في ذكرى ميلاد موسى بن ميمون.. "اليهودي" الذي عده المؤرخون من أبرز فلاسفة الإسلام (بروفايل)
كتبت – آمال سامي:
"ابن ميمون من فلاسفة العرب وهو من فلاسفة الإسلام".. هكذا تحدث الدكتور مصطفى عبد الرازق، رائد الفلسفة الإسلامية الحديثة عن الفيلسوف اليهودي ابن ميمون، في مقدمته لكتاب "موسى بن ميمون حياته ومصنفاته"، ورغم ذلك فكتب ابن ميمون لم تنتشر بالعربية ولم تدرس حياته ومذهبه حسبما يذكر عبد الرازق، بل ان أخباره وآثاره تلتمس في لغة غير العربية.
هو أبو عمران موسى بن ميمون بن عبد الله القرطبي الأندلسي، عاش في الفترة من (1135 – 1205 م) و (530 – 603 هـ)، كان ميلاده في مثل هذا اليوم، الثلاثين من مارس، عام 1135م بالأندلس قبل عيد الفصح اليهودي، وكان والده ميمون بن يوسف ينتمي لأسرة عريقة في الحسب يرجعها بعد المؤرخين إلى يهودا، جامع أسفار "المشنا" اليهودية في القرن الثاني الميلادي، وكان والده أحد كبار اليهود في زمنه، فعمل قاضيًا في المحكمة الشرعية اليهودية بقرطبة، وإلى جانب علمه بالدين اليهودي، مارس أيضًا العلوم الطبيعية والفلسفية وهو ما أثر بشكل كبير في نشأة موسى بن ميمون.
ابن ميمون.. من الأندلس إلى مصر
غادرت أسرة ميمون إلى المغرب عام 1160 ثم رحلت منها إلى عدة دول أخرى انتهت بمصر عندما وقعت في ايدي الموحدين، وكان موسى حين عاش في مدينة فاس، يتتبع محاضرات ودروس علماء اليهود مثل يهودا الكاهن وكذلك كان مهتمًا بان يتعلم على يد الفلاسفة المسلمين وعلماءهم.
"تاقت نفس موسى إلى أن يقيم ببلد يسود فيه روح الحرية والاطمئنان حتى يتمكن من تنفيذ مشروعاته العلمية التي لم يستطع تحقيقها في أثناء تنقلاته الكثيرة من الأندلس إلى المغرب في ذلك الجو المشبع بالتعصب الديني وإزهاق الأرواح والفتك بأقوياء العزيمة"، هكذا يصف الدكتور إسرائيل دلفسون مقدم موسى بن ميمون إلى مصر في كتابه "موسى بن ميمون حياته ومصنفاته"، قائلًا أنه نزل بداية في الإسكندرية ثم انتقل إلى القاهرة "الفسطاط" حينها، وبدأ حياة مثمرة حسب تعبيره، وسكن موسى في محلة المصيصة التي كان يسكنها جماعة من أغنياء المسلمين وأعيان اليهود لقربها من حارة اليهود وسويقتهم وكنائسهم، واشتغل بالتجارة هو وأخيه داوود.
في الموسكي وتحديدًا في شارع درب محمود بحارة اليهود، يقع كنيس موسى بن ميمون وهو أحد أقدم وأهم المعابد اليهودية في مصر، حيث يزعم اليهود أن جثته بقيت فيه عدة سنوات في تابوت مقفل إلى أن نقلت إلى فلسطين، ويعتقد بعضهم أنه مكان مبارك فيه شفاء من كل داء.
التف الشباب حول موسى بن ميمون خاصة مهاجري الأندلس والمغرب، فكانوا يستمعون إلى محاضراته في الدين والفلسفة والفلك، وكان أحبهم إليه هو يوسف بن عقنين، الذي أصبح فيما بعد صديقه المقرب، وعرف عند العرب باسم يوسف بن يحيى السبتي، وكان تلامذته وعلى رأسهم يوسف من نشروا اسمه وتعاليمه في مصر وفي الشام والمغرب والأندلس وجنوب فرنسا أيضًا، وأصبحت الأسئلة حول الدين والعلم والفلسفة تنهال عليه في كل مكان.
بعد وصول موسى بن ميمون إلى مصر بخمس سنوات، حدث وقعت حادثة بمصر اعتبرها إسرائيل دلفسون من أبرز الأمور التي أثرت في مسيرته، وهي ما وصفه بـ "الانقلاب السياسي العظيم" حيث تولى الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب مصر متغلبًا على العلويين، فظهر الرخاء والاستقرار في جميع انحاء البلاد، وعمل موسى كطبيب خاص في قصر الملك الأفضل علي بن صلاح دين يوسف، لكن ذلك لم يمنعه من التأليف والتصنيف.
تأثر فلسفة ابن ميمون بـ الإسلام
يعتبر كتاب دلالة الحائرين من أبرز ما ألفه موسى بن ميمون في الفلسفة، وفيه تأثر ابن ميمون بشدة بأفكار فلاسفة المسلمين وعلماء الكلام خاصة علماء الأشاعرة، ويعلق إسرائيل ولفسون في كتابه على ذلك قائلًا: " ولسنا نعلم رجلاً آخر من أبناء جلدتنا غير ابن ميمون قد تأثر بالحضارة الإسلامية تأثرًا بالغ الحد حتى بدت آثاره وظهرت صبغته في مدوناته من مصنفات كبيرة ورسائل صغيرة"، وكتب أيضًا ابن ميمون "مشناة التوراة" والتي بها مباديء الإيمان الثلاثة عشر التي وضعها للديانة اليهودية وأصبحت لازمًا على كل يهودي الإيمان بها، ويظهر فيها كذلك تأثره بالفلسفة والثقافة الإسلامية، وهذه المبادئ هي:
1. الله موجود، وهو المدبر للمخلوقات كلّها، والصانع لكل شيء في ما مضى والآن وفي ما سيأتي.
2. لا يشبه الله في وحدانيته شيء، وهو وحده الإله منذ الأزل وإلى الأبد.
3. الله روح وليس جسمًا، ولا شبيه له على الإطلاق.
4. الله أزلي، فهو الأول والآخر.
5. الله وحده من ينبغي أن يُعبد، ولا جدير بالعبادة غيره.
6. الوحي لا يأتي إلا عبر أنبياء الله، وكلامهم كلّه حق.
7. نبوة موسى حق، وهو أبو الأنبياء جميعًا، من جاء منهم قبله، ومَن جاء بعده.
8. التوراة التي بين أيدينا اليوم هي التي أوحى الله بها إلى موسى.
9. التوراة التي جاء بها موسى لا يمكن استبدالها ولا تغييرها، سواء كان ذلك بالإضافة أو الحذف.
10. معرفة الله بأفكار البشر وأفعالهم.
11. يجزي الله الحافظين لوصاياه، ويعاقب مخالفيها.
12. مجيء المسيح اليهودي (المشيح) مهما طال انتظاره.
13. قيامة الموتى بإرادة الله.
14. في الاثنين، الثالث عشر من ديسمبر سنة 1204 توفي موسى بن ميمون، وحملت جثته إلى طبرية بفلسطين ودفن هناك.
فيديو قد يعجبك: