المفتي السابق يرد على من يدعي أن زيارة قبر النبي تُعد شِركاً
كتب ـ محمد قادوس:
ورد سؤال إلى دار الإفتاء المصرية يقول: "جاء بعض المغرضين وبعض أدعياء العلم يقومون بنشر البلبلة في مسائل تختص بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومن ذلك أنهم يدعون أن زيارة المدينة المنورة مِن أجل النبي صلى الله عليه وآله وسلم تُعَدُّ شركًا، وأن فاعل ذلك مشرك. فنرجو بيان حكم الشرع."
وقد أجاب فضيلة الأستاذ الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق، أثناء رده علي هذا السؤال علي بوابة دار الإفتاء المصرية، :قائلاً إن السفر لزيارة النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو مِن أفضل الأعمال، وأَجَلِّ القُرُبات الموصلة إلى ذي العظمة والجلال، ومشروعيتها محل إجماع بين علماء الأمة، وقد حكى الإجماعَ على ذلك القاضي عياض والحافظ ابن حجر العسقلاني وغيرهم، بل حتى ابن تيمية -الذي نُسِب إليه القول بحرمتها- نقل الإجماع على مشروعية ذلك في سياق دعواه الفرقَ بين زيارة قبر المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وزيارة غيره من القبور، وعبارته في ذلك: [السَّفَرُ إلى مَسجِدِه الذي يُسَمَّى السَّفَرَ لزِيارةِ قَبرِهِ صلى الله عليه وآله وسلم هو ما أَجمَعَ عليه المُسلِمُونَ جِيلًا بَعدَ جِيلٍ] اهـ. مِن "مجموع الفتاوى" (27/ 267)، قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" بعد أن نقل دعوى تحريم الزيارة الشريفة عن ابن تيمية: [وهي مِن أَبشَعِ المَسائِلِ المَنقُولةِ عن ابن تَيمِيةَ] اهـ.
ومما يدل على مشروعية الزيارة النبوية -بما في ذلك السفر إليها- قوله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا﴾ [النساء: 64]؛ فهذه الآية عامة تشمل حالة الحياة وحالة الوفاة، وتشمل كذلك السفر وعدمه، وتخصيصها بحالة دون غيرها تخصيص بلا مخصص فلا يُقبل، والعموم فيها مستفاد من وقوع الفعل في سياق الشرط، والقاعدة المقررة في الأصول أنَّ الفعل إذا وقع في سياق الشرط كان عامًّا؛ لأن الفعل في معنى النكرة لتضمنه مصدرًا مُنكَّرًا، والنكرة الواقعة في سياق النفي أو الشرط تكون للعموم وضعًا.
وقد ورد في الزيارة النبوية وإفرادها بالقصد أحاديث كثيرة:
منها حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَن زار قَبرِي وَجَبَت له شفاعتي» رواه الدارَقُطني، وفي رواية: «مَن جاءني زائرًا لا تَحمِلُه حاجةٌ إلا زِيارتي كان حَقًّا عَلَيَّ أَن أَكُونَ له شَفِيعًا يوم القيامة» رواه الطبراني، وفي رواية: «مَن زارَ قَبرِي بعد موتي كان كمَن زارَني في حياتي»، وهي أحاديث لها طرق كثيرة يقوي بعضها بعضًا وصحَّحَها كثير من الحفاظ كابن خزيمة وابن السكن والقاضي عياض والتقي السبكي والعراقي وغيرهم.
وأما قوله صلى الله عليه وآله وسلم في حديث البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه: «لا تُشَدُّ الرِّحالُ إلا إلى ثَلاثةِ مَساجِدَ: المَسجِدِ الحَرامِ، ومَسجِدِ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ومَسجِدِ الأَقصى»، فإنما معناه: لا تشد الرحال إلى مسجد لأجل تعظيمه والتقرب بالصلاة فيه إلا إلى المساجد الثلاثة لتعظيمها بالصلاة فيها.
وفي حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في "زوائد البزار" مرفوعًا بلفظ: «أنا خاتمُ الأنبياء، ومسجدي خاتمُ مساجد الأنبياء، أحقُّ المساجد أن يُزارَ وتُشَدُّ إليه الرَّواحِلُ: المسجدُ الحرام ومسجدي، صلاةٌ في مسجدي أفضلُ مِن ألف صلاةٍ فيما سواه مِن المساجد إلا المسجدَ الحرام».
وبناء على ذلك: فإن السفر للزيارة النبوية أمرٌ مشروع بالكتاب والسنة وإجماع الأمة، والقول بمنع ذلك قولٌ باطل لا يُعَوَّلُ عليه ولا يُلتَفَتُ إليه.
فيديو قد يعجبك: