في ذكرى مولدها .. السيدة نفيسة حفيدة النبي ومقصد المصريين
بقلم – هاني ضوه:
مما حبا الله به مصر أن تشرفت بقدوم آل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فحلت بركتهم فيها وأنارت بهم الديار المصرية.
ومن هؤلاء الكرام السيدة نفيسة رضي الله عنها، حفيدة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، من ذرية الإمام الحسن بن علي رضي الله عنه، التي تحتفل مصر بمولدها اليوم، فقد كانت قبلة العلماء وطالبي العلم ومقصد المصريين في الساق والحاضر ينهلون من علمها ومن هؤلاء الإمام الشافعي الذي كان كلما حل به خطب يرسل إليها يطلب الدعاء. واستمر نهج المصريين هكذا حتى يومنا هذا، كلما حل بهم خطب ذهبوا إلى مقام السيدة نفيسة رضي الله عنها يتشفعون إلى الله بها.
ولدت السيدة نفيسة رضي الله عنها بمكة المكرمة، 11 من ربيع الأول سنة 145 هجرية، ونشأت بالمدينة المنورة، فكانت تذهب إلى مسجد جدها صلى الله عليه وآله وسلم لتحفظ القرآن الكريم وتتفقه على أيدي العلماء هناك، فبرعت ونبغت حتى لقبوها بـ"نفيسة العلوم".
وقد تزوجها ابن عمها اسحاق المؤتمن بن الإمام جعفر الصادق بن الإمام محمد الباقر بن الإمام علي زين العابدين بن سيدنا الإمام الحسين بن الإمام علي بن أبي طالب أمير المؤمنين وابن سيدتنا فاطمة الزهراء البتول ابنة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
أما هي رضي الله عنها فهي السيدة نفيسة بنت السيد الحسن الأنور بن الإمام زيد الأبلج بن الإمام الحسن بن الإمام علي بن أبي طالب أمير المؤمنين، وابن سيدتنا فاطمة الزهراء البتول ابنة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
كان الإمام الشافعي رضي الله عنه إذا مرِض يرسِلُ لها رسولاً من عندِه، كالربيع الجِيزي أو الربيع المُرادِيّ، فيقرئها سلامَه، ويقول لها: إن ابن عمّك الشافعي مَرِيض، ويسألُك الدّعاء فتَدعو له، فلا يرجِعُ إليه رسولُه إلا وقد عُوفي مِن مَرضِه.
فلمّا مَرض الشافعيُّ مرضَه الأخير، أرسلَ لها على عادتِه رسولَه يسألها الدعاءَ له، فقالت لرسولهِ: متّعَه الله بالنظَر إلى وجهِه الكريم.
وكان قدوم السيدة نفيسة إلى مصر في شهر رمضان من عام 193 للهجرة، وقد احتفل بقدومها أهل مصر احتفالًا مهيبًا حتى إنهم خرجوا إلى مدينة العريش لاستقبالها حتى وصلت إلى مدينة الفسطاط في القاهرة، وأصبح منزلها الذي نزلت فيه (دار أم هانئ) محط طلاب العلم والحديث والعلماء كذلك يطلبون منها العلم.
وازداد تزاحم الناس وطلبة العلم على بيتها فخافت السيدة نفيسة أن يشغلها لقاء الناس عن عبادتها وأورادها، فخرجت على الناس قائلة: «كنت قد اعتزمت المقام عندكم، غير أني امرأة ضعيفة، وقد تكاثر الناس حولى فشغلونى عن أورادي وجمع زاد ميعادي، وقد زاد حنينى إلى روضة جدي».
حينها فزع الناس لقولها وخرج الألوف يناشدونها البقاء ويتوسلون بزوجها لتقبل البقاء بينهم، حتى تدخل والي مصر فوهبها دارًا أكبر لا تضيق بزوارها، واتفق معها على تخصيص يومين أسبوعيا للزيارة، فلا تمنع الناس علمها، ولا تضن عليهم بفضلها، وتحفظ لنفسها في الوقت ذاته حظها من العبادة والقربى لربها.
وعن عبادتها تقول زينب بنت أخيها يحيى المتوج، والتى كانت منقطعة لخدمتها: «خدمت عمتى أربعين عاما فما رأيتها نامت بليل، ولا أفطرت بنهار إلا في العيدين وأيام التشريق». وحجت السيدة نفيسة 30 حجة وأكثرها وهي تمشي على أقدامها.
فى صحن دارها، حفرت السيدة نفيسة رضي الله عنها قبرها بيدها، وكانت تنزل فيه وتصلى كثيرًا، حتى إنها قرأت فيه المصحف مائة وتسعين مرة وهي تبكى بكاء شديدًا.
وفي شهر رجب سنة 208هـ مرضت السيدة نفيسة وظل المرض يشتدّ ويقوى حتى أول أيام شهر رمضان، فأحضروا لها الطبيب فأمرها بالإفطار، فقالت: "واعجباه .. إن لي ثلاثين سنة وأنا أسأل الله أن يتوفاني وأنا صائمة.. أفأفطر؟! ".
كان وراء ستار لها قبر حفرتها بنفسها وكانت تتم فيه القرآن الكريم، فأشارت إليه وقالت "هذا قبري، وها هنا أُدفن إن شاء الله، فإذا متُّ فأدخلوني فيها" ، وبينما كانت تتلو سورة الأنعام ، حتّى إذا بلغت قوله تعالى: {لَهُمْ دَارُ السَّلاَمِ عِندَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} توفّيت.
وبعد وفاتها رضي الله عنها عزم زوجها إسحاق بن الإمام جعفر الصادق على حملها إلى المدينة ليدفنها هناك، فسأله المصريون بقاءها عندهم، وقيل إن زوجها لم يرض، وهنا حصلت الرؤيا .. فقد رأى زوحا النبي صلى الله عليه وآله وسلم في منامه وهو يقول له: "يا إسحق لا تعارض أهل مصر في نفسية، فإنّ الرحمة تنزل عليهم ببركتها"، فدُفنت السيدة نفيسة في مسجدها الشهير في المكان الذى كان يعرف بـ "درب السباع" في بيتها وفي القبر الذي حفرته بأيديها وختمت فيه القرآن أكثر من 190 مرة.
فيديو قد يعجبك: