى- في سورة التوبة واصفًا لنبيه بقوله :"لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ "... ( سورة التوبة الآية ١٢٨).

نحمد الله ونشكره على عظيم فضله وجبره، ونصلي ونسلم على النبي العدنان الجابر عليه وعلى آله وصحبه الصلاة والسلام.

إعلان

إعلان

إعلان