حصيلة 4 رحلات و7 حجات.. حكايات ابن بطوطة عن الحج ومكة ونسائها
كتبت- آمال سامي:
كتب الرحالة العربي الشهير ابن بطوطة الكثير عن مكة المكرمة، وكانت له أربع رحلات لها، وسبع حجات، وصام فيها ثلاث رمضانات، فتحدث عن كل جزء منها تقريبا، يقول الدكتور عبد الهادي التازي في كتابه "رحلة الرحلات.. مكة في مائة رحلة مغربية ورحلة" أن ابن بطوطة تسنى له ما لم يتسن لغيره من الرحالة من مكوث في مكة المكرمة، واستعرض التازي رحلات ابن بطوطة إلى مكة في أربع من سبع حجاته، ونقل لنا مذكرات ابن بطوطة عن حجاته إلى مكة، ووصفه لمكة وأهلها وسماتهم وعاداتهم وكيفية احتفالهم بقدوم موسم الحج وشهر ذي الحجة..
الرحلة الأولى.. مكة عروس تتجلى على منصة الإجلال
في موسم الحج عام 726 هـ انطلق ابن بطوطة إلى مكة عبر طريق "درب الشام" على الرغم من انه كان ينتوي سلوك الطريق البحري عبر البحر الأحمر، لكن أعاقته حرب نشبت بين دولتي الممالك والبجاة، ودخل ابن بطوطة مكة من باب بني شيبة، باب السلام، وقال عن الكعبة: "إنها كالعروس تتجلى على منصة الجلال، وترفل في بردة الجمال، محفوفة بوفود الرحمن، موصلة إلى جنة الرضوان.." ثم يتحدث عن طواف القدوم وأداء الركعتين بمقام إبراهيم وغيرها من المناسك ثم يعود ليصف انطباعاته عن الكعبة قائلًا: إن من عجائب صنع الله أنه طبع القلوب على النزوح إلى هذه المشاهد المنيفة والمعاهد الشريفة، وجعل حبها متمكنا في القلوب..حكمة من الله بالغة..يهون على قاصدها ما يلقاه من المشاق..إنها تقوي بصيرة المستبصر، وتسدد فكرة المتفكر..". ثم ينتقل ابن بطوطة إلى وصف مكة كمدينة، فيقول إنها كبيرة متصلة البنيان تحيطها الجبال فلا يراها قاصدها حتى يصل إليها. ويصف ابن بطوطة المسجد الحرام فيقول أنه يقع وسط المدينة وهو متسع الأرجاء. وأيضًا يصف بشكل تفصيلي بناء الكعبة ومقاييسها بالأزرع والأشبار من جميع جهاتها، ومواد بناءها، وبابها، ويذكر أن المكان بين الباب والحجر الأسود هو المسمى بالملتزم، وأنه مصفح بصفائح الفضة.
الحجة الثانية.. وسنوات مكوث ابن بطوطة في مكة
أما حجته الثانية فكانت عام 727هـ وكانت مع العراقيين، حيث دخل مكة من شمالها، وذكر ابن بطوطة ما فعله العراقيين مع الفقراء والمجاورين بأنهم أكثروا من الصدقة لدرجة أن هبط سعر الذهب بمكة على نحو ما قيل عن حجة إمبارطور مالي "مانسا موسى". وحكى ابن بطوطة أن وقتها كان يوجد بين الصفا والمروة رباط يسكنه المجاورون بناه الملك الناصر ملك مصر، وبنى أيضًا دار وضوء بين الصفا والمروة وعليها ربع يسكنه خدمها. وذكر ابن بطوطة أن في تلك السنة جاءها عدد من المصريين بقصد المجاورة كان من بينهم العالم الشهير ناصر الدين السيوطي، وفي العام الذي يليه تحدث ابن بطوطة أن الوقفة كانت يوم الجمعة، وفي تلك السنة جاء إلى الحج حجاج الصعيد وكان معهم الشيخ نجم الدين الأصفوني، وظل ابن بطوطة ملازمًا مكة حتى عام 730 هـ واتيحت له الفرصة طوال تلك الفترة ليقف على عد من المعالم والمشاهد ويتعرف أكثر على أحوال المدينة ورجالها وعاداتها وطبيعة الحياة في المسجد الحرام كذلك.
سمات أهل مكة كما وصفها ابن بطوطة
حكي ابن بطوطة عن حكم الأميرين المشتركين معًا في حكم مكة، وقال عنهما "إن الطبول تضرب على باب دار كل واحد منهما عند صلاة المغرب في كل يوم"، وأشاد ابن بطوطة بفضائل أهل مكة وأخلاقهم وأنهم كانوا يلتفتون إلى الفقراء والمنقطعين والمجاورين، وينفقون على الأيتام والصغار، وأشار إلى اهتمامهم بالأناقة في الزي واستخدامهم للطيب والكحل وقال عن نساء مكة أنهن "فائقات الحسن بارعات الجمال وذوات صلاح وعفاف..وهن يقصدن الطواف بالبيت في كل ليلة جمعة فيأتين في أحسن زي، وتغلب على الحرم رائحة طيبهن، وتذهب المرأة منهم فيبقى أثر الطيب بعد ذهابها عميقًا". ويتحدث ابن بطوطة عن الأطر التي تسير الحياة في مكة، فيذكر قاضي مكة، وخطيبها، وكذلك إمام الموسم، وهو الذي يعهد إليه بعلاج كل القضايا المهمة التي تطرح في موسم الحج.
ويتحدث ابن بطوطة أيضًا عن طباع أهل مكة وسماتهم في الطعام، فيقول أنهم لا يتناولون الطعام في اليوم إلا مرة واحدة بعد العصر فقط، أما بقي اليوم يتناولون بعضًا من حبات التمر، يعلق ابن بطوطة على ذلك قائلًا "لذلك صحت أبدانهم، وقلت بينهم الأمراض والعاهات".
يخبرنا ابن بطوطة عن عادات أهل مكة في استقبال شهر ذي الحجة، فتضرب الطبول في أوقات الصلوات إشعارًا بالموسم المبارك وحتى يوم الصعود لعرفات، أما في اليوم السابع من ذي الحجة فكان الخطيب يخطب بعد صلاة الظهر خطبة يعلم الناس فيها مناسك الحج، وفي اليوم التالي يبكر الناس بالصود إلى منى، وتقع المباهاة والمفاخرة بين أهل مصر والشام والعراق في إيقاد الشموع، يقول ابن بطوط ان أهل الشام دائما يتفوقون في ذلك.
أما في حجته عام 732 هـ فيحكي ابن بطوطة أن تلك السنة قد حج أيضًا الملك الناصر سلطان مصر مع امرائه، وهي آخر حجة حجها الناصر، وأجزل فيها العطاء لأهل الحرمين الشريفين والمجاورين، وفيها أيضًا قتل الناصر ابنه الأمير أحمد وكبير أمرائه بكتمور الساقي. وكانت آخر حجات ابن بطوطة عام 749هـ سافر فيها من القاهرة إلى بلاد الصعيد، ثم إلى عيذاب، وعبر البحر وصل إلى جدة ومنها إلى مكة.
فيديو قد يعجبك: