الله خلق كل دابة من ماء
بقلم - د. زغلول النجار :
قال الله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِن مَّاء فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاء إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (سورة النور الآية 45).
هـذه الآية الكريمة جاءت في بدايات الثلث الأخير من سورة النور، وهي سورة مدنية، وآياتها أربع وستون بعد البسملة، وقد سميت بهذا الاسم لورود الإشارة فيها إلي أن الله (تعالى) هو نور السماوات والأرض، وأنه (سبحانه وتعالى) هو الذي يهدي لنوره من يشاء من عباده، وأن كل مخلوق في هذا الوجود لا يهتدي بنور الله فإنه لن يهتدي أبدا.
ويدور المحور الرئيسي لسورة النور حول عدد من التشريعات الإلهية الضابطة لسلوك المسلم في كل من حياته الخاصة والعامة، والحاكمة لعلاقاته في داخل أسرته ومع غيره من الخلق صونا لحرمات الناس وكراماتهم، والله يقول الحق، وهو يهدي إلي سواء السبيل.
وتبدأ سورة النور بالتأكيد علي أنها من جوامع سور القرآن الكريم لأن الله (تعالى) فرض فيها علي عباده فرائض ألزمهم بها، وفي مقدمة ذلك تحريم الزنا، وتشريع الحدود الرادعة للواقعين فيه، ووصفه بأنه من أكبر الجرائم في حقوق الناس، ولذلك بشعها إلي كل صاحب ضمير حي وذلك بقول الحق (تبارك وتعالى): {الزَّانِي لا يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} (النور:3).
وكما حرمت سورة النور الزنا بكل مقدماته فإن هذه السورة الكريمة تنهي عن الخوض في أعراض الناس، مؤكدة أن الخائضين في هذا الأمر بغير دليل قاطع هم من الفاسقين الذين يستحقون العقوبات الرادعة، وتعتبرهم من الخارجين علي دين الله.
قال الله تعالى: {إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (النور:5).
وتشرع سورة النور للملاعنة كوسيلة من وسائل درء الشبهات بين الأزواج، وتشير إلي فرية حديث الإفك، وتبرئ المظلومين من دنسه، وتغلظ العقوبة للذين افتروه، وتحذر من العودة إلي افتراء مثله أبدا، كما تحذر من إتباع خطوات الشيطان لأنه يأمر بالفحشاء والمنكر، وتحض علي الإنفاق لذي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله، وتكرر النهي عن رمي المحصنات الغافلات المؤمنات، وتغلظ العقوبة علي ذلك.
وتنهي سورة النور عن دخول البيوت دون استئذان وسلام علي أهلها، وتضع الضوابط الشرعية لذلك، كما تأمر بغض البصر، وحفظ الفرج، وستر العورات، وبالاحتشام في الملبس والمظهر، كما تنهي عن التبرج بزينة، وتضع ضوابط حجاب المرأة المسلمة، وضوابط الزواج الإسلامي، وتحرم البغاء بكل صوره، وأشكاله وتعتبره من أبشع الجرائم المهدرة لكرامة الإنسان.
وتؤكد السورة الكريمة أن الله تعالى هو نور السماوات والأرض، وأنه يهدي لنوره من يشاء، وتدعو إلي عتق رقاب الأرقاء، وإلي بناء المساجد والقيام علي عمارتها وتطهيرها طمعا في مرضاة الله (سبحانه وتعالى)، وتجنبا لأهوال يوم القيامة.
وتبشر سورة النور أهل المساجد بأن الله تعالى سوف يجزيهم أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله، وفي المقابل تحذر الكفار بأن أعمالهم الجيدة سوف يجزون عليها في الدنيا، ولا رصيد لهم عند الله (سبحانه وتعالى) في الآخرة، وتشبه أعمالهم السيئة بأحلك الظلمات المتراكبة فوق قيعان البحار العميقة، مؤكدة أن: {وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ} (النور40).
وتؤكد السورة الكريمة أن جميع من في السماوات والأرض يسبح لله الذي له ملك كل شيء وإليه المصير، وتحذر من النفاق والمنافقين، وتفصح عن شيء من دخائل نفوسهم، وتقارن بين مواقفهم الكافرة، ومواقف المؤمنين الصادقين، وتأمر بطاعة الله ورسوله، جازمة أن ما علي الرسول إلا البلاغ المبين، مؤكدة أن وعد الله تعالى للذين آمنوا وعملوا الصالحات قائم إلي قيام الساعة.
وتعاود سورة النور الأمر بإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وطاعة رسول الله صلي الله عليه وسلم، كما تعاود الأمر بمزيد من ضوابط السلوك في البيت المسلم خاصة في حضرة رسول الله عليه أفضل الصلاة وأزكي التسليم ومن بعده في حضرة كل مسئول عن العمل الإسلامي، وتحذر من مخالفة ذلك درءا للفتن في الدنيا وللعذاب في الآخرة.
وتختتم السورة الكريمة بالتأكيد مرة أخري أن لله ما في السماوات والأرض، وأنه تعالى عليم بخلقه الذين سوف يرجعون جميعا إليه فينبئهم بما فعلوا ويجازيهم عليه.
هذا وقد استعرضت سورة النور العديد من الآيات الكونية للتدليل علي صدق كل قضية غيبية جاءت فيها.
من أقوال المفسرين في تفسير قوله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِن مَّاء فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاء إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (سورة النور الآية 45).
* ذكر ابن كثير (رحمه الله) ما مختصره: يذكر تعالى قدرته التامة وسلطانه العظيم في خلقه أنواع المخلوقات، علي اختلاف أشكالها وألوانها وحركاتها وسكناتها من ماء واحد، {فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ} كالحية وما شاكلها، ومنهم من يمشي علي رجلين كالإنسان والطير، ومنهم من يمشي علي أربع كالأنعام وسائر الحيوانات، ولهذا قال: {يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاء} أي بقدرته، لأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، ولهذا قال: {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.
* وجاء في الظلال (رحم الله كاتبها برحمته الواسعة) ما مختصره: وهذه الحقيقة الضخمة التي يعرضها القرآن بهذه البساطة، حقيقة أن كل دابة خلقت من ماء، قد تعني وحدة العنصر الأساسي في تركيب الأحياء جميعا، وهو الماء، .. فهي ذات أصل واحد. ثم هي ـ كما تري العين ـ متنوعة الأشكال. منها الزواحف تمشي علي بطنها، ومنها الإنسان والطير يمشي علي قدمين. ومنها الحيوان يدب علي أربع.
كل أولئك وفق سنة الله ومشيئته، لا عن فلتة ولا مصادفة: {يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاء} غير مقيد بشكل ولا هيئة. فالنواميس والسنن التي تعمل في الكون قد اقتضتها مشيئته الطليقة وارتضتها {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.
* وذكر أصحاب المنتخب في تفسير القرآن الكريم (جزاهم الله خيرا) ما نصه: الله خالق كل شيء، وأبدع الأشياء بإرادته، وخلق كل حي يدب من أصل مشترك هو الماء، لذلك لا يخلو الحي منه، ثم خالف بينها في الأنواع والاستعدادات ووجوه الاختلاف الأخرى، فمن الدواب نوع يزحف علي بطنه كالأسماك والزواحف، ومنها نوع يمشي علي رجليه كالإنسان والطير، ومنها نوع يمشي علي أربع كالبهائم، يخلق الله ما يشاء من خلقه علي أية كيفية تكون للدلالة علي قدرته وعلمه، فهو المريد المختار، وهو القادر علي كل شيء.
وجاء في تعليق الخبراء بالهامش ما نصه: (الماء في الآية الكريمة هو ماء التناسل....)، والآية الكريمة لم تسبق ركب العلم فقط في بيان نشوء الإنسان من النطفة.. بل سبقته كذلك في بيان أن كل دابة تدب علي الأرض خلقت كذلك بطريق التناسل...، ومما تحتمله الآية من معان علمية أن الماء قوام تكوين كل كائن حي، فمثلا يحتوي جسم الإنسان علي نحو70% من وزنه ماء... ولم يكن تكوين الجسم واحتواؤه هذه الكمية الكبيرة من الماء معروفا مطلقا قبل نزول القرآن.
والماء أكثر ضرورة للإنسان من الغذاء..، فبينما الإنسان يمكنه أن يعيش (60 يوما) بدون غذاء، فإنه لا يمكنه أن يعيش بدون الماء إلا لفترة قصيرة تتراوح بين 3 و10 أيام علي أقصي تقدير.
والماء أساس تكوين الدم والسائل اللمفاوي والسائل النخاعي، وإفرازات الجسم كالبول والعرق والدموع واللعاب والصفراء واللبن والمخاط والسوائل الموجودة في المفاصل، وهو سبب رخاوة الجسم وليونته، ولو فقد الجسم 20% من مائه فإن الإنسان يكون معرضا للموت.
والماء يذيب المواد الغذائية بعد هضمها فيمكن امتصاصها، وهو كذلك يذيب الفضلات من عضوية ومعدنية في البول والعرق. وهكذا يكون الماء الجزء الأكبر والأهم من الجسم، وذلك يمكن القول بأن كل كائن حي مخلوق من الماء.
* وجاء في بقية التفاسير كلام مشابه لما ذكره السابقون من المفسرين ولا حاجة إلي تكراره هنا.
من الدلالات العلمية للآية الكريمة
أولا: في قوله تعالى: والله خلق كل دابة من ماء: (الدابة) في اللغة هي كل ما يدب علي الأرض أي يمشي عليها بخفة، وجمعها (دواب)، وإن كان من اللغويين من يعتبر لفظة (دابة) جمعا لكل شيء يدب علي الأرض قياسا علي خائنة جمع خائن. ولذلك يقال: (دب)، (يدب) (دبا) و(دبيبا) لكل من مشي بخفة علي الأرض.
وقد قيل إن الفعل يستعمل للتعبير عن حركة الحيوان أكثر من استعماله للإنسان، وللحيوان الذي يحيا علي اليابسة بالذات دون الحيوان الذي يحيا في الماء، ولكن الأولي إطلاقه علي عموم من مشي علي الأرض وذلك لقول الحق (تبارك وتعالى): {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَابَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ} (النحل:61).
ومن الدلالات العلمية لقول الحق (سبحانه وتعالى): {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِن مَّاء} (النور:45) ما يلي:
(1) أن خلق الماء سابق لخلق جميع الأحياء، وهو ما أثبتته الدراسات الأرضية.
(2) أن الله (تعالى) خلق كل صور الحياة الباكرة في الماء، والدراسات لبقايا الحياة في صخور قشرة الأرض تشير إلي أن الحياة ظلت مقصورة علي الماء لمدة تصل إلي نحو 3400 مليون سنة (من 3800 مليون سنة مضت إلي نحو 400 مليون سنة مضت حين خلقت أول نباتات أرضية علي اليابسة)، وأن خلق النبات كان سابقا لخلق الحيوان في الوسطين المائي واليابس، لأن الحياة الحيوانية علي اليابسة لم تعرف قبل 365 مليون سنة مضت (في نهاية العصر الديفوني).
(3) أن كل صور الحياة (الإنسية، والحيوانية، والنباتية) لا يمكن لها أن تقوم في غيبة الماء لأنه أعظم مذيب علي الأرض، وبذلك يشكل الوسيط الناقل لعناصر ومركبات الأرض إلي مختلف أجزاء النبات، ومنها إلي أجساد كل من الإنسان والحيوان، وذلك بما للماء من صفات طبيعية وكيميائية خاصة من مثل اللزوجة العالية، والتوتر السطحي الشديد، والخاصية الشعرية الفائقة.
(4) أن الماء يشكل العنصر الأساسي في بناء أجساد جميع الأحياء، فيكون ما بين 71% من جسم الإنسان البالغ، و93% من جسم الجنين ذي الأشهر المعدودة، ويكون أكثر من80 % من تركيب دم الإنسان، وأكثر من 90% من تركيب أجساد العديد من النباتات والحيوانات.
(5) أن جميع الأنشطة الحياتية وتفاعلاتها المتعددة لا تتم في غيبة الماء، من التغذية، إلي الهضم، والتمثيل الغذائي، والإخراج والتخلص من سموم الجسم وفضلات الغذاء، ومن التنفس إلي التعرق والنتح، إلي التمثيل الضوئي في النباتات الخضراء، ومن النمو إلي التكاثر، وإلي غير ذلك من الأنشطة الحياتية ومن أهمها حفظ درجتي حرارة الجسم ورطوبته.
(6) أن وحدة مادة خلق الأحياء ـ وهي هنا الماء ـ تؤكد وحدانية الخالق (سبحانه وتعالى)، الذي أشرك به كثير من الجهال الضالين في القديم والحديث.
(7) أن في البناء المعقد لأجساد الكائنات الحية من الماء شهادة لله (تعالى) بطلاقة القدرة المبدعة في الخلق، وشهادة بقدرته (سبحانه وتعالى) علي إفناء خلقه وعلي إعادة بعثه.
ثانيا: في قوله تعالى: ... {فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍْ}: يوضح هذا النص الكريم أن طرائق تحرك الدواب هي وسيلة من وسائل تصنيفها الجيدة، وحركة الدابة هي انتقالها من مكان إلي آخر سعيا وراء طلب الطعام والشراب، أو للهرب من الأعداء، أو للارتحال عند التغيرات البيئية إلي مكان أنسب.
والطريقة الأولي التي حددتها الآية الكريمة في حركة الدواب هي المشي علي البطن كما هو شائع في الديدان وهي من اللافقاريات عديمة الأطراف التي تتبع قبائل عدة، وفي العديد من طائفة الزواحف (ClassReptilia)، وهذه الطائفة الزاحفة زودها الله (سبحانه وتعالى) بجلد سميك، خال من الغدد، ومغطي عادة بالعديد من القشور والحراشيف القرنية الجافة والصلبة، والتي تحمي جسمها من المؤثرات الخارجية، وتحفظه من الجفاف. وتنتشر هذه الحراشيف علي جميع أجزاء جسم الزاحف بما في ذلك الأطراف والذنب.
وتختلف هذه الحراشيف والقشور في أشكالها وأحجامها من نوع إلي آخر فقد تكون صغيرة الحجم ومحببة كالدرنات، أو كبيرة الحجم بيضية الشكل، أو مربعة، أو مستطيلة، أو مثلثة كما هو الحال في السحالي، أو علي هيئة صندوق يحيط بجميع الجسم كما هو الحال في السلاحف.
والزواحف عامة من ذوات الدم البارد (أي المتغير في درجة حرارته)، وغالبيتها تبيض بيضا ذا قشور صلبة، يلقح في بطن الأنثي، وينمو الجنين في داخل البيضة علي اليابسة أو في داخل جسم الأنثي حتي تفقس البيضة ويخرج منها.
والجنين في داخل البيضة يعيش وسط سائل خاص موجود داخل غشاءين، ويتصل الجنين في منطقته البطنية بكيس محي به الغذاء اللازم له أثناء مراحل نموه الجنيني حتي تكتمل، كما انه مرتبط بكيس آخر لتخزين المواد الإخراجية. وعلي الرغم من سمك قشرة البيضة إلا انه يسمح بمرور الغازات اللازمة لتنفس الجنين وهو بداخلها، ولكنه لا يسمح بدخول الماء.
وتاريخ الزواحف علي الأرض يرجع إلي ثلاثمائة مليون سنة مضت أي إلى نهايات العصر الفحمي أو الكربوني (TheLateCarboniferousEpoch)، وقد سادت حقب الحياة المتوسطة سيادة واضحة (من 245 مليون سنة مضت إلي 65 مليون سنة مضت) والذي عرف باسم حقب الزواحف العملاقة.
ثم دالت دولة تلك الزواحف العملاقة بانتهاء حقب الحياة المتوسطة، وإن استمرت الطائفة ممثلة بأفراد أقل عددا وأصغر حجما من مثل السحالي أو (العظاءات) ومنها، الضب، والبرص والحرباء والورل، ومنها رتب الثعابين والسلاحف والتماسيح وجنس واحد هو جنس سفينودون (Sphenodon) أو تواتارا (Tuatara) من رتبة مندثرة عرفت باسم (OrderRhynchocephalia).
والزواحف تضم حيوانات بطيئة الحركة بصفة عامة، لأنها تزحف ببطنها علي سطح الأرض، ويعرف منها قرابة الستة آلاف نوع منتشرة في مختلف أرجاء الأرض.
والأرجل في الزواحف إما غائبة تماما أو ذات اثر ضعيف لا يكاد يدرك كما هو الحال في الثعابين بمختلف أنواعها، وفي بعض أنواع السحالي، وقد تكون الأرجل موجودة ولكنها ضعيفة لا تكاد تقوي علي حمل الجسم بعيدا عن سطح الأرض كما هو الحال في رتبتي السلاحف والتماسيح بصفة عامة، أو موجودة وقوية كما هو الحال في بعض السحالي.
وفي الزواحف عديمة الأطراف يرتكز الحيوان ببطنه علي الأرض ارتكازا كاملا، ويتحرك بالزحف علي بطنه فوق مستوي سطح الأرض مستخدما في ذلك عضلات جسمه القوية التي تدفعه إلي الأمام في حركات متعرجة.
ومن الزواحف ما تدفن جسدها في أنفاق تحفرها تحت سطح التربة، وتعرف باسم الزواحف الحفارة.
أما الزواحف ذات الأرجل الأربعة من مثل بعض السحالي (العظاءات) فإنها تستطيع أن تدب علي سطح الأرض بأقدامها الأربعة، سيرا أو عدوا، وقد تتحور هذه الأطراف إلي ما يسمي الأطراف القابضة كما هو الحال في الحرباء كي تساعدها علي تسلق الأشجار.
كما قد تتحور إلي زعانف كما هو الحال في السلاحف المائية لتساعدها علي السباحة في الماء، وقد تتحور إلي أجنحة في بعض أنواع الزواحف الطائرة، وهي قليلة في زماننا الراهن ومنها السحالي (العظاءات) المسماة باسم دراكو (Draco).
والزواحف ذات الأرجل الأربعة لها زوج عند مقدمة الجذع، وآخر عند مؤخرته، والزوج الأمامي قد يختصر كثيرا علي هيئة زوج من الأيدي القصيرة نسبيا ويبقي الزوج الخلفي قويا يحمل الزاحف مهما كان وزنه كما هو الحال في بعض الزواحف العملاقة المنقرضة من رتبة الديناصورات (Dinosauria).
والزواحف من الفقاريات التي قد يصل عدد الفقار في عمودها الفقاري إلي أربعمائة فقرة كما هو الحال في بعض الثعابين الطويلة، وتترتب تلك الفقار من خلف الرأس مباشرة إلي نهاية الذنب في تناسق عجيب باتصالات مفصلية متعددة، ودقيقة وشديدة المرونة، وعالية الإتقان تمكن الزاحف من التحرك بسرعة كبيرة وبكفاءة عالية في حركات تموجية عنيفة دون أن تنفصل تلك الفقرات عن بعضها البعض.
وحسب طريقة الحركة يمكن تصنيف الزواحف إلى المجموعات التالية:
(أ) زواحف تمشي علي بطنها:
(1) رتبة الثعابين (OrderOphidia) ويعرف منها قرابة الثلاثة آلاف نوع، تنتشر في مختلف بيئات الأرض، ولبعضها أجسام مفرطة في الطول (إلي حوالي العشرة أمتار)، وهي عديمة الأرجل، ولذلك تتلوي أجسامها في حركات تموجية متناسقة عند انتقالها ولا تعرف هذه الطريقة في الحركة عند اي حيوان آخر إلا في بعض السحالي (العظاءات) الثعبانية الشكل، وبعض الديدان.
وبالإضافة إلي هذه الحركات البطنية التي تدب بها الثعابين علي سطح الأرض فان الله (تعالى) قد أعطاها القدرة علي تسلق كل من الجدران والأشجار، وعلي القفز من فوق سطح الأرض ومن المرتفعات وعلي السباحة في الماء.
فللثعبان القدرة علي لف جسمه في لفات عديدة متقاربة بعضها فوق بعض، ثم يندفع بقوة عضلاته الجسدية في قفزة كبيرة يقطع فيها العديد من الأمتار لينقض علي فريسته، أو للهرب من خطر محدق به، وقد يكرر تلك القفزات في نفس الوقت لمرات عديدة. ولحمايته من شدة الاحتكاك بجسده مع الأرض يغطي جسم الثعبان بقشور قرنية صلبة مرتبة علي سطح الجسم بأكمله في صفوف منتظمة، ناعمة الملمس في معظم الأحوال.
(2) السحالي الثعبانية: من السحالي ما يعيش تحت الأرض بصورة مستديمة وهذه تضعف أرجلها إلي حد الاختفاء الكامل.
(ب) زواحف تمشي علي أربع أرجل:
(1) رتبة السحالي(العظاءات) (OrderLacertilia): هذه الرتبة هي أكثر الزواحف المعاصرة انتشارا، حيث يعرف منها أكثر من 2500 نوع في مختلف بيئات الأرض، وان كان أغلبها يدب علي سطح اليابسة، ولكل منها أربع أرجل قوية نسبيا، كاملة التكوين، وان كان لبعضها القدرة علي تسلق الأشجار كالحرابي (جمع حرباية) التي هيأ الله (تعالى) أرجلها بقدرات قابضة، والسحالي الطائرة من جنس دراكو (Draco) التي زودها الله (سبحانه وتعالى) بثنيتين علي جانبي الجسم تشبهان الأجنحة يعينانها علي الطيران لمسافات قصيرة. ويوجد في مصر حوالي أربعين نوعا من السحالي (Lizards) أكثرها انتشارا البرص، والضب، والحرباء.
وللحرباء زوجان من الأرجل الطويلة خماسية الأصابع في مجموعتين متقابلتين تتكون المجموعة الأولي من ثلاث أصابع يحيط بها غشاء جلدي، وتتكون المجموعة الثانية من إصبعين يحيط بهما غشاء جلدي آخر مما يجعل من الأطراف الأربعة أعضاء قابضة كالكماشة تمسك بفروع الأشجار، كما تستخدم ذنبها عضوا قابضا كذلك. وتحتوي فصيلة الحرباء علي ما يقرب من ثمانين نوعا، يوجد منهما نوعان فقط في مصر، وهي تتغذي علي الحشرات الصغيرة.
أما البرص فيوجد منه في مصر ما يقرب من ثلاثة عشر نوعا، ويحمل جسم البرص أربع أرجل، خماسية الأصابع، وينتهي كل إصبع بوسادة لاصقة تمكنه من ارتقاء الجدران بسرعة فائقة، ومن السير علي أسقف الحجرات مقلوبا دون أن يقع، ومعظم الأبراص ليلية في طبائعها الغذائية وقد وهبها الله (تعالى) القدرة علي البقاء حية دون تناول اي شيء من الطعام لفترات طويلة، ومعظم الابراص من آكلات الحشرات.
أما الضب(Uromastycs) فأرجله الأربع قصيرة وغليظة مما يساعده علي سرعة الجري، ويعرف منه أحد عشر نوعا منها أربعة في مصر، وهو من آكلي الأعشاب.
(2) رتبة السلاحف (OrderChelonia): للسلاحف أرجل ضعيفة لاتكاد تقوي علي حملها بعيدا عن سطح الأرض، ولذلك تمشي بحركة بطيئة يضرب بها المثل في البطء نظرا لثقل جسمها وضعف أقدامها، وهناك ما يقرب من250 نوعا من السلاحف منها السلاحف الأرضية (Tortoises)، والسلاحف البحرية (Turtles)، وسلاحف الماء العذب (Terrapins).
ومن مميزات السلاحف وجود الصندوق العظمي الذي يحيط بجسمها إحاطة كاملة علي هيئة غطاءين ظهري وبطني يتركب كل منهما من عدة ألواح ملتحمة مع بعضها البعض التحاما وثيقا، ومغلفة من الخارج بعدد من القشور القرنية الكبيرة (صدف السلاحف).
ولهذا الصندوق العظمي فتحتان إحداهما أمامية يطل منها كل من الرأس والأرجل الأمامية، والثانية خلفية يخرج منها الذنب والأرجل الخلفية.
(3) التماسيح (OrderCrocodilia): وتضم أكبر الزواحف المعاصرة، ويعرف منها واحد وعشرون نوعا تعيش كلها في الماء العذب، ولا تخرج منه إلي اليابسة إلا نادرا لوضع البيض علي الشواطئ الرملية للأنهار في مواسم التكاثر.
وللتماسيح أرجل قوية معدة للمشي علي اليابسة، وتجذب هذه الأرجل إلي جوار جسم التمساح أثناء سباحته في الماء بواسطة ضربات ذنبه القوية التي يضرب بها يمنة ويسرة. وتحيط بجسم التمساح درع عظمية قوية، تغطي بالأصادف القرنية الخارجية، وهذه الدرع العظمية مكونة من درقة ظهرية وأخري باطنية متصلتين من الجانبين بنسيج لين، ويغطي ذنب التمساح بحلقات دائرية من الأصداف القشرية.
(جـ) زواحف تمشي علي رجلين: من الزواحف العملاقة المندثرة ما مشي علي الرجلين الخلفيتين فقط (Bipedal) لقصر الطرفين الأماميين قصرا شديدا، وتحولهما إلي ما يشبه اليدين، وقد سادت هذه الأجناس حقب الحياة المتوسطة (من 245 مليون سنة مضت إلي 65 مليون سنة مضت حين اندثرت اندثارا كاملا).
أما في غير كل من الديدان والزواحف فإن البرمائيات تميزت بأطراف متطورة أمامية وخلفية بكل منها خمس أصابع، وتتميز حركة كل من البرمائيات والزواحف ذات الأرجل بأنها علي شكل مشي بطئ، أو جري علي الأرجل الخلفية مستخدمة الذيل لحفظ توازن الجسم.
أما الطيور Birds فكلها ثنائية الأرجل لتحول طرفيها الأماميين إلي جناحين، وتجمع الطيور في طائفة واحدة (ClassAves) تضم 27 رتبة، وأكثر من 8600 نوع تنتشر في مختلف بيئات الأرض، ولها في قدميها ثلاث أصابع فقط.
والطيور من الفقاريات ذات الدم الحار، التي تتغطي أجسادها بالريش وتحولت فيها الفكوك إلي مناقير خالية من الأسنان، وكلها تبيض، وتحتضن الأنثي بيضها حتي يفقس (فتبارك الله أحسن الخالقين).
وأما الثدييات فلكل منها أربعة أطراف تتدلي تحت الجسم تماما، ويمكنها أن تتحرك من الأمام إلي الخلف، لأن مفصل الركبة متجه إلي الأمام، ومفصل الكتف متجه إلي الخلف مما يجعل معظم طاقة الحركة موظف توظيفا صحيحا، وتظهر أهمية ذلك في حيوان كالنمر الذي تصل سرعته إلي 115 كيلو مترا في الساعة، ويستطيع أن يصل في سرعته إلي 75 كيلو مترا في الساعة خلال ثانيتين فقط من انطلاقه في الجري، وهو ما يفوق تسارع أية سيارة سباق صنعها الإنسان.
ومن الثدييات مجموعة الحافريات التي بلغت الأطراف فيها أحجاما ضخمة لتساعدها علي الجري السريع، وتحولت المخالب إلي حوافر، ويمشي الحيوان الحافري عادة علي عدد مفرد قليل من الأصابع (Odd-ToedUngulates)، فأصبح منها ما هو فردي الأصابع من مثل الخيول، والفيلة ووحيد القرن، والتابير (Tapirs) والتي تناقص عدد الأصابع في حافرها إلي إصبع واحد، ومنها ما هو زوجي الأصابع (مشقوقات الحافر) مثل البقر والغزال.
ومن الثدييات ما يمشي علي رجلين فقط مثل حيوان الكنغر وبعض القردة العليا وذلك لقصر الطرفين الأماميين بشكل ملحوظ، ولذلك يدب الحيوان علي سطح الأرض بواسطة طرفيه الخلفيين القويين والذي يقفز أو يدب عليهما باستمرار. ومنها ما تقلصت فيه الأقدام تقلصا ملحوظا مثل رتبة دقيقة الأقدام (Pinnipedia) ومنها الفقمة (Seal) وحيوان الفظ (Walrus)، ومنها ما اقتصرت أطرافه علي عدد من الزعانف مثل رتبة الحيتان والدلافين (WhalesandDolphihs=OrderCitacea)) وذلك لاقتصارها علي العيش في مياه البحار.
ومن الثدييات ما يطير في جو السماء مثل الخفافيش التي تحولت أطرافها الأمامية إلي أجنحة جلدية لتساعدها علي الطيران.
ويأتي الإنسان - ذلك المخلوق المكرم - في قمة ما خلق الله الذي أكرمه بانتصاب القامة. وبالسير علي ساقين وبتناسق أبعاد الجسم، وأطوال الأطراف. وحجم الجمجمة، وبمهارة في اليدين، ونماء في العقل، وقدرة علي الاختيار، وعلي إدراك الذات، والانفعال والشعور، وعلي اكتساب المعارف والمهارات، وبغير ذلك من الصفات التي ميزه الله (تعالى) بها، وكرمه علي بقية خلقه.
ثالثا: في معني قوله تعالى: {يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاء إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}: من أكبر مجموعات الحياة الحيوانية ما يجمع تحت شعبة خاصة تعرف باسم شعبة مفصليات الأقدام (PhylumArthropoda) والتي تضم أكبر عدد من أفراد وأنواع الحيوانات البحرية والأرضية حيث يصل عدد أنواع هذه الشعبة إلي أكثر من مليون ونصف المليون نوع.
وتتميز الأفراد في شعبة مفصليات الأقدام بأجسامها المقسمة إلي عدد من الحلقات المرتبطة ببعضها البعض بمفاصل تسمح لكل منها بالحركة، وبهياكلها الكيتينية، وبأطرافها المقسمة والمفصلية والموجودة في هيئة زوجية علي كل حلقة من حلقات الجسم وهنا تتعدد الأرجل إلي العشرات بل إلي المئات حتى الآلاف ولذلك ختمت الآية الكريمة التي نحن بصددها بقول الحق (تبارك وتعالى): {يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاء إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} تأكيدا علي طلاقة القدرة الإلهية في الخلق، وقدرته سبحانه وتعالى علي البعث.
وتأكيدا علي وحدانيته المطلقة فوق جميع خلقه الذين خلقهم في الأصل جميعا من الماء، وجعل حياتهم قائمة عليه بعلمه وحكمته وإرادته، حتى يكون في تنوع الخلق من منشأ واحد وفي زوجية كاملة ما يشهد له (سبحانه وتعالى) بالوحدانية الكاملة فوق جميع خلقه بغير شريك ولا شبيه، ولا منازع، ولا صاحبة، ولا ولد، وكلها من صفات المخلوقين والله (تعالى) منزه تنزيها كاملا عن جميع صفات خلقه.
ومن شعبة مفصليات الأقدام ما يلي:
(1) تحت شعبة الكلابيات (SubphylumChelicerata): وتشمل العقارب (Scorpions)، والعناكب (Spiders)، والفاش (Mites)، والقراد (Ticks) والتي تنطوي تحت مسمي العنكبيات (Arachnids).
(2) تحت شعبة الفكيات(SubphylumMandibulata): وتشمل كلا من طائفة القشريات (Crustacea) والحشرات (Insecta) ومن القشريات ذات الأقدام العشرة (Decapoda) الجمبري وسرطان البحر، ومنها طائفة عديدات الأقدام (Myriapoda) وتحتوي كلا من ذوات المائة قدم (Centipedes)، وذوات الألف قدم (Millipedes).
هذه الحقائق التي مؤداها أن الله تعالى خلق كل دابة من ماء، وأنه يمكن تقسيم دواب الأرض علي أساس من طرائق حركتها ووسائل تلك الحركة لم تكن معروفة في زمن الوحي، ولا لقرون متطاولة من بعده، وورودها في هذه الآية الكريمة التي يقول فيها ربنا (تبارك وتعالى): {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِن مَّاء فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاء إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (سورة النور الآية 45).
هذه الحقائق وحدها كافية للشهادة للقرآن الكريم بأنه لا يمكن أن يكون صناعة بشرية، بل هو كلام الله الخالق الذي أنزله بعلمه علي خاتم أنبيائه ورسله، وحفظه بعهده الذي قطعه علي ذاته العلية حفظا كاملا في نفس لغة وحيه (اللغة العربية) حتي يبقي شاهدا علي جميع الخلق إلي قيام الساعة.
وهذه الحقائق كافية للشهادة بالنبوة وبالرسالة لسيد الأولين والآخرين، وإمام الأنبياء والمرسلين، وخاتمهم أجمعين سيدنا محمد بن عبدالله (صلي الله وسلم وبارك عليه وعلي آله وصحبه، وعلي كل من تبع هداه، ودعا بدعوته إلي يوم الدين) ومؤكدة أنه (صلي الله عليه وسلم) كان موصولا بالوحي الرباني، ومعلما من قبل خالق السماوات والأرض فلا يمكن للكلام الموحي إليه إلا أن يكون حقا كاملا، لا يأتيه باطل من بين يديه ولا من خلفه، فالحمد لله علي نعمة الإسلام، والحمد لله علي نعمة القرآن، والحمد لله علي باقي أفضاله ونعمه التي لا يجحدها إلا جاحد أو كافر أو مشرك، ونحن نبرأ إلي الله (تعالى) من أوصافهم أجمعين. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
المصدر: موسوعة الإعجاز العلمى فى القرآن والسنة
فيديو قد يعجبك: