العلاقة تقوم بين الإنسان والكون على التوافق والانسجام .. المفتي السابق يوضح
كتب.- محمد قادوس
قال فضيلة الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء، إن العلاقة تقوم بين الإنسان والكون على التوافق والانسجام، فمنذ هبط الإنسان إلى الأرض وقد ارتبط تطوره العقلي والحضاري بحسن توافقه وتكيفه مع الآخر من حوله، وحسن استخدامه وانتفاعه بمفردات الحياة.
وأضاف جمعة، عبر صفحته الشخصية على فيسبوك، إن المسلم يتعامل مع مخلوقات الله من منطلق الشعور بالمساواة معها والمشاركة في العبودية لإله واحد، فهو يتوجه بالحب إلى الله، ومن خلال ذلك الحب يتوجه بالحب إلى ما أبدع وصنع، ولذلك نراه يستوي عنده ضعف المخلوقات وقوتها، حقارتها وعظمتها؛ لأن نظره لا يتعلق بها بل يتعلق بخالقها القوي الحكيم، فالمسلم يقدس من عالم الأشياء المصحف والكعبة وقبر النبي محمد × ونحوها؛ لمكانتها عند الله ، وتقديسه لها يجمع بين الاحترام والحب.
وقد بين جمعه هذه النقاط ومن أولها:
أ – لقد أعطى النبي ﷺ أصحابه درسًا في حب الجماد والتفاعل معه ومجاوبته حينما حن إليه الجذع ومال، فَعَنْ جَابِرٍ: (كَانَ الْمَسْجِدُ مَسْقُوفًا عَلَى جُذُوعٍ مِنْ نَخْلٍ، فَكَانَ النَّبِىُّ ﷺ إِذَا خَطَبَ يَقُومُ إِلَى جِذْعٍ مِنْهَا، فَلَمَّا صُنِعَ لَهُ الْمِنْبَرُ، وَكَانَ عَلَيْهِ، فَسَمِعْنَا لِذَلِكَ الْجِذْعِ صَوْتًا كَصَوْتِ الْعِشَارِ، حَتَّى جَاءَ النَّبِىُّ ﷺ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا، فَسَكَنَتْ).
ب - عندما مر النبي ﷺ على جبل أحد، وعلى الرغم من أنه كان موطنا أصاب المسلمين فيه قرحٌ وأصاب النبيَّ جرحٌ، واستشهد عليه عمه حمزة بن عبد المطلب فحزن النبي لذلك، إلا أنه أشار إليه وقال: (هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ).
فالجبل أحب المسلمين، والمسلمون يحبون هذا الجبل، على الرغم من أن ما حدث في موقعة أحد كان أدعى أن يتشاءم المسلمون منه.
ج – لم يكن هذا الأمر من التفاعل مع الجماد في البيئة الإنسانية مقصورا في حياة رسول الله ﷺ بعد بعثته، بل وقبلها فقد قال ﷺ: )إِنِّى لأَعْرِفُ حَجَرًا بِمَكَّةَ كَانَ يُسَلِّمُ عَلَىَّ قَبْلَ أَنْ أُبْعَثَ إِنِّى لأَعْرِفُهُ الآنَ(.
واوضح جمعه، إن النبي يذكر أنه لم يتجاهل الحجر بعد البعثة، بل ظل يعرفه ويتعلق به، ليس إلا أنه مخلوق لله أحبه وعظمه، وكان يسلم عليه قبل بعثته مبشرا له ومعلما بما سَيُكَلَّفُ به النبي من تحمل الرسالة وأدائها.
وفي نهايه حديثه قال فضيله المفتي، أن الجماد له احترامه في تصور المسلم للوجود، وقد تعلقت كثير من العبادات بالمكان والزمان، وأوضح مثال على ذلك حركة المسلم في طوافه حول الكعبة، فإنها حركة تشبه كثيرا حركة النجوم والأجرام السماوية في أفلاكها حول مركزها، وتشبه أيضا حركة الإلكترونات في مساراتها حول النواة داخل الذرة، مما يعكس صورة رمزية لوحدة البناء بين أعظم المخلوقات وأدقها، فينطق بأنه سبحانه خالق كل شيء، وأن الكون عبارة عن مسجد كبير اشتركت فيه الكائنات سجودا وتسبيحا لخالقها.
وأن الإنسان وجميع الموجودات خاضعون لقانون واحد وسنة واحدة تتحكم في تحركهم وسكونهم، وهذا النظام يعبر عن وحدة الخالق، وتظهر فيه سنن الله في خلقه. فلكل موجود ممكن دورة حياة، تبدأ بالوجود ثم النماء ثم الضمور فالموت، وهو أمر يصيب كل شيء من حولنا، سواء في ذلك الجماد والحيوان والإنسان، حتى النجوم والمجرات لها أعمار وآجال، بانتهائه تدخل في دورة حياة كائنات أخرى، وتفقد صورتها الأولى وتتحول إلى صور أخرى متعددة.
فيديو قد يعجبك: