لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

إعجاز التشريع الإسلامي في محاربة التحرش

09:48 م الأربعاء 13 أغسطس 2014

إعجاز التشريع الإسلامي في محاربة التحرش

ظن كثير من أهل الشهوات في زماننا أنهم أحرار في عقولهم و أجسادهم يتصرفون فيها بما تمليه عليهم شهواتهم, فانطلقت أعيُنهم الحائرة تبحث عن فرائسها كما لو كانت في الغابات, فانتشرت الفواحش من زنا و لواط و سُحاق و تحرشات جنسية ربما وصلت إلي الاغتصاب أو القتل.

و في سعيهم للحرام أبغضوا الحلال, فالزواج عندهم مقيد للحريات, و العفة و ستر العورات عندهم رجعية لا تواكب العصر, و لا تستحق العفيفة عندهم إلا القذف في عفتها, و لا فرق بين الرجال و النساء في الملبس أو التصرفات, و لم يعد للمحارم عندهم وزن, و لا احترام للأنساب.

و قد أخبرنا النبي صلي الله عليه و سلم بوقوع و شيوع هذا البلاء العظيم فقال (إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويكثر الجهل ويكثر الزنا ويكثر شرب الخمر ويقل الرجال وتكثر النساء حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد) متفق عليه, و قال (والذي نفسي بيده لا تفنى هذه الأمة حتى يقوم الرجل إلى المرأة فيفترشها في الطريق فيكون خيرهم يومئذ من يقول : لو واريتها وراء هذا الحائط) رواه أبو يعلى وقال الهيثمي ورجاله رجال الصحيح .

و لم يكتفي التشريع الإسلامي بالإخبار عن وقوع هذا البلاء و فقط, بل و كعادته وضع العلاج بشكل مُعجز يتفوق علي كل تشريعات القانون الوضعي البشري الصنع, و الذي لا يحسن أن يفهم النفس و متطلباتها لأنه ليس بخالقه, و لهذا فقد أردت من هذا البحث الموجز أن أبين كيف صان الإسلام الأعراض من خلال الردع و الوقاية, و كيف تعامل القانون الوضعي مع الأعراض بجهالة أدت إلي مزيد من الإنفلات الجنسي و شيوع الفواحش.

* كيف تعامل القانون الوضعي مع قضية صيانة الأعراض؟

القوانين الوضعية في أغلب البلدان غير الإسلامية تخبطت و أخطأت في تعاملها مع قضية صيانة الأعراض, فمن ناحية تفرض قوانين صارمة لمعاقبة الذين يتحرشون جنسيا قد تصل إلي السجن المؤبد أو الإعدام, و من ناحية أخري لا توجد عقوبات للزناة طالما أن فعل الزنا قد تم برضا الطرفين, و لا توجد عقوبات لمن يشيعون الفاحشة في المجتمع من خلال نشرهم للخلاعة و المجون و العري بكافة الأشكال و في كل أنواع الإعلام المرئي و المقروء و المسموع, حتى تسممت أفكار الناس و امتلأت قلوبهم و عقولهم بنار الشهوة التي دفعت أصحابها إلي عدم الإكتراث بهذه القوانين.

في الغرب نجد أن أهم طرق مكافحة التحرش الجنسي تتمثل في سن القوانين و العقوبات, و إلغاء الفروق بين الجنسين, و إنشاء برامج التوعية التي تعمل علي تعديل أنماط السلوك الاجتماعية والثقافية للرجل والمرأة, كما هو منشور علي موقع (Stop violence against women) و في الموسوعة القانونية لموقع نولو (Nolo), في مقال بعنوان منع التحرشات الجنسية في العمل (Preventing Sexual Harassment in the Workplace).

و للأسف فإن المجتمعات الإسلامية العربية تبعت المجتمعات الغربية في طريقة تعاملها مع قضية التحرش الجنسي, فصدق فيها حديث النبي صلي الله عليه و سلم (لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا شبرا وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم, قلنا يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: فمن ؟) رواه البخاري.

فعلي سبيل المثال نشرت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان إعلان بشأن القضاء على العنف ضد المرأة, جاء فيه ما ملخصه (للمرأة الحق في التمتع، على قدم المساواة مع الرجل، بكل حقوق الإنسان وحرياته الأساسية وفي حماية هذه الحقوق والحريات، ينبغي للدول أن تدين العنف ضد المرأة, و أن تدرج في القوانين المحلية جزاءات جنائية أو مدنية أو جزاءات عمل إدارية بحق من يصيبون من النساء بالأضرار بإيقاع العنف عليهن و أن تتخذ جميع التدابير المناسبة لتعديل أنماط السلوك الاجتماعية والثقافية للرجل والمرأة ، ولإزالة التحيز والممارسات التقليدية وكل الممارسات الأخرى المستندة إلى دونية أي من الجنسين أو تفوقه أو إلى القوالب الجامدة فيما يتعلق بدور الرجل والمرأة).

واضح طبعا في الإعلان السابق أنه لا توجد إشارة من قريب أو من بعيد توجه سلوكيات و ملابس المرأة التي غالبا ما تكون سبب فتنة الرجال و دفعه إلي التحرش بها, كما لا توجد إشارة إلي دور الالتزام بالسلوك الإسلامي المانع للاختلاط في منع التحرش الجنسي, بالإضافة إلي طلب إزالة الفوارق بين الرجل و المرأة ثقافيا, و بذلك تضمن هذه الجمعيات الانفلات الجنسي بالرضا في ظل حماية القانون الذي يعاقب التحرش دون علاج لأسبابه.

و للأسف الشديد فقد خطي القانون المصري أيضا في نفس اتجاه القوانين الغربية التي تجرم التحرش الجنسي بدون وضع ضوابط تحول دون وصول النفس البشرية الضعيفة إلي هذه الجريمة الشنعاء, حيث تم تغليظ عقوبة التحرش الجنسي بالنساء والأطفال والاغتصاب، وصنفت جرائم العنف الأسري ضمن جرائم "البلطجة" ، ورفعت العقوبة في مرسوم أصدره المجلس العسكري في بعض تلك الحالات إلى السجن المؤبد والإعدام.

و من العجيب أنه كلما علت الأصوات في المجتمعات الإسلامية مطالبة بتطبيق الحدود الإسلامية لمحاربة انتشار الفساد, ظهرت العديد من الأصوات المعارضة التي تتهم الحدود الإسلامية بالتخلف و الرجعية و البعد عن روح الحضارة الغربية, و لكن عندما خرج قانون التحرش الجنسي الجديد في مصر إلي النور تعالت هذه الأصوات التي تعارض تطبيق الحدود بقبول هذا القانون الجديد بالتحية و الترحيب, ليس نصرة للإسلام (و الله أعلم بحال القلوب) و لكن لأن الفاحشة التي يريدوا لها أن تشيع بين الناس سوف تكون في حماية القانون, فللمرأة الآن الحق في أن تلبس ما تشاء أو لا تلبس, و للشباب و الفتيات الحق في الخلاعة في الشوارع كيف يشاءون و هم آمنون أن لا أحد سوف يتحرش بهم جنسيا و بقوة القانون, و بدلا من أن تنتهك الأعراض بالقوة سوف تنتهك تحت مسمي القبول و الرضا بين الطرفين كما يحدث في المجتمعات الغربية التي تحارب التحرش الجنسي و تبارك كافة أنواع العلاقات الجنسية طالما قامت علي الرضا.

و أرجو ألا يظن احد أنني ضد هذا القانون بل أنا معه قلبا و قالبا, لأنه قبل أن يعود بالنفع علي غيري فسوف أنتفع به قبل غيري, و هذا هو ما تهدف إليه الحدود الإسلامية من حفظ الفرد و الجماعة من طمع الطامعين و إجرام المجرمين, فالذي لا يعلمه الذين صفقوا لهذا القانون و هم يرفضون تطبيق الحدود الإسلامية, أن هذا القانون هو تطبيق لحد من حدود الله و هو حد الحرابة الذي قال فيه تعالي {إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ }المائدة33. و السؤال الذي يطرح نفسه بشدة هل نجح الغرب بقوانينه الوضعية في القضاء علي التحرش الجنسي حتي نترك ما أمر به ديننا الاسلامي العظيم, و ننساق وراء قوانينهم؟.

* هل عقوبات القانون الوضعي كافية لردع التحرش جنسيا؟

قبل الإجابة علي هذا السؤال من الناحية العلمية أنقل لكم رد أحد شباب الإنترنت ممن سيطبق عليه القانون من الشباب المحروم من الزواج و المحاط بفتن النساء من كل جانب, حيث قال (طبعا قانون جميل بس يا رب ما يكون بمثابة رخصة للبنات تمشي من غير ملابس, إذ لو حصل هذا لأعدموا الشباب كله).

وهذا التعليق مع بساطته يلخص وجه التعارض في تعامل القانون الوضعي مع النفس البشرية و هو لا يفهم قوانينها الربانية التي جُبلت عليها, فالقانون الوضعي يضع الناس بين نار العقوبات و نار شيوع الفواحش بلا قانون يردعها, و لا يعرف القانون الوضعي شيء اسمه الوقاية من التحرش الجنسي بمنع شيوع الفواحش بكافة أشكالها, بل علي العكس يقوم علي حمايتها, و قد ذكرني هذا الحال المتعارض للقانون الوضعي بقول القائل (ألقوه في اليم مكتوف الأيادي و قالوا له إياك إياك أن تبتل بالماء ).

و هذا هو الغرب الذي شجع علي السفور و الاختلاط بدعوي أنه لا فرق بين الرجل و المرأة, يعترف باستحالة القضاء علي التحرشات الجنسية, فيقول كارمودي أستاذ العلوم الاجتماعية و علم الجريمة في مقالة بعنوان منع التحرشات الجنسية من خلال برامج التوعية (Preventing adult sexual violence through education), يقول كارمودي التحرشات الجنسية تزداد و لازالت تحتاج إلي المزيد من الجهد لمنعها, و يقول بالرغم من أهمية القانون في التعامل مع التحرشات الجنسية إلا أنه يبقي أداة عقاب بعد وقوع الجريمة, مما يجعلنا في حاجة شديدة إلي برامج توعية تحول دون وقوع التحرش الجنسي, ثم يقر الكاتب أن برامج التوعية هذه لم تحقق إلا تقدم بسيط و أن الانتكاسات غالبا ما تحدث بمرور الوقت, و أن كثير من الاعتداءات الجنسية تحدث بين أناس يعرفون بعض (ليسوا بأغراب) بسبب فشلهم في التوصل إلي موافقة علي ممارسة علاقة جنسية بالتراضي لغياب برامج التوعية التي تساعد علي ذلك (أي أنه يدعو إلي الزنا بدلا من التحرش).

و لأن هذه التحرشات الجنسية بدأت تخرج عن السيطرة بما يهدد أمن هذه المجتمعات بدرجة كبيرة و يكلفها الأموال الطائلة في سبيل محاربة هذه الظاهرة, و علاج تداعياتها, فقد بدأ البعض في الغرب إلي العودة إلي العلاج الأمثل و هو الفصل بين الجنسين و خصوصا في مراحل التعليم المختلفة.

في مقال نشرته النيويورك تايمز بعنوان فصل البنين عن البنات في التدريس (Teaching Boys and Girls Separately) للكاتبة إليزابيث ويل, ناقشت فكرة الفصل بين الجنسين في التعليم لوجود فروق بيولوجية بين الجنسين, و كيف أدي هذا الفصل إلي تحسن أداء الجنسين, و بالرغم من أن هذه الفكرة مازالت تلقي معارضة شديدة إلا أن الواقع يثبت أنها سوف تتغلب و تنجح برغم المعارضة, فقد أصدرت شعبة التعليم الاتحادية في أمريكا نُظماَ سهلت للولايات و المناطق فتح مدارسها و فصولها الغير مختلطة الخاصة, و بعد أن كان عدد المدارس أحادية الجنس اثنتان فقط في كل الولايات المتحدة الأمريكية في العام 1995, فقد قفز العدد إلى أكثر من ثلاثمائة و ستين مدرسة منتشرة في طول البلاد و عرضها, و يتوقع الخبراء أن يزيد هذا العدد خلال العام 2008 - 2009 .

و يبدو أن هذا التوقع كان سليما بنسبة 100 %, ففي مقال بعنوان الفصل الفعال بين الجنسين (Gender Segregation: Separate But Effective), تم نشره في عام 2010, يقول بأن عدد المدارس التي تفصل بين الجنسين في الولايات المتحدة الأمريكية قد وصل إلي 550 مدرسة, و ليس هذا فقط بل و أشار إلي أن هذا الفصل بين الجنسين في التعليم قد انتشر أيضا في الأرجنتين و كندا و غيرها الكثير, و إن كان هذا الانتشار مازال مصحوبا بالجدل حول أهميته و فاعليته, بين مؤيد و معارض. و جاءت نتائج اجتماع المنظمة الدولية للتعليم العام الغير مختلط (NASSPE), في المؤتمر الدولي السابع بولاية فلوريدا في عام 2011, ليؤكد علي أن هذا الفصل بين الجنسين في العملية التعليمية يؤدي إلي تحسن ملموس في أداء كلا الجنسين بشرط تحسن أداء المعلم و قدرته علي التعامل مع هذا الفصل بطريقة جيدة.

و مع أن التقارير السابقة لا تريد أن تعترف بأن السبب الرئيسي في فشل التعليم المختلط هو انشغال أحد الجنسين بالآخر و محاولة الإيقاع به إما بالرضا (الزنا) أو الغصب (التحرشات الجنسية), إلا أن تقرير المؤسسة التعليمية في أمريكا للعام 2011 عن التحرشات الجنسية في المدارس (sexual violence in schools is a civil rights violation), يعترف بزيادة الاعتداءات الجنسية في المدارس لدرجة خطيرة تصل إلي واحد لكل عشرة أفراد, و ما خفي كان أعظم لأن أغلب التحرشات الجنسية لا يتم الإبلاغ عنها, و أضف إلي ذلك حالات الزنا التي تتم بكثرة بين طلاب المدارس.

و نأتي إلي قاصمة ظهر المجتمع الغربي الذي يدعو إلي التحرر من قيود الأخلاق, ففي تقرير بعنوان (Teen Pregnancy Statistics) عن نسب الحمل في سن ما دون العشرين في الولايات المتحدة الأمريكية, يقول التقرير أن حوالي 34 % من البنات يحدث لهن الحمل علي الأقل مرة واحدة دون سن العشرين, و أن حوالي 79 % منهن غير متزوجات, أي أن حملهن جاء من سفاح, إما بالزنا أو نتيجة للتحرشات الجنسية المنتشرة في المدارس و الجامعات. و في تقرير آخر أحدث من السابق في عام 2010 بعنوان (Facts on American Teens’ Sources of Information About Sex), يقول بأن نسب الحمل قبل سن العشرين بدأت تزداد بقوة من بعد العام 2009, و أن حوالي 7 من كل 10 من كلا الجنسين يمارسون الجنس قبل سن 19 سنة (و تزداد النسب في المدارس العليا عن المدارس المتوسطة) .

و عليه فالذين يطالبون بالفصل بين الجنسين في التعليم في الدول الغربية ليس فقط من أجل تحسين أداء الطلاب لاختلافاتهم البيولوجية و لكن أيضا لحماية أبنائهم من طلاب المدارس و الجامعات من الاعتداءات الجنسية التي حتما ستقع بسب الاختلافات البيولوجية التي تقضي بميل أحد الجنسين إلي الآخر, و لحماية البنات من الحمل المبكر خارج إطار الزوجية و ما يتبعه من أعباء جسدية و نفسية و مالية.

و عندما أقول بأن الاعتداءات الجنسية حتما ستقع بين الجنسين بسب الاختلافات البيولوجية التي تقضي بميل أحد الجنسين إلي الآخر, فهذا ليس لكوني أنقل ما يقول الإسلام و فقط (و إن كان يكفينا), بل إن الغرب نفسه بدأ يناقش هذه المسالة بطريقة علمية, ففي مقال بعنوان هل يفكر الرجال في الجنس طوال الوقت (Do Men Think About Sex All the Time), يقول بأن أغلب الرجال بطبيعتهم الوراثية لا يستطيعون الكف عن التفكير في الجنس, و تخبرنا صحيفة التيليجراف أن الرجال يفقدوا عقولهم في وجود نساء جميلات (Men lose their minds speaking to pretty women), و ذلك نقلا عن دراسة علمية منشورة في دورية علمية تسمي (Journal of Experimental and Social Psychology), و خلصت هذه الدراسة إلي أن الرجال ينشغلون بالتفكير في تلك المرأة الجميلة مما يؤثر بالسلب علي أعمالهم, و بالرجوع لهذه الدورية العلمية وجدت هذه الدراسة منشورة تحت عنوان (Interacting with women can impair men’s cognitive functioning), لمن أراد الرجوع إليها (إنظر المراجع).

و في دراسة علمية أجراها جيمس روني من جامعة شيكاجو بعنوان تأثير النظر الي الجنس الآخر (Effects of Visual Exposure to the Opposite Sex), أظهرت هذه الدراسة أن نظر الرجل إلي المرأة يؤدي إلي تغيرات كبيرة في التصرف و المزاج و الشخصية مما يدفع بالرجل إلي مزيد من الاقتراب من المرأة لإقامة علاقة, و أوضحت الدراسة أن هذا التصرف ربما تم دون وعي من صاحبه.

و عليه فهذه الأبحاث تكشف صدق ديننا الداعي إلي غض البصر و البعد عن الاختلاط, كما تكشف كذب و افتراء من يدعون إلي الاختلاط الجنسي بدعوي التحرر و الصداقة, و القدرة علي التحكم في شهواتهم, حيث أن ميل أحد الجنسين إلي الآخر هو من الأمور الجبلية التي زرعها الله في الإنسان للحفاظ علي الجنس الإنساني من خلال التكاثر. كما أن هذه الأبحاث تبين لنا أن القانون الوضعي قد أخطأ في تعامله مع قضية الزنا و التحرشات الجنسية, لأنه شدد في عقوبة المتحرش جنسيا, و أباح السفور و الزنا و الفواحش طالما أنها بالتراضي بين الطرفين, و بدلا من أن يضع حدود فاصلة في التعامل بين الرجل و المرأة, أطلق العنان في اختلاط الرجل بالمرأة بدعوي أنه لا توجد فروق بيولوجية بين الرجل و المرأة, و أن كلا الطرفين لا ينبغي أن ينظر إلي الآخر علي أنه مختلف عنه, و بذلك سهل الطريق للزنا و شجع علي التحرشات الجنسية لأنه وضع البنزين بجوار النار.

فمن السهل أن تفرض القانون و لكن أصعب أن تقود النفوس للانصياع للقانون, فالنفس لها حدود للكبح إذا تجاوزتها صارت كالأسد الجائع الذي لا يمكن كبح جماحه, فالغضب مثلا لو لم نحسن معالجته فانه يدفع صاحبه لا محالة إلي القتل, و كذا الشهوة الجنسية إذا لم نحسن التعامل معها, فهي إما تصل بصاحبها إلي الزنا أو إلي التحرش الجنسي الذي يعتبر من وجهة نظر الإسلام إمتداد طبيعي لتحرك غير طبيعي في شهوات النفس, فالطبيعي هو ما يحدث بين الرجل و امرأته في الحلال, قال تعالي {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ. إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ. فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} (29 – 31 المعارج) .

وغير الطبيعي هو ما كان وراء ذلك, فالرجل و المرأة علي السواء إن تحركت الشهوة فيهما يطلب أحدهما الآخر إما بالحلال أو بالحرام, و الحرام قد يكون بالتراضي فيسمي زنا و قد يرفض أحد الطرفين أن يزني مع الآخر, فيسعي الطرف المرفوض في تحقيق غايته بشتى الوسائل التي تعرف باسم التحرشات الجنسية, و لما كان الرجل أقوي من المرأة فقد اشتهر أن التحرشات الجنسية تقع فقط من الرجل تجاه المرأة, و لكن الإسلام يفضح النفوس الخبيثة و يبين أن المرأة أيضا قد تمارس التحرش الجنسي إذا امتلكت المنصب و الجمال .

فبحكم جمالها و من خلال منصبها تدعوه إلي الزنا فان أبي تسلطت عليه بمنصبها, و يذكر لنا القرآن الكريم أشهر قصة تحرش جنسي في التاريخ تمارسها امرأة علي رجل و هي قصة امرأة العزيز مع نبي الله يوسف عليه السلام التي راودته عن نفسها بجمالها {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُون} (يوسف23), فلما رفض أن يطاوعها في شهوتها و يزني بها, مارست سلطتها عليه متحرشة به بقوة السلطة {قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِّنَ الصَّاغِرِينَ} (يوسف32).

و مع كل هذه الحقائق البينات نجد أن هناك أُناسا من بيننا يطالبون بتحرر المرأة و مساواتها بالرجل مع عدم الفصل بين الجنسين في كافة مناحي الحياة من تعليم و عمل و مواصلات و أفراح و مآتم و غيرها, و ذلك بدعوي أن هذا الاختلاط لا يؤدي إلي الإثارة الجنسية فكلاهما قادر علي التعامل مع الآخر كصديق, و هم بذلك يزعمون أن ما جاء به الإسلام غير صحيح و أنه لا يفهم مكنون النفس البشرية, و لو قلت لبعضهم إن وضع إناء البنزين بقرب النار ليس سبباً طبيعياً للاشتعال، لاتهمك في عقلك أو رماك بالجهل الفاضح والمكابرة والإنكار لبعض مقتضيات الطبيعة، ومع ذلك يصر على أن خلط النساء بالرجال لا يقتضي إشاعة الفاحشة ولا استعار الشهوات! مع أن الميل بين الجنسين طبيعة أودعها الله سائر الثقلين وأنواع الحيوانات، وجعلها من القوة بمكان يناط به بقاء الأجناس الحيوانية والبشرية على ظهر البسيطة.

* إعجاز التشريع الإسلامي في محاربة الزنا و التحرش الجنسي

الإسلام دين كل زمان و مكان لأنه من الله العليم الخبير الذي يعرف النفس البشرية حق المعرفة لأنه خالقها و بالتالي يعرف ما يصلحها {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ } ( الملك14 ), فالقانون الرباني ينظر للمشكلة بنظرة شاملة, فكان له مع حماية الأعراض شأن آخر يقوم علي فهم طبيعة و احتياجات النفس البشرية, قال تعالي {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ } (آل عمران 14 ), و الشهوة في ذاتها ليست خطأ بل هي جبلة في الإنسان, و لكن حب الشهوة و تزيينها للعقل هو الخطأ, و ليس أعظم في تزيينها و تأجيجها في النفوس من الاختلاط الذي يحرك الشهوات الكامنة.

نجد أن الإسلام تعامل مع هذه المشكلة بالترهيب من العقوبة المشددة, و بالوقاية من خلال التربية الإسلامية الصحيحة التي تقنن الشهوة و لا تكبتها, فتشجع علي الزواج و تمنع العلاقات الجنسية غير المشروعة و ما يؤدي إليها .

أولاً: العقوبات الرادعة

بدأ الإسلام بفرض العقوبات المشددة لمنع الزنا و التحرشات الجنسية, فمن اللافت للنظر أن سورة النور في حربها علي الفاحشة لم تبدأ ببيان فضل العفاف وذكر محاسنه والتنفير من ضده، بل ولم تخوف الزاني بعقاب الآخرة، و لكن بدأت ببيان عقوبات الزناة و خوض الألسنة في أعراض المحصنات و الذين يحبون إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا, فقال تعالي في عقوبة الزناة (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كل واحد منهما مائة جلدة) ، مع المبالغة في التنكيل بهم (وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ), و التشهير بهم (وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ), و منعهم من زواج أهل العفة (الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ), وقال تعالي في عقوبة خوض اللسان في الفواحش و قذف المحصنات (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ), و قال الله في عقوبة الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) (19 النور).

فإن قيل فأين التخويف بعذاب الآخرة بدلا من شدة العقوبة في الدنيا ؟ فالجواب أنه قد جاء كثيرا في ثنايا السورة و في غيرها، و لكن الفاحشة إذا فارت في القلب طغت على نور العقل, فقلما يردعها تذكر الآخرة إلا عند عباد الله المخلصين ، بينما الخوف من الجلد والفضيحة والخوف من نبذ المجتمع ينزع الله به مالا ينزع بالقرآن.

ثم جعل الله حد الحرابة لمعاقبة كل من سولت له نفسه سفك الدماء وسلب الأموال وهتك الأعراض وإهلاك الحرث والنسل, و التحرش بالنساء يتضمّن إفسادًا في الأرض ، بحسبانه متضمنًا قطع الطريق علي المتحرَّش بها، أو إلجائها إلي الطريق الضيقة بغية النيل منها أو سماعها ما تكره ، أو إجبارها علي الرضوخ له بطريقة أو أخرى ، وقد يتضمن إخافتها أو إرعابها لتحقيق مقصوده ، وذلك يكوِّن جريمة حرابة متكاملة الأركان، ولذا فإنه يرد في حق المتحرشين بالنساء العقوبتان الدنيوية والأخروية الواردتان في قول الله تعالي{إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ }( 33 المائدة )، و ذلك لقطع دابر هذه الجريمة من المجتمع.

ثانياً: الوقاية من خلال تربية النفوس علي العفة

بعد أن بين الله كيف نطهر المجتمع من الفواحش بتطبيق العقوبات المشددة, انتقلت الشريعة الإسلامية إلي المرحلة التالية من إشاعة نور العفة بين الناس لكي تحول بينهم و بين الوقوع في الشهوات و العقوبات, فدعت إلي تخفيف نار الشهوة في النفوس بنهيها عن إتباع خطوات الشيطان التي تأمر بالفاحشة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) 21 النور, ثم بين الله أهمية غض البصر و أهميته في كبح جماح الشهوة و حفظ الفروج للرجال و النساء {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ }النور30, {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ}النور31, و حث علي ستر المرأة لزينتها حتى لا يفتن بها الرجال {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ}النور31, و في مقابل كف النفس عن إشباع الغريزة الجنسية بالحرام, شجع المولي تبارك و تعالي علي تيسير الزواج الحلال حتى لا يحدث كبت نفسي قد يؤدي إلي انفجار غير محسوب فقال تعالي {وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }النور32, و أمر بالعفاف في غير وجود الزواج {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ}النور33, و جاء الحبيب صلي الله عليه و سلم بالدواء المعين علي الاستعفاف فقال صلي الله عليه و سلم عن علاج الشهوة بالصوم (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء ) رواه البخاري و مسلم.

و لأن الاختلاط بين الرجال و النساء يؤجج نار الشهوة و يؤدي إلي ما لا تحمد عقباه, فقد حرص شرعنا الحنيف علي منع الاختلاط بين الجنسين, قال تعالي {وَإذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} 53 الأحزاب, فقد دلت هذه الآية على أن الأصل احتجاب النساء عن الرجال، وعدم الاختلاط لاسيما في دور العلم, حرصا علي طهارة قلوب الرجال و النساء, و قال تعالي {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْـجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} 33 الأحزاب ، فأمرهن بالقرار، ثم منعهن من الخروج غير متحجبات، ومع قرارهن في البيوت منع رسول الله الله صلى الله عليه وسلم الرجال الأجانب من الدخول عليهن فقال (إياكم والدخول على النساء، فلما قيل له: الحمو؟ قال: الحمو الموت) متفق عليه، وهذا يدل على أن الأمر بالقرار ليس خاصاً بنساء النبي الله صلى الله عليه وسلم. بل و نهي الشرع عن خلو الرجل بالمرأة, فقال صلي الله عليه و سلم (لا يخلون أحدكم بامرأة إلا مع ذي محرم) رواه البخاري و مسلم.

و لعل البعض يتهم الإسلام بأنه يحمل المرأة أكثر من الرجل في قضايا الزنا و التحرش الجنسي بحجة أن المرأة هي التي دفعته بزينتها و تبرجها إلي فعل التحرش, فأقول كلا و ألف كلا, لأن المرأة إن خالفت ربها بإظهار زينتها و تبرجها, فلا ينبغي أبدا للرجل أن يطلق بصره فيصيب من هذه و تلك حتى تتمكن الشهوة من قلبه فتدفعه إما إلي الزنا أو إلي التحرش الجنسي, و معلوم من القرآن أن الله عاقب الزانية و الزاني بنفس العقاب بالرغم من أن الله قدم الزانية علي الزاني {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ}النور2, فجعل الله عقوبة الاثنين واحدة, و قدم ذكر الزانية ليلفت الانتباه إلي أن المرأة بزينتها و تبرجها و جمالها الذي جبلت عليه أكثر إثارة و لفتا لانتباه الرجل, أكثر من تأثر المرأة بالرجل. و ساوي الله عقوبة الزاني بالزانية لأنه خالف أمر الله له بغض البصر, حيث قدم الله الأمر بغض البصر للرجال علي النساء لكون الرجل يفتن بالمرأة أكثر ما تفتن النساء بالرجال, فحمي الله النساء من الرجال بغض البصر {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ}النور30, و حمي الله الرجال من النساء بغض البصر و إخفاء الزينة {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ}النور31 , فسبحان الله العليم بأحوال النفوس و بما يصلحها {وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ } (فاطر14 ).

فلو كان الإغراء هو أساس وقوع الزنا فقط لخفف الله العقوبة علي الزاني و لشدد العقوبة علي الزانية, و لكن لأن الإسلام تعامل مع هذه الحالات قبل ارتكاب الجريمة من خلال تهذيب النفس لمقاومة الإغراء مهما كان حجمه, فإذا كانت النفس قد استجابت للتهذيب الديني, فليس هناك إغراء يؤثر فيها.

فالنفس قد تغري الفرد بالنظر إلي الكاسيات العاريات إلا أن قوة الإرادة التي ربّتها الشريعة الإسلامية في نفس المؤمن تدفعه إلي غض البصر, فإذا خالف و نظر كان مخالفا للشريعة قبل أن يؤثر فيه الإغراء, و لذا يتساوي مع الزانية في العقوبة على الرغم من تقديم الزانية على الزاني في الترتيب اللفظي, الذي ربما أراد منه القرآن حث المجتمع على ملاحظة دور الإغراء في ارتكاب مثل تلك المخالفات الشرعية .

المصدر - موسوعة الاعجاز العلمي في القرآن والسنة 

بقلم - الدكتور محمود نجا (أستاذ في كلية طب المنصورة )

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان