في ذكرى وفاته.. هل امتلأ كتاب "الأغاني" لأبي الفرج الأصفهاني بالضلالات والأكاذيب؟
كتبت – آمال سامي:
تحل اليوم الرابع عشر من ذي الحجة، ذكرى وفاة أبو الفرج الأصفهاني المتوفي عام 356هـ، وصاحب كتاب "الأغاني" الشهير، الذي يعتبر من أكثر المصادر التاريخية انتشارًا كمصدر في الأعمال الأدبية والدرامية التي تتناول الأحداث والشخصيات التاريخية، ومنه اقتبس الأديب محمد المنسي قنديل كتابه "شخصيات حية من الأغاني" وتناول فيه قصصًا من التراث اختارها من كتاب أبي الفرج، وأيضًا تعد سيرة هارون الرشيد المقتبسة من كتاب الأغاني الأكثر شهرة والتي صورت حياة الخليفة زاخرة باللهو والمجون والترف، وهو ما أثار من النقد الكثير حول كتاب أبو الفرج ومدى صلاحيته ليصبح مصدرًا تاريخيًا.
يصفه الذهبي في سير أعلام النبلاء بـ "العلام الأخباري"، واسمه علي بن الحسين بن محمد القرشي الأموي الأصبهاني، ولد عام 284 هـ، ولكن لا أحد يعرف تحديدًا مكان ولادته، وقيل أنه من ذرية الخليفة هشام بن عبد الملك، لكن يصوب الذهبي تلك المعلومة قائلًا أنه من ولد مروان الحمار، ويقول عنه: "كان بحرًا في نقل الآداب" وممن حدث عنه الدار قطني والطبري وغيرهم لكنهم الأشهر ممن رووا عنه، يقول الذهبي أنه كان عالمًا بالأنساب وبأيام العرب وكان يكتب الشعر كذلك.
للأصفهاني عدة كتب أبرزها، نسب عبد شمس ونسب بني شيبان ونسب آال المهلب جمعه للوزير المهلبي، وكان يلازمه، وله أيضًا مقاتل الطالبيين وكتاب "ايام العرب" في خمسة أجزاء، يقول عنه الذهبي أنه كان كثير الهجاء فكان يتقيه الناس خشية هجائه.
كتاب الأغاني.. مصدر صادق أم ممتلئ بالأكاذيب؟
طوال خمسين عامًا، يؤلف أبو الفرج الأصفهاني هذا الكتاب حتى يهديه في النهاية إلى سيف الدولة الحمداني مقابل ألف دينار، وهو ما استقله الأصفهاني وقال فيه: "لقد قصر سيف الدولة وأنه ليستحق أضعافها".
ربما لم ينل الأصفهاني أجره على الكتاب كما قال معتبرًا أنه يستحق أضعاف مما أخذ فيه، لكن هذه الأضعاف تلقاها في شهرة الكتاب الواسعة التي جعلته حتى الآن من أشهر كتب الأدب التاريخية في شتى البقاع، إلى الحد الذي اعتمد فيه كثير من الباحثين العرب والمستشرقين عليه في كتاباتهم، وفي العصر الحديث أيضًا في الأعمال الفنية والدرامية والأدبية كذلك.
سمي كتاب الاغاني بذلك لأنه اعتمد في بدايته على الأغاني التي جمعها إبراهيم الموصلي للخليفة هارون الرشيد بناء على طلبه، حيث طلب الخليفة من مغنيه الموصلي أن يجمع له مائة أغنية يختارها له، وضم على تلك الأغاني أغان أخرى غنت للخلفاء وغيرهم وأغان اختارهم هو بنفسه.
على الرغم من اعتبار البعض "الأغاني" كنزًا ثمينًا يحوي من الأخبار والأشعار والطرائف الكثير، إلا أن البعض الآخر اعتبره كتاب في الخلاعة والمجون وتشويه لسمعة وصورة الخلفاء المسلمين، فنقل علي الصلابي في مقاله: "وقفات عند كتاب الأغاني للأصفهاني: ضلالات وأكاذيب" مقالات العلماء الناقدة له وهي أقوال الخطيب البغدادي والجوزي والذهبي فيه، فقالوا:
الخطيب البغدادي: كان أبو الفرج الأصفهاني أكذب الناس كان يشتري شيئاً كثيراً من الصحف، ثم تكون كل رواياته منها.
ابن الجوزي: مثله لا يوثق بروايته، يصّح فيه كتبه بما يوجب عليه الفسق، ويهوّن شرب الخمر، وربما حكى ذلك عن نفسه، ومن تأمَّل كتاب الأغاني، رأى كل قبيح ومنكر .
الذهبي: رأيت شيخنا تقيّ الدين ابن تيمية يضعّفه ويتهمه في نقله، ويستهْول ما يأتي به .
يقول الدكتور عبد المقصود الباشا، أستاذ التاريخ الإسلامي بالأزهر الشريف، في حديث خاص لمصراوي أن ما يقوله علماء التاريخ في الحكم على شخصية تاريخية أو غيره هو رأيهم الشخصي وإن قالوا "كثير من العلماء وقال العلماء..." فهي جملة يتغلف بها رأيهم الشخصي، وأوضح الباشا أن ما كتبه أبو الفرج الأصفهاني في مؤلفاته كلها "مصادر موثوقة" في رأيه الشخصي، أما من يقول أنه ألّف بعض المواقف من عنده فما يدريه بذلك؟
قال شوقي أبو خليل، الباحث التاريخي، في نقد أبو الفرج الأصفهاني في معرض نقده لكتاب فيليب حتّى "تاريخ العرب المطول"، ما نقله عنه كثيرون: " وهو ليس كتاب تاريخ يعتمد أيضاً، إنّه كتاب أدب، وهذا لا يعني مطلقاً أن كل كتاب أدب لا يؤخذ به، بل يعتمد إن كان صاحبه ثقة، معروفاً عنه الأمانة في النقل والرِّواية. إن كتاب الأغاني الذي جعله حتَّى مرجعاً تاريخياً معتمداً، صاحبه متَّهم في أمانته الأدبيَّة والتاريخية، جاء في ميزان الاعتدال في نقد الرّجال: أن الأصفهاني في كتابه الأغاني كان يأتي بالأعاجيب بحدثنا وأخبرنا. ومن يقرأ الأغاني يرى حياة العباسيين لهواً ومجوناً وغناء وشراباً، وهذا يناسب المؤلِّف وخياله وحياته، ومن يرجع إلى كتب التاريخ الصحيحة يجد صورة أخرى فيها علم وجهاد وأدب، فكتاب الأغاني ليس كتاب تاريخ يحتج به"، ورد الباشا على ذلك قائلًا أن كتاب الأغاني ليس كتاب تاريخ ولكنه كتاب أدب، وما ذكره الأصفهاني في كتاباته يعبر عن حقيقة العصر الذي عاش فيه، فلا أحد يستطيع أن يعفي الخلفاء العباسيين وأمراءهم من المجون.
"صورت المسلسلات العربية هارون الرشيد أنه رجل خلاعة ورقص ومجون ولم يدر أحد انه كان يحج عامًا ويغزو عامًا"، يقول الباشا، ما كتبه ابو الفرج عن هارون الرشيد كانت حقائق، فهذا جانب من الحياة صوره أبو الفرج الأصفهاني.
هل كان أبو الفرج الأصفهاني شيعيًا؟
يتهم البعض أبو الفرج بأنه كان له ميول وأهداف أثرت فيما يكتبه في مؤلفاته بسبب أهواءه وميوله الشيعية، ويدعم كونه "شيعيًا" ما ذكره الذهبي في سير أعلام النبلاء عن أبو الفرج الأصفهاني: "والعجب أنه كان أموي شيعي"، يرد عبد المقصود الباشا على ذلك مستنكرًا أن يكون أمويًا وشيعيًا في ذات الوقت، "زي ما تقولي ان الليل والنهار اجتمعوا في وقت واحد..لأن الدولة الأموية كانت ضد الشيعة قلبًا وقالبًا"، موضحًا انه حتى إن كان شيعيًا فهذا لا يعيبه.
فيديو قد يعجبك: