في ذكرى ميلاده.. شيخ الأزهر محمد عبدالرحمن بيصار تلميذ الإمام محمد عبده
إعداد- سارة عبدالخالق
في ذكرى ميلاد أحد مشايخ الأزهر الشريف الذين لهم تأثير علمي واضح، وكان لهم دور بارز في النهوض بالأزهر نهضة كبيرة سجلها لهم التاريخ، العالم الجليل المتخصص في الفلسفة الإسلامية.. تلميذ مفتي الديار المصرية الشيخ محمد عبده، الدكتور الشيخ محمد عبدالرحمن بيصار.
أثنى عليه رئيس الأشاعرة في عصره العلامة أ. د. علي سامي النشار، في موسوعته الفلسفية العظيمة: (نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام) قائلا: "وفي حركة البعث الكبيرة للعالم الإسلامي الخالص، يقوم علماء أزهريون بمجهود علمي جبار في إحياء وبعث (الفكر الإسلامي)، أما أولهم، فهو الأستاذ الدكتور محمد عبدالرحمن بيصار في أبحاثه المتعددة الممتازة عن (ابن رشد) وتوضيح حقيقة فكره وعن (الغزالي) وفكره وفلسفته".
ونظرًا لثقافة الشيخ بيصار العلمية الواسعة، فقد عهدت إليه الحكومة السودانية إنشاء الدراسات العليا بجامعة أم درمان الإسلامية، فأقامها على أسس علمية.
هو محمد عبدالرحمن بيصار الأشعري الشافعي، ولد في 20 أكتوبر من عام 1910 م، بمدينة السالمية، مركز قرة، بمحافظة كفر الشيخ، حفظ القرآن الكريم، ثم التحق بمعهد دسوق الديني الذي نجح فيه، ثم ألحقه والده بمعهد طنطا ليستكمل فيه دراسته الثانوية، وكان محبا للتأليف والكتابة، فألف راوية تحمل عنوان (بؤس اليتامى)، ما أدى إلى ضيق أساتذته منه لانشغاله بالتأليف، مما دفعهم إلى إجراء تحقيق معه، وكانت نتيجته أنه ترك معهد طنطا، وانتقل منه إلى معهد الإسكندرية الذي وجد فيه عقولا على عكس ذلك تشجع المواهب الفكرية، وفقا لما جاء على الموقع الرسمي لدار الإفتاء المصرية في قسم (التراجم والسير).
وبعد استكمال دراسته بمعهد الإسكندرية، التحق بكلية أصول الدين وتخرج فيها بتفوق سنة 1949 م، ثم عين مدرسا بها، فلفت أنظار الأساتذة وشد انتباه الطلبة آنذاك، وفي نفس العام اختاره الأزهر ضمن بعثة تعليمية إلى إنجلترا، وانتقل هناك بين عدة جامعات إنجليزية، ودرس، وتعلم كثيرا من العلم هناك، حتى استقر في كلية الآداب بجامعة أدنبره، وحصل على درجة الدكتوراه، ثم عاد بعدها إلى بلاده، وأصبح أستاذا بكلية أصول الدين.
ثم ترشح في عام 1955م، ليكون مديرا للمركز الثقافي الإسلامي بواشنطن، وبالفعل شغل هذا المنصب لمدة أربع سنوات، استطاع فيها أن يحظى باحترام وتقدير كل من حوله، وجعل من المركز منارة لجميع الطوائف الدينية بالخارج، ثم بعد انتهاء تلك السنوات عاد مرة أخرى إلى مصر أستاذا بكلية أصول الدين.
ثم اختاره الأزهر في عام 1963م رئيسا لإحدى البعثات التعليمية في ليبيا، ثم في عام 1968م، صدر قرار جمهوري بتعيينه أمينًا عامًّا للمجلس الأعلى للأزهر، وفي سنة 1970م صدر قرار جمهوري بتعيينه أمينًا عامًّا لمجمع البحوث الإسلامية، واستطاع في هذا المنصب أن يقوم بنهضة علمية كبرى، كما أشرف على إصدار عشرات المصنفات العلمية القيمة، وتحقيق طائفة من أمهات مصادر التراث الإسلامي الخالد، وفقا لما جاء في المصدر السابق ذكره.
وأضاف الموقع أنه في سنة 1974م: " خلا منصب وكيل الأزهر، فصدر قرار جمهوري بتعيينه وكيلا للأزهر، فوكيل الأزهر هو المعاون الأول لشيخه، والمتولي تنفيذ قراراته، والقائم بعمله، حين غيابه أو مرضه، وكان الدكتور بيصار الساعد الأيمن للدكتور عبدالحليم محمود وموضع ثقته، وكان يستشيره في الأمور المهمة، ويأخذ برأيه، ولهذا طلب تجديد خدمته أكثر من مرة إلى أن صدر قرار جمهوري بتعيينه وزيرًا للأوقاف وشؤون الأزهر في 15 من أكتوبر 1978م"، ثم عين في 1979 م، شيخا للأزهر بعد وفاة الشيخ الإمام عبدالحليم محمود.
وعندما تقلّد منصب شيخ الأزهر، قام في بداية أعماله بتأليف لجنة كبرى لدراسة قانون الأزهر ولائحته التنفيذية ليستطيع الأزهر البدء في أداء رسالته العَالَمية الكبرى، وجعل في أولوية اهتماماته دراسة قانون تطوير الأزهر ولائحته التنفيذية لتعديله، بما يحقق له الانطلاق دون معوقات في أداء رسالته الداخلية والعالمية، واستطاع أن يرسي ويرسخ قواعد المنهج العلمي والفلسفي في الأزهر، ونهض بالأزهر نهضة سجلها له التاريخ.
· تسجيل نادر للشيخ محمد عبدالرحمن بيصار من برنامج مع كتاب الله عام 1969 م
وللشيخ محمد عبد الرحمن بيصار مؤلفات عديدة أثرى بها المكتبة الإسلامية، تمت صياغتها بأسلوب دقيق وواضح، وفي نفس الوقت يصل إلى عقول القراء بسهولة منها: (الوجود والخلود في فلسفة ابن رشد) و(العقيدة والأخلاق في الفلسفة الإسلامية) و(الحقيقة والمعرفة على نهج العقائد النسفية) و(تأملات في الفلسفة الحديثة والمعاصرة) و(العالم بين القدم والحدوث) و(الإمكان والامتناع)، وفقا لما جاء في موقع ektab.
وكان للشيخ محمد عبدالرحمن بيصار بحث مميز بعنوان (إثبات العقائد الإسلامية) قدمه في المؤتمر الخامس لمجمع البحوث الإسلامية المنعقد في 28 من فبراير سنة 1970م، ويتلخص البحث في 3 مناهج، وهي: "منهج المتكلمين الذين يعتمدون على النص مع احترامهم للعقل، ومنهج الفلاسفة الذين يعتمدون أوَّلا على العقل مع إيمانهم بالنص، ومنهج الصوفية الذين يعتمدون على الرياضة الروحية والمجاهدة النفسية، وخلص من نتائج بحثه إلى أن الحرية الفكرية التي منحها الإسلام لأتباعه في شؤون عقيدتهم تأتي تحت ضوابط أساسية، هي: حث القرآن الكريم الإنسان على التأمل والتفكير في ملكوت السموات والأرض، وإشادة الإسلام بفضل العلم والمعرفة وتعظيمه لشأن العلماء، ورد شبهات الوافدين على الإسلام والمنحرفين عنه بمنطق عقلي رشيد"، وفقا لموقد دار الإفتاء المصرية.
حصل الشيخ محمد عبد الرحمن بيصار على قلادة الجمهورية من الطبقة الأولى الذي كرمه بها وقتها الزعيم الراحل محمد أنور السادات، وفقا لما جاء في مجلة الأزهر عام 1981 م.
توفي الشيخ الإمام محمد عبدالرحمن بيصار في 7 مارس سنة 1982م.
فيديو قد يعجبك: