في ذكرى وفاته.. الإمام "الأوزاعي" وموقفه من "السفاح" ورفضه القضاء في عهد العباسيين
كتبت – آمال سامي:
"كان الأوزاعي كأنه أعمى من الخشوع".."كان يُحيي الليل صلاة وقرآنًا"، هكذا كان يصف العلماء عبادة الإمام الأوزاعي فقيه أهل الشام واجتهاده فيها، واليوم تحل ذكرى وفاته في في السابع والعشرين من صفر، وقد ولد الأوزاعي ببعلبك عام 88 هجريًا وعاصر رحمه الله عدد من الصحابة، ونشأ بالكرك وعاش في دمشق ثم انتقل بعدها إلى بيروت وظل فيها حتى وفاته، وبلغ ورعه أن شهد له الإمام مالك أنه كان أصلح الناس لخلافة المسلمين، ويروي ذلك الإمام أحمد بن حنبل قائلًا: دخل سفيان والأوزاعي على مالك، فلما خرجا قال مالك: أحدهما أكثر علمًا من صاحبه ولا يصلح للإمامة والآخر يصلح للإمامة.
الإمام "الأوزاعي" وموقفه من العباسيين و"السفاح"
كانت للإمام الأوزاعي قصة وموقف مع الحق في نهاية عهد بني أمية، فحين تغلب أبي العباس السفاح على بني أمية في الشام وأزال دولتهم، طلب عمه عبد الله بن علي الإمام الأوزاعي حتى يأتيه، فتأخر ثلاثة أيام كاملة ثم حضر إليه، وكان قد قتل من بني أمية يومها أكثر من سبعين رجلًا، فيروي لنا ابن كثير في البداية والنهاية تفاصيل حوارهما، فيقول عبد الله بن علي: يا أوزاعي ما ترى فيما صنعنا من إزالة أيدي أولئك الظلمة عن العباد والبلاد؟ أجهادًا ورباطًا هو؟ فقال الأوزاعي: أيها الأمير، سمعت يحيى بن سعيد الانصاري يقول، سمعت محمد بن إبراهيم التيمي يقول، سمعت علقمة بن وقاص يقول، سمعت عمر بن الخطاب يقول، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها، فهجرته إلى ما هاجر إليه".
فغضب عبد الله بن علي، ثم قال: يا أوزاعي، ما تقول في دماء بني أمية؟ فقال الأوزاعي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والتارك لدينه المفارق للجماعة".
فاستشاط الأمير غيظًا، ثم قال: ما تقول في أموالهم؟ فقال الأوزاعي: إن كانت في أيديهم حرامًا فهي حرام عليك أيضًا، وإن كانت لهم حلالاً فلا تحل لك إلا بطريق شرعي.
وعرض عم السفاح على الأوزاعي القضاء، إلا أنه رفض رفضًا دبلوماسيًا لكنه حاسم أيضًا، إذ أخبره أن أسلافه الأمويين لم يشقوا عليه بهذا المنصب وأنه يحب أن يتابع ما بدأوه معه بإحسان، فيعفيه منه، وكان الأوزاعي في الفترة التي استضافه فيها الرجل صائمًا، وعرض عليه أن يفطر عنده لكن الأوزاعي أبى أن يأكل معه، ثم خرج الأوزاعي وتبعه رسول من عم السفاح ومعه أموالًا تبلغ مائتي دينار، فيقول الأوزاعي: تصدقت بها، وإنما أخذتها خوفًا.
وكان الأوزاعي يقول لابنه: يا بني لو كنا نقبل من الناس كل ما يعرضون علينا لأوشك أن نهون عليهم، فهكذا حافظ الاوزاعي طوال حياته على استقلاله الفكري وعدم استغلاله في الصراعات السياسية حتى وفاته في بيروت عام 157 هـ، وكان حينها يبلغ 69 عامًا.
فيديو قد يعجبك: