لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

علاقة الفلك بفريضة الصوم

02:17 م الأربعاء 24 يوليو 2013

قال تعالى: {يأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِى أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْءَانُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِرُواْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}... (البقرة الآيات : 183 ـ 185).

الأحكام الفقهية المستنبطة من الآيات:

من خلال هذه الآيات سنتحدث عن النقاط الآتية:

1 ـ ما المراد بالأيام المعدودات؟.

2 ـ بِمَ يثبت الشهر، وكيفية شهوده؟.

3 ـ نصاب الشهود في إثبات الرؤية.

4 ـ اختلاف المطال

5 ـ التوقيت بالحساب أم بالرؤية؟.

المراد بالأيام المعدودات الفقهاء يختلفون في تحديد المراد من هذه الأيام؛ هل هي أيام شهر رمضان؟ أو غيرها. فيرى أكثر الفقهاء أنها أيام شهر رمضان، ودليلهم على ذلك الأدلة الآتية:

1 ـ من القرآن الكريم؛ فقد بين الله عدد تلك الأيام ووقتها وأمر بصومها في قوله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِى أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْءَانُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}.

2 ـ من السنة؛ ما روي عن سلمة بن الأكوع قال: (كنا في رمضان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من شاء صام، ومن شاء أفطر فافتدى بطعام مسكين حتى نزلت هذه الآية {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ})... رواه البخاري ومسلم.

3 ـ ما روي عن عروة بن مرة بن أبي ليلى قال: حدثنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أنه نزل رمضان فشق عليهم، فكان من أطعم كل يوم مسكينًا ترك الصوم ممن يطيقه، ورخص لهم في ذلك فنسختها: {وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ} فأمروا بالصوم.

من الدليل القرآني وهذين الحديثين يتضح أن الأيام المعدودات هي أيام شهر رمضان صراحة، وذهب بعض الفقهاء إلى أنها أيام غير أيام شهر رمضان.

لما روي عن معاذ، وقتادة، وعطاء وروي أيضًا عن ابن عباس أنها كانت ثلاثة أيام من كل شهر، كما جاء في رواية عن قتادة زيادة صوم يوم عاشوراء أيضًا، ودليلهم على ذلك ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صوم رمضان نسخ كل صوم).

فدل هذا على أن صومًا آخر كان واجبًا قبل صوم رمضان، ثم نسخ بصومه، واستدلوا أيضًا بأن المراد بالأيام المعدودات غير رمضان بأن صوم رمضان واحد على التعيين بنص القرآن، فوجب أن تكون الأيام المعدودة غيره لأن صومها كان على التخيير.

مناقشة الأدلة لو تأملنا في هذه الأدلة نرى أنها لا تدل لهم على ما ذهبوا إليه ذلك. لأن حديث (صوم رمضان نسخ كل صوم) يحتمل أن يكون المراد فيه كل صوم في الشرائع السابقة، كما يحتمل أن يكون المراد به كل صوم فرض في الإسلام قبله، والدليل إذا تطرق إليه الاحتمال سقط به الاستدلال.

وأما قولهم: إن رمضان قد فرض صومه على التعيين إلى آخر ما جاء في مذهبهم، فإنا نرد عليهم بأن صومه على التعيين لا يمنع أن يكون صومه جاء أولاً على التخيير، ثم جاء صومه على التعيين بعد ذلك، عملاً بالأحاديث الواردة في هذا الكتاب، وقد ثبتت صحتها ولا مطعن فيها، وأيضًا فإنها مثبتة، والمثبت مقدم على النافي.

ومن هذا يتضح أن مذهب الجمهور في أن المراد بالأيام المعدودات هي شهر رمضان نفسه حين كان صومه على التخيير هو القول الراجح ولا منافاة ولا تعارض بين الأدلة.

بم يثبت دخول الشهر؟ هل يجوز إثبات رمضان بالطريقة الحسابية (طريق الفلك) بمعنى أن نعتمد على الحسابات الفلكية وحدها في تحديد بداية رمضان وأيام الأعياد دون الاعتماد على رؤية الهلال؟

هذه المسألة قد اختلف فيها الفقهاء اختلافًا كثيرًا في القديم وفي الحديث حتى ألف بعضهم فيها كتبًا مثل الإمام تقي الدين السبكي. فله كتاب عنوانه (بيان الأدلة في إثبات الأهلة) ومثل الشيخ محمد بخيت فله كتاب عنوانه (إرشاد الملة في إثبات الأهلة).

قال الله تعالى: {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}.

وقد قرر الفقهاء السابقون أن رمضان يثبت برؤية الهلال أو إكمال شهر شعبان ثلاثين يومًا، وفي الأحاديث الآتية بيان واضح عن كيفية شهود الشهر وثبوته.

أـ عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن حال بينكم وبينه سحاب فأكملوا العدة ثلاثين يومًا، ولا تستقبلوا الشهر استقبالاً)... رواه النسائي والترمذي بمعناه وصححه، وفي لفظ النسائي: (فأكملوا عدة شعبان).

ب ـ عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فافطروا، فإن غُمّ عليكم فاقدروا له)... أخرجه البخاري، ومسلم والنسائي.

ج ـ وعن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فافطروا، فإن غم عليكم فاقدروا ثلاثين).

أفادت هذه الأحاديث الشريفة أن رؤية الهلال في التاسع والعشرين من شهر شعبان يتم بها شهود رمضان، وهذا قدر متفق عليه بين الفقهاء، ولا يختلفون فيه، وإن كانوا مع اتفاقهم هذا قد اختلفوا في زمن الرؤية، وفي عدد الشهود المقيد فيها، أما في حالة الغيم وتعذر رؤية الهلال فقد وقع خلاف بينهم في كيفية شهود الشهر وهذا ما سنوضحه.

كافية شهود الشهر اختلف الفقهاء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال: القول الأول: لجمهور الفقهاء وسائر الأمصار؛ قالوا: إن ذلك يكون بإتمام عدة شعبان ثلاثين يومًا، وعلى ذلك يتحقق عندهم بأحد أمرين؛ إما برؤية هلال رمضان في حالة الصحو في يوم التاسع والعشرين من شعبان، وإما بإكمال عدة شعبان في حالة الغيم.

القول الثاني: للإمام أحمد بن حنبل وطائفة قليلة من العلماء إلى القول بوجوب الصوم ليلة الغيم وعدم إكمال شعبان، أي أن رمضان في رأيهم يبدأ بانتهاء اليوم التاسع والعشرين من شعبان في حالة الغيم وتعذر رؤية الهلال، فيجب تبييت النية وصوم اليوم التالي لتلك الليلة سواء كان في الواقع من شعبان أو من رمضان، وينويه عن رمضان فإن ظهر في أثنائه أنه من شعبان لم يجب إتمامه.

القول الثالث: لمطرف بن عبدالله من التابعين، وابن شريح من الشافعية، وابن قتيبة وبعض الفقهاء إلى التعويل على الحساب والاعتماد عليه في إثبات الشهر.

الأدلة استدل جمهور الفقهاء على مذهبهم بإكمال عدة شعبان في حالة الغيم بالأحاديث التي أفادت ذلك وقد ذكرنا بعضها، وقالوا: إنها واضحة الدلالة على المطلوب مع صحتها فضلاً عن أنها يقوي بعضها بعضًا.

أما الإمام أحمد بن حنبل في رواية عنه ومَن وافقه فقد استدلوا بما يأتي: 1 ـ ما رواه ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: (فإن غُمّ عليكم فاقدروا له) وقالوا: (إن التقدير معناه التضييق والتنقص، وبهذا المعنى جاء القرآن الكريم في قوله تعالى: {فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ} أي ضيق، وقوله تعالى: {يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ} وعلى ذلك حملوا قوله عليه الصلاة والسلام: (فاقدروا له) على التنقص وذلك لا يكون إلا بعد إتمام عدة شعبان وبدء الصوم في حالة الغيم في يوم الثلاثين منه على أنه أول رمضان.

2 ـ واستدلوا أيضًا بعمل ابن عمر نفسه فيما رواه أحمد ونصه قال نافع: (وكان عبدالله إذا مضى من شعبان تسع وعشرون يومًا يبعث من ينظر فإن رأى فذاك، وإن لم ير ولم يحل دون نظر سحاب ولا قتر أصبح مفطرًا، وإن حال دون نظره سحاب أو قتر أصبح صائمًا).

أما الذين اعتمدوا على الحساب فقد قالوا: إن معنى (فاقدروا له) أي قدروه بالحساب والمنازل لقول الله تعالى: {وَقَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ}.

مناقشة الأدلة بالتأمل والنظر فيما استدل به كل فريق نرى: أن أدلة الجمهور بلغت من القوة مبلغًا كبيرًا، ولا يتطرق إليها شك أو احتمال، إذ صرح فيها بإكمال عدة شعبان ثلاثين يومًا ـ عند الغيم، وتعذّر رؤية الهلال ـ وهي مفسرة للمجمل في حديث ابن عمر (فاقدروا له) بل إن رواية مسلم عن ابن عمر قد صرح فيها بلفظ: (فاقدروا ثلاثين) وهي تدل على أن المراد بلفظ (فاقدروا له) إكمال عدة شعبان، ويؤيد ذلك قول ابن مسعود: (صمنا مع النبي صلى الله عليه وسلم تسعًا وعشرين مما صمنا ثلاثين)... أخرجه أبو داود والترمذي.

قال النووي: قالوا: وقد يقع النقص متواليًا في شهر وثلاثة وأربعة ولا يقع أكثر من أربعة. وقال الإمام النووي أيضًا: إن من قال معنى (فاقدروا له) أي بتقديره تحت السحاب منابذ لصريح باقي الروايات.

قال الإمام الشوكاني: إنه يكفي في رد ذلك الروايات المصرحة بالثلاثين وعلى هذا يكون ما ذهب إليه الإمام أحمد بن حنبل ومَن وافقه معارَض بالأحاديث الصحيحة التي جاءت نصٌّا في الموضوع.

أما من قال بالاعتماد على الحساب فيرد عليه بالروايات التي أمرت بإتمام العدة، فضلاً عن أن الناس لو كلفوا بذلك لشق عليهم، إذ إن الحساب لا يعرفه عامة الناس، وزيادة على ذلك فإنه يلزم من العمل به الاختلاف في وجوب رمضان، إذ يجب عند قوم بحساب الشمس والقمر، وعند آخرين بحساب العدد، وهذا بعيد عن النبلاء ـ كما قال ابن العربي.

وجاء في الفتح: أن ابن عبدالبر قد استبعد نسبة القول بالحساب لمطرف، وقال عن ابن قتيبة إنه ليس ممن يعرج عليه في مثل هذا.

الترجيح: ومن هذه المناقشة يتضح رجحان مذهب الجمهور في أنه لابد من إتمام شعبان ثلاثين يومًا في حالة الغيم، ونخرج من هذا بأن شهود شهر الصوم بأحد أمرين: إما برؤية الهلال في الصحو، وإما بإتمام شعبان عند عدم ظهور الهلال ـ إن تعذر لغيم.

زمن الرؤية سبق أن بينَّا الحكم عند تعذر الرؤية في حالة الصحو والغيم وما ألحق به، أما إذا أمكن رؤية الهلال في التاسع والعشرين من شعبان فللفقهاء تفصيلات في زمن هذه الرؤية إلى رأيين:

الرأي الأول: لأبي حنيفة ومحمد ومالك والشافعي، والراجح عند أحمد وهو قول الليث والأوزاعي؛ أنهم إذا رأوا الهلال في اليوم التاسع والعشرين فهو لليلة المستقبلة سواء رأوه قبل الزوال أو بعده، وعلى ذلك إذا شوهد الهلال في أي ساعة من نهار التاسع والعشرين من شعبان كان ذلك دليلاً على أن صبيحة اليوم التالي له أول رمضان، وبناءً عليه يستمر مفطرًا إن كان في آخر شعبان، وصائمًا إن كان في آخر رمضان، قال النووي: وهذا مذهبنا لا خلاف فيه.

الرأي الثاني: لأبي يوسف، وابن أبي ليلى، والنووي، وابن حبيب المالكي بالتفصيل فقالوا: إن كانت رؤية الهلال قبل الزوال فهي لليلة الماضية، وإن كانت بعده فهي لليلة المقبلة.

الأدلة: استدل أصحاب الرأي الأول بالحديث الآتي: ما روي عن شقيق بن سلمة قال: جاءنا كتاب عمر رضي الله عنه ونحن بخانقين أن الأهلة بعضها أكبر من بعض، فإذا رأيتم الهلال نهارًا فلا تفطروا حتى تمسوا إلا أن يشهد رجلان مسلمان أنهما أهلاه بالأمس عشية.

وهذا واضح الدلالة على أن الهلال إذا رؤي في النهار كان لليلة القادمة سواء كان قبل الزوال أو بعده، كما يستفاد من هذا الحديث أنه أفاد وجوب الصوم برؤية الهلال حيث إن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل شهادة من رأى الهلال مقبولة دون تقيد الرؤية بزمن معين في هذا اليوم، ولو كان هذا ضروريٌّا في وجوب الصوم لبيَّنه الرسول صلى الله عليه وسلم وحدد الوقت الذي تكون فيه الرؤية، أو استفسر من الشاهد عن الزمن الذي شاهد فيه الهلال.

أما أدلة المذهب الثاني فقد استدلوا بالحديثين الآتيين:

1 ـ ما روي عن سالم بن عبدالله بن عمر (أن ناسا رأوا هلال الفطر نهارًا، فأتم عبدالله بن عمر صيامه إلى الليل وقال: لا حتى يرى من حيث يرى الليل).

2 ـ فقد روى البيهقي بإسناده عن إبراهيم النخعي أن عمر كتب إلى عتبة بن فرقد بما يفيد إذا رأيتم الهلال نهارًا قبل أن تزول الشمس لتمام ثلاثين فأفطروا، وإذا رأيتموه بعد ما تزول الشمس فلا تفطروا حتى تصوموا.

من هذين الحديثين اتضح أن ابن عمر لم يعول على الرؤية نهارًا وتمسك بأن تتم ليلاً سواء كان ذلك لهلال رمضان أو شوال، ويقوي ذلك ما جاء في رواية أخرى عنه قال: (لا يصح أن يفطروا حتى يروه ليلاً من حيث يُرى).

مناقشة الأدلة بالتأمّل في الأدلة السابقة التي استدل بها الفريقان ـ نجد أن ما تمسكوا به من أدلة لا ينهض دليلاً لهم؛ ذلك أن العمل جرى في عهد الصحابة والتابعين على اعتبار الرؤية بعد الغروب، وأن رواية ابن عمر التي أخرجها البيهقي بإسناده الصحيح المذكورة آنفًا تفيد أن ابن عمر لم يعول على رؤية الهلال نهارًا، وقال: حتى يرى من حيث يرونه بالليل، سواء كان ذلك لهلال رمضان أو شوال، ولا يفسر هذا بأنه اجتهاد من ابن عمر رضي الله عنهما بل نفسره بأنه تمسّك بما جرى عليه العمل في عهد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ والصحابة من بعده.

أما ما استدل به الفقهاء من اعتبار الرؤية نهارًا لأن الأحاديث لم تقيدها بزمن معين ـ فيرد عليه بأن تحديد زمن الرؤية في هذه الأحاديث لا يعني إطلاق زمنها؛ لأن المعهود به في زمن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنها كانت بعد الغروب، وذلك كان من الشهرة بحيث لا يحتاج إلى نص بخصوصه.

وبالنسبة للحديث الذي روي عن إبراهيم النخعي عن عمر رضي الله عنه فإنه لا حجة فيه لانقطاعه لأن إبراهيم لم يدرك عمر ولا قارب زمانه.

الترجيح: أن المعول عليه في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه من بعده أن رؤية الهلال تكون بعد الغروب، ولا عبرة برؤية الهلال نهارًا سواء كانت قبل الزوال أو بعده.

نصاب الشهود في إثبات الرؤية من رأى الهلال وحده؛ وفي هذا مسألتان: المسألة الأولى: حكم الصوم بالنسبة له. المسألة الثانية: حكم الصوم بالنسبة لغيره من المسلمين، بمعنى: هل يعتد برؤيته ويلزم الصيام بقوله أم لا؟

المسألة الأولى: حكم الصوم بالنسبة له: أجمع العلماء على أن من رأى هلال رمضان وحده يلزمه أن يصوم، وخالف في ذلك عطاء بن أبي رباح والحسن البصري، وابن سيرين، وأبو ثور وإسحاق بن راهويه فقالوا: لا يلزمه الصيام إلا برؤية غيره معه).

الدليل على ما ذهب إليه جمهور الفقهاء

ـ قول الله ـ عز وجل: {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} وهذا قد رآه.

ـ قول رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم: (صوموا لرؤيته) وهذا قد رآه، فوجب عليه أن يصومه هذا بالنسبة لهلال رمضان.

أما بالنسبة لهلال شوال فيما إذا رآه شخص واحد فهل يفطر برؤيته. اختلف في ذلك الفقهاء؛ فقال الشافعية: يفطر سرٌّا كيلا يتعرض للتهمة وعقوبة السلطان.

وقال أبو حنيفة ومالك وأحمد: لا يفطر.

وقد استدل الشافعي، بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وأفطروا لرؤيته) فعلّق جواز الفطر على رؤية هلال شوال، وهذا قد رآه فجاز له أن يفطر.

وأما الجمهور فحجتهم: 1ـ قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صومكم يوم تصومون، وفطركم يوم تفطرون، وأضحاكم يوم تضحون) والناس لم يفطروا فوجب على من رآه بمفرده أن لا يفطر.

2ـ لئلا يكون ذلك ذريعة لادّعاء الفساق فيما إذا اتهموا بالإفطار أنهم رأوا الهلال، وهم لم يروه حقيقة.

المسألة الثانية حكم الصوم بالنسبة لغيره: ومعنى ذلك هل يثبت هلال رمضان برؤية واحد عدل ويلزم الناس الصيام بقوله أم لا؟ وفي ذلك خلاف بين الفقهاء على ثلاثة أقوال.

القول الأول: يقبل في هلال رمضان قول واحد عدل ويلزم الناس الصيام بقوله؛ وهو قول عمر، وعلي، وابن عمر، وابن المبارك، وأحمد بن حنبل والشافعي في الصحيح عنه على ما روي عنه في القديم والجديد.

القول الثاني: يرى أن هلال رمضان لا يثبت إلا بشهادة اثنين وهو قول مالك والليث والأوزاعي وإسحاق، ورواية ثانية عن أحمد وقول للشافعي.

القول الثالث: التفريق بين حالة الغيم والصحو (ففي حالة الغيم تقبل شهادة الواحد، وفي حالة الصحو لا يقبل إلا الاستفاضة وهي رؤية الكثيرين، وهذا مذهب أبي حنيفة).

الأدلة: استدل أصحاب القول الأول الذين يقولون بقبول شهادة الواحد العدل في إثبات رؤية هلال رمضان بما يأتي:

1ـ عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: (تراءى الناس الهلال، فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أني رأيته فصام وأمر الناس بصيامه)... رواه أبو داود والدارقطني.

2ـ عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني رأيت الهلال ـ يعني رمضان ـ فقال: أتشهد أن لا إله إلا الله؟ قال: نعم. قال: أتشهد أن محمدًا رسول الله؟ قال: نعم. قال: يا بلال أذن في الناس فليصوموا غدا)... رواه الخمسة إلا أحمد. ورواه أبو داود أيضًا من حديث حماد بن سلمة عن سماك عن عكرمة مرسلاً وقال: (أمر بلالاً فنادى في الناس أن يصوموا ويقوموا).

وجه الدلالة من هذين الحديثين: أنهما أفادا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أثبت هلال رمضان برؤية شاهد واحد لا غير، فكان ذلك دليلاً على ثبوت الرؤية بشاهد واحد.

أما القائلون باشتراط عدلين في ثبوت رؤية هلال رمضان فاستدلوا بالحديثين الآتيين:

1ـ روي عن عبدالرحمن بن زيد بن الخطاب أنه خطب في اليوم الذي شك فيه فقال: (ألا إني جالست أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وساءلتهم وإنهم حدثوني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته وانسكوا لها، فإن عم عليكم فأتموا ثلاثين، فإن شهد شاهدان مسلمان فصوموا وأفطروا).... رواه أحمد والنسائي.

2ـ روي عن أمير مكة الحارث بن حاطب قال: (عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن ننسك للرؤية فإن لم نره وشهد شاهدا عدل نسكنا بشهادتهما)... رواه أبو داود والدارقطني وقال: هذا إسناده متصل صحيح.

هذان الحديثان أفادا النص صراحة على اعتبار الشاهدين في ثبوت الرؤية، وتأولوا الحديثين السابقين اللذين استدل بهما الجمهور بأنه يجوز أن يكون شهد عند النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع الواحد غيره.

أما الإمام أبو حنيفة ومن وافقه بأن قبول شهادة الواحد إنما تكون في حالة الغيم، ويحمل عليها ما جاء في أدلة الفريق الأول، أما اشتراطه الاستفاضة في الرؤية، وعدم قبول شهادة الواحد والاثنين فذلك إنما يكون في حالة الصحو دليله على ذلك أن يبعد أن تنظر الجماعة الكبيرة إلى مطلع الهلال وأبصارهم صحيحة ولا مانع من الرؤية ويراه واحد، أو اثنان دونهم، وبناء على ذلك فقد تمسك ـ رحمه الله ـ بالاستفاضة في حالة الصحو.

مناقشة الأدلة 1ـ إن حديث ابن عمر رضي الله عنهما الذي استدل به أخرجه أيضًا الدارمي ومحمد ابن حبان والحاكم، وابن حزم، فهو إذن حديث صحيح، ويدل على قبول الشاهد الواحد في إثبات رؤية هلال رمضان. وحديث عكرمة رواه أبو داود والترمذي، والنسائي وابن ماجه ـ وقال الحاكم: حديث حسن صحيح وذكره البيهقي من طرق موصولاً، ومن طرق مرسلاً، وطريق الاتصال صحيحة، والحديث إذا روى مرسلاً ومتصلاً احتج به لأن مع وصله زيادة، وزيادة الثقة مقبولة، وهو صريح في الدلالة على المطلوب.

2ـ أما حديث أمير مكة الذي استدل به من قال باشتراط الشاهدين فإنه ليس نصٌّا في ثبوت رؤية هلال رمضان، وقد ترجم له البيهقي على ثبوت هلال شوال بعدلين.

وكذلك فسر غير واحد من رجال الحديث حكمة (النسك) بأن المراد بها عيد الفطر، وعلى ذلك فلا دلالة في الحديث على اشتراط الشاهدين في ثبوت هلال رمضان.

أما قول الإمام أبي حنيفة إنه يشترط في يوم الصحو شهادة الجمع الكثير لأن الأبصار صحيحة والهمم متوافرة، والموانع مرتفعة، فلا يجوز أن يراه واحد دون الباقين ـ فلا يمكن العمل به لأنه قد اختلف في هذا الجمع، فقيل: خمسون رجلاً، وقيل: أهل المحلة. إذ كيف يمكن حمل مثل هذا العدد للشهادة أمام القاضي أو المفتي؟ وهذا ظاهر في البعد والغلط، فضلاً عن المشقة التي تترتب على الأخذ بهذا القول والتشديد على الناس بلا سبب يدعو إلى ذلك.

الترجيح والراجح هو رأي الفريق الأول الذي يرى أن هلال رمضان يثبت بشهادة عدل واحد للأسباب الآتية: 1ـ أن الخبر الذي استند إليه الفريق الثاني إنما يدل بمفهومه، وحديث ابن عمر أشهر وقد دل بمنطوقه والمنطوق أولى من المفهوم في وجوب التقديم.

2ـ مفارقة ما نحن فيه الخبر عن هلال شوال، فإنه خروج من العبادة وهذا دخول فيها.

3ـ يرد على أبي حنيفة بجواز انفراد الواحد به مع دقة المرئي وصغر حجمه وبعده، كما يجوز أن تختلف معرفة الناس بالمطالع، ومواضع القصد، وحدّة النظر.

4ـ يلزم على قول أبي حنيفة عدم قبول شهادة اثنين في حالة الصحو، وهذا مخالف للنص الثابت ولقياسه على سائر الحقوق، وعلى سبيل المثال لو أن جماعة في محفل فشهد اثنان منهم على رجل منهم أنه طلق زوجته قبلت شهادتهما دون من أنكر مع مشاركته للمشاهدين في سلامة السمع وصحة البصر.

اختلاف المطالع اختلف الفقهاء فيما إذا رأى أهل بلد الهلال، فهل تلزم هذه الرؤية سائر البلدان، أم يختص كل بلد رؤيته، ولهم في ذلك عدة أقوال أشهرها:

القول الأول: يعتبر لكل بلد رؤيتهم، ولا يلزمهم رؤية غيرهم. حكاه ابن المنذر عن عكرمة، والقاسم بن محمد وسالم وإسحاق، وحكاه الماوردي وجهًا للشافعية.

القول الثاني: إذا رأى أهل بلد الهلال لزم جميع البلدان الصوم، وهو مذهب الحنفية والمالكية فيما رواه ابن القاسم عنهم، والحنابلة وهو قول الشافعي.

القول الثالث: إن كانت المسافة بين البلدين قريبة لا تختلف المطالع لأجلها وجب الصوم على أهلها برؤية الهلال في أحدهما، وإن كانت المسافة بينهما بعيدة فلكل أهل بلد رؤيتهم وهو قول الشافعية.

القول الرابع: لا يلزم أهل بلد رؤية غيرهم إلا إذا ثبت ذلك عند الإمام الأعظم وحملهم عليه، فيجب على جميع الناس أن يصوموا لأن البلدان في حقه كالبلد، وهي رواية عند المالكية.

وفي رواية أخرى للمالكية إذا رئي الهلال عم الصوم سائر البلاد قريبًا أو بعيدًا، ولا يراعي في ذلك مسافة القصر ولا اتفاق المطالع، ولا عدمها فيجب الصوم على كل منقول إليه إن نقل ثبوته بشهادة عدلين أو بجماعة مستفيضة ـ أي منتشرة.

الأدلة: استدل أصحاب القول الأول بحديث كريب نصه: (أن أم الفضل بعثته إلى معاوية بالشام قال: فقدمت الشام فقضيت حاجتها، واستهل علَيّ رمضان وأنا بالشام فرأيت الهلال ليلة الجمعة، ثم قدمت المدينة في آخر الشهر فسألني عبدالله بن عباس، ثم ذكر الهلال فقال: متى رأيتم الهلال؟ فقلت: رأيناه ليلة الجمعة، فقال: أنت رأيته؟ فقلت: نعم ورآه الناس وصاموا وصام معاوية، فقال لكنا رأيناه ليلة السبت، فلا نزال نصوم حتى نكمل الثلاثين أو نراه، فقلت ألا يكتفى برؤية معاوية وصيامه؟ فقال: لا. هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم)... رواه الخمسة إلا البخاري وابن ماجه.

وجه الدلالة من الحديث: إن حديث كريب المتقدم أفاد أن المعوّل عليه هو رؤية أهل كل بلد، ولا عبرة برؤية غيرهم، لقول ابن عباس: هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا يفيد أنه قد حفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رؤية أهل البلد لهم، ولا يلزم بها أهل بلد آخر.

وعلى هذا يحمل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته) على أن الخطاب في هذا الحديث يتوجه إلى من ثبتت الرؤية في حقهم دون من عداهم.

وأما القائلون بأنه إذا رؤى الهلال في بلد لزم جميع البلدان الصوم فقد استدلوا بما يأتي:

أ) قول الله تعالى: {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ..} فقد علق الله سبحانه وتعالى صيام رمضان على رؤية الهلال، وبرؤية بعض البلدان له يصدق عليه أنه رئي، فوجب صيامه على جميع المسلمين.

ب) قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه) وإذا رآه أهل بلد فقد رآه المسلمون، فيلزم غيرهم ما لزمهم، فدل على أن رؤية البلد الواحد ملزمة لسائر البلدان.

ج) قول النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي لما قال له: آلله أمرك أن تصوم هذا الشهر من السنة، قال: (نعم). وقوله صلى الله عليه وسلم للآخر لما قال له: ماذا فرض الله علَيّ من الصوم؟ قال: (شهر رمضان)، وأجمع المسلمون على وجوب صيام شهر رمضان، وقد ثبت أن هذا اليوم من شهر رمضان بشهادة الثقات فوجب صيامه على جميع المسلمين.

وجه الدلالة من هذا الحديث: أن صوم رمضان معلق بمطلق الرؤية، فإذا رآه قوم فقد توجه الأمر بالصوم لجميع المسلمين برؤية هؤلاء، وعلى ذلك يلزم الصوم أهل المشرق برؤية أهل المغرب.

وقالوا أيضًا: إن أهل الأقطار يعمل بعضهم بخبر بعض وشهادته في جميع الأحكام الشرعية، والرؤية من جملتها سواء كان بين القطرين من البُعد ما يجوز معه اختلاف المطالع أم لا، ولم يعمل أهل هذا المذهب بحديث كريب، وحملوا قول ابن عباس على أنه اجتهاد منه.

مناقشة الأدلة: بالتأمل فيما استدل به الفقهاء؛ نرى أن أصحاب المذهب الأول قد تمسكوا بظاهر قول ابن عباس، وهو غير مراد لما يترتب عليه من الاختلاف والاضطراب، إذ يترتب على مذهبهم إلزام بلد بالصوم لرؤيتهم الهلال، وعدم إلزام بلد قريب منهم به لعدم رؤيتهم للهلال.

فضلاً عن هذا فإن حديث كريب لا يدل لهم إذ غاية ما يفيده قول ابن عباس: إن العبرة بتعويل أهل كل بلد على رؤيتهم في حالة البُعد كما هو الحال بين المدينة والشام فالبُعد متحقق بينهما، وهذا يجعلنا نبحث عن معيار المسافة التي تحدد البلاد القريبة والبعيدة، والأخذ بهذا المذهب يترتب عليه مشقة على الناس لعدم تحديد مكان القرب والبُعد الذي ينجم عنه الحيرة والتردد الذي لا يتفق مع التيسير على الناس ودفع الحرج والمشقة عنهم مما رعاه الشارع وقصد إليه في تشريعاته.

أما ما ذهب إليه أهل المذهب الثاني من إيجاب الصوم على جميع المسلمين في أنحاء الدنيا برؤية قوم من الأقوام فإن أدلتهم لا تدل على ما ذهبوا إليه، ذلك أن الليل عندنا يكون نهارًا في بعض الأنحاء، ولو كلفنا المسلمين هناك بالصوم برؤية الهلال في مصر مثلاً للزم على ذلك أن يصوموا الليل بدلاً من النهار والصوم الذي أمر الله به هو الإمساك من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، حيثما كان المسلم في أي مكان وجد.

أما ما ذهب إليه أصحاب المذهب الرابع من أنه إذا ثبتت الرؤية عند الإمام لزم الصوم بها أهل البلاد الواقعة تحت حكمه للهلال لأنهم جميعًا كأهل البلد الواحد يتوجه الخطاب إليهم بالصوم ويتحقق بذلك أين جواب أما.

الترجيح يتضح من مناقشة أدلة الفقهاء أن الأخذ بالمذهب الرابع بأنه إذا ثبتت رؤية الهلال عند الإمام لزم الصوم بها أهل البلاد الواقعة تحت حكمه، فلا يقبل على عمومه، بل لابد من توافر وسائل الإعلام بهذه الرؤية، وإلا فإن أهل البلاد البعيدة في حل من ذلك بالتعويل على رؤيتهم أو إتمام عدة شعبان، وهو أنسب الأقوال لزماننا هذا، حيث إن وسائل الإعلام الحديثة من برق وإذاعة ولاسلكي قد حلت مشكلة الاتصال بين البلاد الواقعة تحت حكم حاكم واحد وإن بعدت المسافة، وفي هذا تيسير على الناس وتحقيق لمقاصد الشرع.

التوقيت بالحساب أو بالرؤية ومعنى ذلك هل يجوز إثبات رمضان بالطريقة الحسابية (طريق الفلك) بمعنى أن نعتمد على الحسابات الفلكية وحدها في تحديد بداية شهر رمضان وأيام الأعياد، دون الاعتماد على الرؤية أصلاً؟

الجواب عن المسألة موضع خلاف بين العلماء قديمًا وحديثًا، ولم تحسم حتى الآن، فيرى جمهور الفقهاء السابقين أن هلال رمضان يثبت برؤية الهلال، أو إكمال شعبان ثلاثين يومًا، وذلك لما رواه البخاري ومسلم أن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: عن هلال رمضان: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يومًا).

وعلل الفقهاء هذا بأن حساب النجوم والفلك لا يجوز الاقتصار عليه؛ لأنه حدس وتخمين ليس قطع ولا يقين، وعلى هذا اتفق أهل الذكر من الفقهاء؛ فقال الحنفية: يجب للناس أن يلتمسوا الهلال في اليوم التاسع والعشرين من شعبان، وكذا هلال شوال لأجل إكمال العدة، فإن رأوه صاموا، وإن غم عليهم أكملوا العدة ثلاثين يومًا.

قال الحنابلة: يستحب ترائي الهلال احتياطًا للصوم وحذرًا من الاختلاف؛ قالت عائشة كان النبي صلى الله عليه وسلم يتحفظ في شعبان ما لا يتحفظ في غيره، ثم يصوم لرؤية رمضان وروى أبو هريرة مرفوعًا: (أحصوا هلال شعبان لرمضان) ، وقال الإمام ابن تيمية: إنه لابد من ظهور الهلال واستهلال الناس به؛ أي رؤيتهم إياه، لقول الحديث (صومكم يوم تصومون، وفطركم يوم تفطرون، وأضحاكم يوم تضحون) أي هو اليوم الذي تعلمون فيه أنه وقت الصوم والفطر والأضحى. وقال أيضًا: إنه لا يجوز الاعتماد على الحساب بالنجوم باتفاق الصحابة والسنة، لأن علماء الفلك لا يتيقنون من ضبط هذا الأمر بالحساب وحده.

من هذه النصوص يتضح أن الأحناف عولوا على رؤية الهلال بالوجوب، أما الحنابلة فيستحب عندهم ترائي الهلال احتياطًا للصوم.

وقد ذهب بعض المتأخرين من الفقهاء وعلماء التفسير إلى استحسان الأخذ بحساب الفلك في تحديد هذه المواقيت، وعلل هذا البعض رأيه بأن إثبات أول رمضان، وأول شهر شوال هو كإثبات مواقيت الصلاة.

وقد أجاز العلماء أن تعتمد على حساب علماء الفلك في صلواتنا الخمس كل يوم، قال الإمام تقي الدين السبكي: إن دل الحساب على عدم إمكان الرؤية ويعرف ذلك بمقدمات قطعية ويكون القمر في هذا الحالة قريبًا جدٌّا من الشمس، ففي هذه الحالة لا تمكن رؤيته لأنها مستحيلة فلو أخبر به شخص أو أكثر، وهذا خبر يحتمل الصدق والكذب والغلط، فلا يجوز قبوله أو تقديمه على الحساب القطعي لأن الخبر ظني، والظني لا يجوز تقديمه على القطعي أو معارضته به.

أما فقهاء الشافعية فيختلفون في ذلك. فالسبكي يقول بإلغائها إذا دل الحساب القطعي على استحالة الرؤية، وغيره يقول بقبولها، وعدم العمل بالحساب.

والذي يستفاد من قول ابن حجر في التحفة. أنه إذا اتفق أهل الحساب على أن مقدماته قطعية وكان المخبرون بذلك عدد التواتر ردت الشهادة بهذا الحساب وإلا فلا.

قال القشيري: (وإذا دل الحساب على أن الهلال قد قطع من الأفق على وجه يرى لولا وجود المانع كالغيم مثلاً فهذا يقتضي الوجوب لوجود السبب الشرعي، وليس حقيقة الرؤية مشروطة في اللزوم فإن الاتفاق على أن المحبوس في المطمورة. إذا علم إكمال العدة أو بالاجتهاد أن اليوم من رمضان وجب عليه الصوم، وإذا لم ير الهلال ولا أخبره من رآه).

من هذا يتضح لنا أن الرأي المختار وأميل إلى ترجيحه أن رؤية الهلال هي الأصل إذا أمكنت الرؤية، وإذا لم تمكن الرؤية لغيم أو غبار يمكن الاعتماد على الحساب الفلكي الدقيق والاستعانة به في تحديد أوائل الشهور العربية ومنها الصوم.

وقد قرر مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف إجماع علماء المسلمين في المؤتمر الذي عقد بالقاهرة في عام 1966 على القرارات الآتية:

1ـ رؤية الهلال هي الأصل في معرفة دخول أي شهر قمري، كما يدل عليه الحديث النبوي: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فاقدروا له ثلاثين).

2ـ إذا لم تتحقق الرؤية في اليوم التاسع والعشرين فيصار إلى إتمام الشهر ثلاثين يومًا ويعتمد على الحساب في إثبات دخول الشهر.

3ـ يجب أن يكون في كل إقليم إسلامي هيئة إسلامية يناط بها إثبات الشهور القمرية مع مراعاة اتصال بعضها ببعض.

المصدر: موقع الهيئة العالمية للإعجاز العلمى فى القرآن والسنة

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان