مراكز البحوث الأوروبية والأمريكية تعيد النظر في مفاهيمها
بدأت مراكز البحوث السياسية فى أوروبا والولايات المتحدة تهتم فى الفترة الأخيرة بإعادة النظر فى فهمها للإرهاب وكيفية التعامل معه، بعد أن تأكدت بأن الأساليب القديمة فى فهم الإرهاب تضع هذه الدول فى ورطة خطيرة.
من أهم أسبابها أن الإرهاب لم يعد مجرد ظاهرة قائمة بذاتها تهدد الأمن القومى لهذه الدول، لكنه تحول إلى حلقة متشابكة ترتبط بها حلقات أخرى وتمثل جميعها معا شبكة دولية بينها تنسيق تضم إلى جانب الإرهاب، عصابات الجريمة المنظمة ومهربى المخدرات، ومما اكتشفته هذه المراكز أن الخطأ الأكبر الذي وقعت فيه هذه الدول وهى ترسم سياساتها تجاه الإرهاب، أنها فصلت بين الأمن الداخلي والأمن الخارجي، بمعنى تعاملها مع الإرهاب فى الداخل باعتباره عدوا، بينما تجاهلت طويلا الأعمال الإرهابية فى الخارج، طالما أن تهديده لدول أخرى ويحدث بعيدا عن حدودها.
وعلى سبيل المثال فإن القانون البريطانى لا يجرم الإرهابيين إذا تواجدوا فى بريطانيا طالما أن تصرفاتهم تحدث خارج البلاد وليس داخلها، ومثال آخر يتعلق بالولايات المتحدة، التى إعتبرت أن تنظيم القاعدة والتنظيمات المرتبطة به تمثل خطرا عليها، لكنها تركت هذه التنظيمات تتوسع وتنتشر فى سوريا، طالما أنها تمارس نشاطها بعيدا عن حدودها ولا تهدد مواطنين أمريكيين، وفى مقدمتها تنظيم داعش، إلى أن زادت خطورته إلى الحد الذى وسع عملياته فى العراق بدرجة تتناقض مع كل القواعد والقوانين الإنسانية، وبما يهدد وحدة الدولة العراقية، ولم يتخذ أوباما قرارا بالتدخل بضرب داعش إلا عندما وصلت العمليات الدموية لداعش إلى تهديد أمريكيين موجودين فى العراق وبصفة خاصة فى المناطق الكردية.
من بين المراكز التى خصصت دراسات لورطة الدول الغربية فى التعامل مع الإرهاب «كلية العلاقات السياسية والدولية» فى بريطانيا، والتى نشرت دراسة تقول أن زيادة التشابك بين مصادر تهديد الأمن القومى، الجريمة المنظمة والإرهاب وتهريب المخدرات، قد أحدثت قلقا متزايدا لدى الدول الغربية التى لم تبلور لنفسها حتى الأن سياسة تعتبر أن هذه المصادر مرتبطة ببعضها وبينها تنسيق فى الوقت الحاضر، وترى الدراسة أن الطريق الوحيد للتعامل مع هذه التهديدات هو التعاون الدولى مع مختلف الأطراف فى العالم. فقد تزايدت المنظمات الإرهابية بشكل كبير، خاصة فى منطقة الشرق الأوسط، وبالتحديد فى عدد من الدول العربية، وهى منظمات لا تنتمى إلى وطن، لكنها تتخذ موقفا عدائيا من دول مختلفة، وتهدف إلى فرض سيطرتها على المناطق التى تتواجد فيها من خلال القتل والتدمير، وهو ما نشهده بشكل واضح الأن فى العراق وليبيا وسيناء بالإضافة إلى سوريا لتنتقل فيما بعد إلى الدول الغربية التى كانت تظن أنها بمأمن.
وتشير الدراسة إلى أن السبيل الوحيد للقضاء على هذه المنظمات التى تزداد عنفا ودموية هو توجيه ضربات قاضية لها باستخدام كل الأسلحة المتاحة، ومن بين المؤسسات التى شغلت مؤخرا أيضا بهذه المشكلة «جامعة ستانفورد» الأمريكية، التى أعلنت فى دراسة لها أن مشاكل الإرهاب والأمن القومى تحتل الأن الأولوية فى الأجندة السياسية لكثير من دول العالم، وأنه يجرى حاليا دراسة متعمقة فى هذه الدول لبحث العلاقة بين الأمن القومى والإرهاب، والبحث عن تطوير سياسات مكافحة الإرهاب، وحاليًا لم تعد مراكز البحوث المهتمة بهذه الدراسات تتجاهل العلاقات السرية القديمة بين مخابرات دول غربية مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وغيرها، وبين منظمات إرهابية فى دول الشرق الأوسط، والكشف عن السياسات التى إتبعتها هذه الدول الغربية طويلا فى التعامل مع المنظمات الإرهابية.
فهناك دراسات أمريكية تحدثت عن طبيعة العلاقة بين المخابرات الأمريكية وجماعة الإخوان المسلمين، وقالت أن هناك علاقة مؤكدة بين جماعة الإخوان وبين تنظيم القاعدة، بالإضافة إلى أن الولايات المتحدة استخدمت الإخوان ومنظمات أخرى تعمل تحت لواء الإسلام السياسي بإرسالهم للقيام بعمليات فى منطقة البلقان خلال فترة التسعينيات خلال حرب كوسوفو والبوسنة، حين قررت الإدارة الأمريكية وقتها أن تتدخل عسكريا ضد صربيا.
وكثير من هؤلاء الأفراد الذين قامت الولايات المتحدة بإرسالهم إلى حرب البلقان، أحضرتهم جماعة الإخوان من أفغانستان بطلب من الإدارة الأمريكية، ومنهم كثيرون من أعضاء تنظيم القاعدة، وقدمت الولايات المتحدة السلاح والمال والتدريبات العسكرية، ونشر كل هذا فى صحف ووثائق أمريكية، والخلاصة هي أن التعامل مع منظمات الإرهاب لخدمة أهداف أمريكية كان من أسباب الإنتشار الخطير لهذه المنظمات الإرهابية. كما تجاهلت السياسة الأمريكية لسنوات طويلة حقيقة أنه لا يوجد ضمان للسيطرة على جماعات أصبحت حرفتها هى سفك الدماء وقتل الأبرياء.
فيديو قد يعجبك: