ومضات على طريق الحج 3
كتبت – سارة عبد الخالق –
ونحن على طريق الحج، دعونا نتخيل هذا المشهد العظيم.. أم وولدها الصغير.. يجلسون بمفرهما في صحراء جرداء لا يوجد فيها ماء ولا زرع ولا ناس يعيشون معهم.. كيف يكون هذا الموقف؟! وكيف لأم تستطيع أن تتحمل أن تترك هي وولدها في الصحراء؟!. يا له من موقف عصيب !
يقول الله تعالى في سورة إبراهيم (آية : 37) : {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ}.
جاء في تفسير ابن كثير: هذا يدل على أن هذا دعاء ثان بعد الدعاء الأول الذي دعا به عندما ولى عن هاجر وولدها - وذلك قبل بناء البيت ، وهذا كان بعد بنائه - تأكيدا ورغبة إلى الله - عز وجل - ; ولهذا قال: (عند بيتك المحرم). وقوله: {ربنا ليقيموا الصلاة}: أي إنما جعلته محرماً ليتمكن أهله من إقامة الصلاة عنده.
{فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم}، قال ابن عباس وهو قول مجاهد وسعيد بن جبير وغيرهما : لو قال أفئدة الناس لازدحم عليه فارس والروم واليهود والنصارى والناس كلهم، ولكن قال: {من الناس} فاختُص به المسلمون.
وقوله: {وارزقهم من الثمرات}: أي ليكون ذلك عوناً لهم على طاعتك، وكما أنه واد غير ذي زرع فاجعل لهم ثماراً يأكلونها، وقد استجاب اللّه ذلك، كما قال: {أو لم نمكن لهم حرما آمنا يجبي إليه ثمرات كل شيء رزقا من لدنا}.. (سورة القصص : آية 57)، وهذا من لطفه تعالى وكرمه ورحمته وبركته أنه ليس في البلد الحرام مكة شجرة مثمرة، وهي تجبى إليها ثمرات ما حولها استجابة لدعاء الخليل عليه السلام.
وقال البخاري - رحمه الله - : حدثنا عبد الله بن محمد ، حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر ، عن أيوب السختياني وكثير بن كثير بن المطلب بن أبي وداعة يزيد أحدهما على الآخر عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - ، قال : أول ما اتخذ النساء المنطق من قبل أم إسماعيل - عليهما السلام - اتخذت منطقا ليعفي أثرها على سارة . ثم جاء بها إبراهيم وبابنها إسماعيل - عليهما السلام - وهي ترضعه ، حتى وضعهما عند البيت عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد ، وليس بمكة يومئذ أحد ، وليس بها ماء ، فوضعهما هنالك ، ووضع عندهما جرابا فيه تمر وسقاء فيه ماء ، ثم قفى إبراهيم - عليه السلام - منطلقا .
فتبعته أم إسماعيل فقالت : يا إبراهيم ، أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه إنس ولا شيء ؟ فقالت له ذلك مرارا، وجعل لا يلتفت إليها .
فقالت : آلله أمرك بهذا ؟ قال : نعم . قالت : إذا لا يضيعنا . ثم رجعت. فانطلق إبراهيم - عليه السلام - حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه ، استقبل بوجهه البيت ، ثم دعا بهؤلاء الدعوات، ورفع يديه، قال : ( ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون ) ، وجعلت أم إسماعيل ترضع إسماعيل - عليهما السلام - وتشرب من ذلك الماء، حتى إذا نفد ماء السقاء عطشت وعطش ابنها ، وجعلت تنظر إليه يتلوى أو قال : يتلبط فانطلقت كراهية أن تنظر إليه، فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها فقامت عليه ، ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحدا ؟ فلم تر أحدا .
فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرف درعها ، ثم سعت سعي الإنسان المجهود حتى جاوزت الوادي . ثم أتت المروة ، فقامت عليها ونظرت هل ترى أحدا ؟ فلم تر أحدا .
ففعلت ذلك سبع مرات ، قال ابن عباس : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " فلذلك سعى الناس بينهما " .
فلما أشرفت على المروة سمعت صوتا فقالت : صه ، تريد نفسها ، ثم تسمعت فسمعت أيضا . فقالت : قد أسمعت إن كان عندك غواث . فإذا هي بالملك عند موضع زمزم ، فبحث بعقبه أو قال : بجناحه حتى ظهر الماء ، فجعلت تحوضه ، وتقول بيدها هكذا ، وجعلت تغرف من الماء في سقائها وهو يفور بعدما تغرف . قال ابن عباس : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : (يرحم الله أم إسماعيل ، لو تركت زمزم أو قال : لو لم تغرف من الماء لكانت زمزم عينا معينا) .
قال : فشربت وأرضعت ولدها ، فقال لها الملك : لا تخافي الضيعة ; فإن هاهنا بيتا لله - عز وجل - يبنيه هذا الغلام وأبوه ، وإن الله - عز وجل - لا يضيع أهله .
وكان البيت مرتفعا من الأرض كالرابية تأتيه السيول فتأخذ عن يمينه وعن شماله ، فكانت كذلك حتى مرت بهم رفقة من جرهم أو أهل بيت من جرهم مقبلين من طريق كداء . فنزلوا في أسفل مكة ، فرأوا طائرا عائفا ، فقالوا : إن هذا الطائر ليدور على الماء ، لعهدنا بهذا الوادي وما فيه ماء . فأرسلوا جريا أو جريين ، فإذا هم بالماء . فرجعوا فأخبروهم بالماء ، فأقبلوا . قال : وأم إسماعيل عند الماء . فقالوا : أتأذنين لنا أن ننزل عندك ؟ قالت : نعم ، ولكن لا حق لكم في الماء . قالوا : نعم . ..
ملحوظة: لهذا الحديث تكملة، ولكن تم أخذ الجزء الخاص بهذه الواقعة فقط.
فمن المؤكد من خلال السطور القليلة السابقة:
- أن حسن التوكل على الله والثقة واليقين بالمولى – عز وجل – له أثر كبير وفضل على الشخص الواثق بربه المتوكل عليه.
- وأن حسن طاعة الزوجة لزوجها مع يقينها وثقتها بالله – جلا وعلا – لم تضيعها هي وولدها.
- ثقة الفرد في الله – سبحانه وتعالى – مهما اشتدت الظروف يؤتي ثماره حتى ولو بعد حين.
وأخيرا.. حاول عزيزي القارىء أن تجدد إيمانك من جديد، وتتوكل على خالقك وتثق في قدرته – عز وجل -، ولنتخذ السيدة هاجر – عليها السلام – خير مثال على الثقة واليقين بالله – جلا وعلا- ..
وللحديث بقية ..
فيديو قد يعجبك: