ماذا بعد الحج؟
بقلم – هاني ضوَّه :
ها هم حجاج بيت الله الحرام قد عادوا بعد أن أدوا مناسك الحج وهو الركن الخامس من أركان الإسلام، فرحين بما آتاهم الله من فضله: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مّمَّا يَجْمَعُونَ} .. عادوا ليولدوا من جديد بلا ذوب ولا خطايا فقد بشرهم الحبيب صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله بذلك فقال: "من حج لله فلم يرفث ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه".
إذا فالحج ميلاد جديد لمن أداه كامل الأركان والشروط .. ميلاد جديد للقلب والروح على الحاج أن يحافظ عليه قد المستطاع، فلا يدنس نفسه بالآثام والذنوب مرة أخرى، فلا يرفث ولا يفسق.
مما يجب أن قوم به الحاج بعد العودة من حجه أن يتوب إلى الله ويصلح ذات بينه مع الله، وأن يجعل حجه فرصة لتصحيح أعماله، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.
وعلى الحاج بعد عوده ألا يعود لسابق عهده من اللهو والغفلة، فمواسم الخيرات ليست تغييرًا مؤقتًا في حياة الإنسان ولكنها تحول كامل من حياة الغفلة والتقصير والتفريط إلى حياة الإنقياد والعبودية الكاملة لله تعالى.
فالحج ليس محطة يغتسل فيها الإنسان من ذنوبه وآثامه ليعود مرة أخرى ليدنس نفسه بالمعاصي، بل هو محطة ينتبه فيها الغافلين والمقصرين ليعودوا إلى باريهم ويتوبوا عن ذنوبهم نادمين وعازمين على تركها، يقول تعالى: {وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى}.
فمن أتم حجه عليه بعد عودته بالتوبة ثم إلتزام التقوى والاستقامة في أموره كلها، فإن الله سبحانه وتعالى قد ذكّرنا بالتّقوى في سياق آيات الحجّ عند الكلام على الهدي الذي يتقرّب به الحاجّ لربّه؛ مشيراً بذلك إلى أنّ حصول التّقوى من أعظم مقاصد الحج وفوائده؛ حيث قال سبحانه: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ}.
والحاج منذ بدء إحرامه يلتزم بالتقوى فلا يرفث ولا يفسق ولا يجادل، وهو النهج الذي يجب أن يسير عليه المؤمن في حياته كلها وليس في فترة الحج فقط، وكذلك الاستقامه والإلتزام بأوامر الله سبحانه وتعالى واجتناب ما نهانا عنه، فإن الاستقامة من أولى ما يوصَى به المسلم بعد التّقوى؛ كما أوصَى بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم الصحابي الجليل سفيانَ بن عبد الله رضي الله عنه حين قال: "يا رسول الله، قل لي في الإسلام قولًا لا أسأل عنه أحدًا بعدك، قال: "قل آمنت بالله ثم استقم".
فيديو قد يعجبك: