لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

الأزهر للفتوى: الشريعة كفلت لولي الأمر تدبير كثير من الأمور الاجتهادية وفق اجتهاده

03:42 م الخميس 19 مارس 2020

منع الطواف في مناطق صحن الكعبة لتطهيرها


كتب- محمد قادوس:

نشر مركز الأزهر العالمي للرصد والافتاء الالكتروني ردا مفصلا على سؤال ورد إليه يقول:" ما حكم تقييد ولي الأمر للشعائر الإسلامية؟".

قالت لجنة الفتاوى الالكترونية بالمركز إن من أعظم فضائل الله تعالىٰ ومننه علىٰ عباده، أن ميّز الشريعة الغراء بالشمول والكمال، فوسعت جميع الأعصار والأمصار، بما زخرت به من الأصول النافعة، والمقاصد الجامعة لقضايا الدين والدنيا معًا، كما حوت أصولًا وقواعد ملأت الأرض عدلًا وحكمة وتيسيرًا في تنظيم مصالح العباد في أمور المعاش والمعاد؛ مما كان له الأثر البالغ في تحقيق الخير للأفراد والمجتمعات، وإصابة الحق في الاجتهادات والمستجدات.

وقالت اللجنة، عبر الصفحة الرسمية للمركز على "فيسبوك" إن مما أقرته الشريعة الإسلامية، وأولته مكانة كبيرة مقام ولي الأمر، فأمرت بطاعته، وحرمت معصيته؛ حتىٰ تستقيم أمور الرعية، ويتمكن من تحقيق الغاية التي نُصّب لها، وهي غاية عظيمة مكونة من أصلين:

الأول: نصرة الدين، والحفاظ علىٰ أصوله وقواعده.

والثاني: تدبير أمور الرعية، وسياسة الدولة الدنيوية بما تقتضيه المصلحة العامة المعتبرة.

إذ مراعاة المصلحة المعتبرة أصلٌ من أصول الدين، كما قال الإمام الشاطبي رحمه الله (الموافقات 2/ 12): "استقرينا من الشريعة أنها وضعت لمصالح العباد".

وأوضحت لجنة الفتاوى أن الشريعة الإسلامية قد كلفت لولي الأمر تدبيرَ كثير من الأمور الاجتهادية وفق اجتهاده الذي يتوصل إليه بعد النظر السليم، والبحث والتحري، واستشارة أهل العلم الأمناء وأهل الخبرة العدول، في القيام بتصرف ما، سواء كان هذا التصرف منعًا أو نهيًا أو تقييدًا أو إلزامًا بأمر من الأمور، ولا قيد عليه في تصرفه ذلك إلا التزامه بالشرع، وعدم مخالفته لنصوصه، ولقد كان من القواعد التي قررها أهلُ العلم في ذلك الباب أن "تصرف الإمام علىٰ الرعية منوطٌ بالمصلحة"، وأما تصرف ولي الأمر في تقييد الشعائر الإسلامية فقد تناوله الفقهاء والعلماء من حيث تنوع تقييدات ولي الأمر في الشعائر الإسلامية إلىٰ ثلاثة أقسام:

الأول: الشرائع الثابتة من الدين بالضرورة كالصلاة والصوم ونحوهما.

الثاني: ما يكون للاجتهاد فيه مدخل كفروع العبادات وفروع المعاملات.

الثالث: المباحات من الشرائع مما لم يرد فيه نص بوجوبه، ويحكمه باب المصالح والمفاسد (المصلحة المرسلة).

فأما النوع الثالث: فلولي الأمر تقييده بالمنع والنهي فيه باتفاق الفقهاء، إذ يدخل في دائرة المباح الذي تتغير أحكامُه بتغير الحال والمكان والزمان، وفق ضوابط التغيير الشرعية، فعندما يتخلف مقصود الحكم الشرعي عنه، سواء المندوب أو الواجب أو المكروه أو المحرم، لزم ولي الأمر -وهو المنوط به بحكم الولاية العامة- صيانة تحقيق المقاصد الشرعية الخمسة ورعايتها، وأعلاها حفظ الدين، بأن يتدخل بتصرف يعيد تحقيق المقصود الشرعي من الحكم.

وأما النوعان الأول والثاني، فتحكمهما الضرورة والمصلحة العامة، ويكون تقدير الضرورة والمصلحة، وكيف تقدر، ومن له حق التقدير، وعن نوع الضرر هل هو واقع أو متوهم؟ ... إلخ لأهل العلم والفتوى في البلد، وليس لولي الأمر إلا إن كان من أهل الاجتهاد في ذلك.

وأكدت اللجنة أنه يجوز لولي الأمر أن يستعين بأهل العلم في مراكز البحوث المتخصصة لعمل الإحصاءات اللازمة، ثم عرض تلك النتائج علىٰ لجنة شرعية متخصصة من أعيان البلد وعلمائه ممن يحق لهم تقرير هذه الأمور، وكونهم أهل تقدير للمصالح و المفاسد.

وقد قيّد الفقهاء هذه العملية ببعض الضوابط الشرعية، والتي من أهمها:

- موافقة الشريعة، وتحقيق مقاصدها: فلا بد أن يكون كل تصرف في تقييد شعائر الإسلام من ولي الأمر موافقًا للنصوص الشريعة، ومحققًا لمقصد من المقاصد العامة للشريعة، فإذا كانت هناك ضرورة مُلْجِئة أو حاجات عامة لنوع من المنع أو التقييد أو الإلزام، ولا يوجد حل لها غير ذلك التصرف الضروري، فإن الأخذ به تكون علته قاعدة: الضرورات تبيح المحظورات، فإنها أيضًا تُلْجيءُ إلى تقييد المباحات، والحاجة العامة تنزل منزلة الضرورة، فهو منع أو تقييد أو إلزام مؤقت متقيد بالضرورة أو الحاجة، وليس مخالفة لأوامر الشرع الحنيف.

- التقييدات تفرضها دراسات أهل العلم والسياسة الشرعية وليس الهوى والتسلط:

فهذه التقييدات أو الالتزامات تكون صادرة بعد دراسات عميقة من أهل العلم والفقه، حتىٰ تكون محققة للغرض الذي من أجله وضعت، ولا تترتب عليها نتائج عكسية، تكون علىٰ خلاف المقصود، ثم عرضها علىٰ العلماء ذوي العقليات الفذة، والمَلَكات الاجتهادية، الذين يُحْكِمون الأصول والقواعد، ويَزِنُون الأمور بميزان الشرع الشريف.

- تقييدات الشعائر الإسلامية توقيتية؛ فهو تعطيل مؤقت:

فلا تكون تقييدات ولي الأمر للشعائر الإسلامية إلّا في حالاتٍ معيَّنة، ولوقت محدَّد، وليس علىٰ سبيل الدوام، فهو مؤقت باستمرار الحاجة أو الضرورة الداعية بحسب الحال والمكان والزمان، فلو أصدر وليُّ الأمر قرارًا معينًا، وربطه بحالة طارئة، لم يُحمل هذا علىٰ التشريع الدائم المخالف لشرع الله تعالىٰ الممنوع منه، بل يحمل علىٰ التقييد الطاريء المرتبط بالظرف أو الحالة التي ألجأت إليه، يوجد بوجودها ويزول بزوالها؛ فالتأقيت المقصود هنا لا يحدد بزمن معين، وإنما بقاء العمل بالنظام ببقاء ما يبرره، وبقاء أمر ولي الأمر به، وذلك –بحسب الزمن– قد يطول وقد يقصر، والمحدِّد لذلك هو طبيعة العارض، ومن ثَمَّ يكون من المهم تحديد مدى العارض زمنًا ووقتًا، وهذا صراط دقيق لا غنىٰ عنه لمن تصدىٰ لمهمة الإفتاء، ومن باب أولىٰ يتأكد لمن تصدر مسؤولية الحكم، وما يقتضيه ذلك من اجتهاد في سياسة أمر الناس.

وعلىٰ ما سبق: فإذا تبيّن بالتقارير والدراسات المتخصصة أن مرضًا ما (مثل كورونا) صار وباءً عامًّا، وأن من طرق حدِّه والوقاية منه منعَ الاجتماعات، والتزام المنازل والبيوت، فيجوز لولي الأمر وقتئذٍ تقييد الشعائر الإسلامية المبنيّة علىٰ الجماعات بمنع الاجتماع لها، كالجماعة وصلاة الجمعة والعيدين ... وغير ذلك، وتأدية تلك الشعائر بصورة منفردة، حفاظًا علىٰ النفس، وتحقيقًا للمصلحة العامة المعتبرة شرعًا.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان