جمعة: "الباقى" من صفات الكمال الإلهية.. وهذه أسراره
كتبت- سماح محمد:
قال الدكتور على جمعة - مفتى الديار المصرية السابق، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف- إن لله الأسماء الحسنى التى تحمل الكثير من المعانى والأسرار الإلهية ومنها اسم الله تعالى "الباقي" وهو الذى نذكره سبحانه وتعالى به، ونؤمن به، ونعي معناه، وهو اسم من أسماء الكمال؛ فإن الله سبحانه وتعالى باقٍ: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ}.. [الرحمن : 27]، {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ}.. [الرحمن : 26 - 27].
وتابع جمعة من خلال الصفحة الرسمية لفضيلته عبر الفيسبوك أن الله سبحانه وتعالى باقٍ، قبل الأكوان، ومع الأكوان، وبعد الأكوان، خَلَقَ خلقًا يحتاج إليه، خلق خلقًا لا يكون فيه شيء إلا ما أراد، خلق خلقًا له نهاية، كما أن له بداية.
وَكُلُّ مَا جَازَ عَلَيْهِ الْعَدَمُ ... * ... عَلَيْهِ قَطْعًا يَسْتَحِيلُ الْقِدَمُ
لكن الباقي؛ ولأنه خارج عن الزمان، وعن المكان، مفارق لهذه الأكوان، لا يحل في شيء منها، ولا يتحد مع شيء منها؛ فإنه لا بداية له، وهو قديم لا أول له.
وأوضح فضيلته أن الله سبحانه وتعالى لا نهاية له، فهو الأول والآخر، والمقدم والمؤخر، وهو القائم بذاته سبحانه وتعالى، ولا يحتاج إلى أحدٍ من خلقه، ولا يحتاج إلى شيء من كونه، فقد كان قبل خلق الأكوان، وهو الآن على ما عليه كان، ثم هو الذي يقدر فناءها، ثم هو الذي يعيدها سبحانه وتعالى كما أنشأنا أول مرة.
فهو سبحانه وتعالى الحقيقة، والحق المطلق الباقي؛ ومن أجل هذا كانت منظومة الأخلاق مطلقة، بمعنى أن العدل عدل، وأن الظلم ظلم، وأن الحسن حسن، وأن القبيح قبيح، وأن الله سبحانه وتعالى لا يتغير، ولا يتبدل، وهو الذي يبقى بعد فناء الإنسان، وبعد تطور الأجيال، وبعد تدهور الدهور، وبعد انهيار العصور، أو بعد تقدمها، وبعد تطورها؛ لكنه سبحانه تعالى لا يحول، ولا يتحول؛ ولذلك فهو المطلق، الذي لا إله إلا هو.
من أجل ذلك آمن المسلمون بتلك الأخلاق المطلقة، لم يعرفوا أن يكيلوا بمكيالين، ولا أن يزنوا بميزانين؛ لأن الله سبحانه وتعالى هو رب المشارق والمغارب، وهو رب العالمين، وهو ربنا أجمعين، رب السلف، ورب الخلف، رب السابقين، ورب اللاحقين؛ لأنه باق سبحانه وتعالى.
فهذا هو القدر الذي لا يتغير، الثابت، الذي أَثَّرَ في قبول أخلاق المسلمين.
ولذلك يتعجب المسلمون كيف يكيل الساسة في العالم بمكيالين، أو يزنوا بميزانين، أو أنهم من أجل المصلحة الضيقة، أو المنفعة يقتلون الناس، يحتلون البلاد، يدمرون الهياكل الأساسية، يستعمرونها ويأخذون ثرواتها؛ من أجل أن يبنوا بلادهم، أو من أجل أن تتعزز قواهم.
كيف يفعلون ذلك؟! ألا يؤمنون بأن الله يرى، وبأن الله باق، وبأن الله سبحانه وتعالى، قد صدر منه هذا الأمر، وصدر منه هذا النهي؛ من أجل سعادة البشرية؟! {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} ، {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ}.
فكان يجب عليهم أن يؤمنوا بالله الباقي، الذي لا يحول، ولا يتحول.
هذا هو الذي يحير كثيرًا من المسلمين، في فهم أولئك الذين يرون الأخلاق نسبية، تختلف باختلاف المكان، تختلف باختلاف الزمان، تختلف باختلاف الأحوال والمصالح، تختلف باختلاف الأشخاص، فَمَنْ كان معنا، ليس كَمَنْ كان ضدنا؛ بغض النظر عن كل القيم.
أما ربنا الباقي، فيقول لنا: {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}. يعني: كراهيتنا لأقوام، أو نزاعنا وخصامنا معهم، أو تعارض مصالحنا مع مصالحهم، لا يدعونا إلى الظلم، بل يجب علينا أن نلتزم بالعدل: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}.
هذه الموعظة؛ إنما هي من قلب مؤمن، بأن الله هو الباقي.
(الباقي) من صفات الكمال، فتمسك بها، وَادْعُهُ بها: يا باقي، سبحانه وتعالى.
فيديو قد يعجبك: