الدهون البنية: جهاز للتدفئة
عندما يتعرض أحدنا إلى البرودة فإنه يرتجف وترتعش أطرافه ويقوم بفرك يديه ببعضها وهذه الحركات استجابة طبيعية لانخفاض درجة حرارة الجسم المفاجئة.
وتؤدي عمليات الارتجاف Shivering في العضلات إلى تدفئة الجسم وحفظ درجة الحرارة في مستواها الطبيعي، ويطلق على هذه العملية Shivering-induced thermogenesis.
أما في عالم الحيوانات الثديية والتي تتعرض لدرجات حرارة منخفضة جدًّا في بيئاتها التي تعيش فيها فإن غالب هذه الحيوانات تلجأ إلى السكون وتقوم بتدفئة أنفسها والمحافظة على درجة حرارة أجسامها ثابتة بطريقة لا تحتاج فيها إلى الرجفة والارتعاش أو الحركة Non shivering-induced .thermogenesis. أهمية الدهون: توجد الدهون أو الشحوم في أجسام الحيوانات الثديية إما على شكل دهني أبيض White Fat أو نسيج دهني بني Brown Fat. ويعتبر النسيج الدهني بصفة عامة مصدرًا غنيًّا لإنتاج الطاقة حيث يعتبر النسيج الدهني الأبيض مستودعًا للطاقة يقوم بتزويد الجسم بحاجته من الوقود اللازم في حالات نقص الوقود الأساسي (الجلوكوز) كما يحدث أثناء الصوم أو التعرض للمجاعة.
ولكن ماذا عن النسيج الدهني البني؟ من المعروف أن احتراق الوقود بأنواعه المختلفة (كربوهيدرات، دهون، بروتينات) في جميع أنسجة أعضاء الجسم ينتج عنه بصفة أساسية طاقة Energy إضافة إلى انبعاث حرارة Heat كمحصلة ثانوية لعملية الاحتراق. إلا أن النسيج الدهني البني يعتبر العضو الوحيد في أجسام الحيوانات الذي يقوم بإنتاج كميات عالية من الحرارة كناتج أساسي لعملية الاحتراق مما يؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة جسم الكائن الحي، لذا فهو يشبه في عمله جهاز التدفئة الداخلية للجسم. مميزات الدهون البنية: على الرغم من أن اكتشاف الدهون البنية تم منذ أكثر من 400 سنة إلّا أنها استحوذت على اهتمام علماء الأحياء في النصف الثاني من القرن العشرين قبل حوالي 35 عامًا نظرًا لعلاقتها بعمليات التنظيم الحراري Thermoregulation في أجسام الحيوانات وبمشكلات تكيف الجسم وتأقلمه في الأجواء الباردة وبخاصة في دراسة وتفسير فسيولوجية البيات أو السبات الشتوي.
وتشير الدراسات إلى أن أنسجة الدهون البنية توجد بصفة غير قابلة للشك في معظم الحيوانات الثديية خاصة لدى الثدييات الصغيرة والحديثة الولادة بما فيها الإنسان المولود حديثًا، ولكن بنسب متفاوتة حيث تبدأ في النمو والزيادة إما مباشرة بعد الولادة أو خلال عدة أسابيع أو شهور. ويعتقد أن وظيفة الدهون البنية في هذه المرحلة هي تزويد جسم الحيوان الوليد بالحرارة التي افتقدها بانتقاله من المرحلة الجنينية إلى البيئة الخارجية التي غالبا ما تكون أكثر برودة. تتميز الدهون البنية بوفرة الأوعية الدموية التي تغذيها وهو السبب الرئيسي في لونها البني والذي قد يميل إلى الحمرة أحيانا مما أدى ذلك إلى اعتقاد البعض في السابق أنها إحدى الغدد الصماء Endocrine Gland.
وبينت الدراسات المورفولوجية أن الدهون البنية مزودة بالكثير من الألياف العصبية التابعة للجهاز العصبي السمبثاوي ذي العلاقة الوثيقة بزيادة النشاط الفسيولوجي أثناء التعرض للحالات غير الطبيعية، كذلك فإنها مرتبطة بأحد أجزاء منطقة الهايبوثالامس في المخ والمسؤولة عن عمليات تنظيم تناول الطعام. وقد وجد أن التعرض للبرودة الشديدة أو الإفراط في تناول الطعام يؤدي إلى زيادة نشاط الدهون البنية. أما على مستوى الخلية فإن الدهون البنية تتميز بكثرة الميتوكوندريا والتي تعتبر محطات توليد الطاقة في جميع الخلايا المختلفة في الجسم وذلك على هيئة ثلاثي أدينوزين الفوسفات (ATP). ولكن الميتوكوندريا في الدهون البنية تختلف في أسلوب عملها عن مثيلاتها في الخلايا الأخرى. فعلى سبيل المثال تقوم الميتوكوندريا في الخلايا باستخدام الوقود والذي يكون على هيئة جلوكوز أو أحماض دهنية لإنتاج الـ ATP كمنتج رئيسي لعمليات الأكسدة وذلك بغرض استخدامه في عمليات البناء والهدم البيولوجية بداخل الخلية، وينتج عن هذا التفاعل انبعاث حرارة بكميات بسيطة جدًّا.
أما في الدهون البنية فإن الميتوكوندريا تقوم باستخدام الوقود والذي يكون على هيئة أحماض دهنية لتوليد الحرارة كمنتج رئيسي لعمليات الأكسدة مما يترتب عليه استخدام كميات كبيرة من الأوكسجين. ويؤدي ذلك إلى انبعاث كميات كبيرة من الحرارة تنطلق من الدهون البنية إلى جميع أعضاء الجسم من خلال الدورة الدموية. وهذا هو التفسير الأقرب للعمليات الفسيولوجية في الحيوانات أثناء فترة قيامها من سباتها الشتوي أو أثناء تعرضها للبرودة الشديدة فتقوم برفع درجة حرارة أجسامها دون الحاجة إلى الرجفة والارتعاش Non shivering - induced thermogenesis.
المصدر: موقع الهيئة العالمية للإعجاز العلمى فى القرآن والسُنة
فيديو قد يعجبك: