في وداع ربيع الأنور.. د. علي جمعة: إن غاب عنا بجسده لا تغيب عنا سُنّته
كتب - إيهاب زكريا:
قال الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق، عضو هيئة كبار العلماء، في وداع شهر ربيع الأنور الذي شهد ميلاد خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد- صلى الله عليه وسلم- إن الأيام تمضي سريعًا، وها هي الجمعة الأخيرة نلتمس فيها من كان حول النبي ﷺ ونأخذ منهم العبرة التي تساعدنا في ورطتنا التي نحن فيها؛ فإننا حول النبي ﷺ، وإن غاب عنا بجسده لا يغيب عنا بسنته وشريعته، وإن تناءت الديار وبعُدت المسافات عن مثوى الحبيب المصطفى ﷺ، فهو في قلوبنا وعقولنا ونفوسنا، في كل زمانٍ ومكان، لا باب إلى الله سواه، ولا نبي بعده، ولا هادي إلى طريق الحق إلا إياه ﷺ ، سُدَّت الطرق إلا طريقه، وانتهت الشرائع إلا شرعه، وما رضي الله - سبحانه وتعالى - بغير الإسلام دينا.. تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها.. لا يزيغ عنها إلا هالك.
وأضاف جمعة، عبر صفحته الرسمية على "فيسبوك"، أننا نريد أن نلتمس صفات من حوله ﷺ، خصوصا في حال قصورهم؛ فإننا مقصرون، وشأننا شأن المقصرين ممن كانوا حوله، وربنا - سبحانه وتعالى - عندما نبّه على تقصيرهم- إنما كان يعني أمثالنا ممن قصّر في حق النبي ﷺ .
وكتب فضيلة المفتي السابق: رسول الله ﷺ يجب علينا أن نلتمس سنته وشريعته، وأن نفهم مراد ربنا من كلامه ومن وحيه لنبيه ﷺ حتى نطبقه، إلا أن كثيرًا من المسلمين -ونرجو أن يعودوا إلى حظيرة الله، وإلى حظيرة الدين، وإلى حظيرة النبي المصطفى ﷺ وكأنه يسعى لمخالفة سنة النبي ﷺ في نفسه وأهل بيته، في جوارحه وأفكاره ونفسه؛ يقول بلسانه إنه مسلم، وقد يقتنع بعقله، إلا أنه لا يتحرك في إطار ذلك الإسلام، ولم يغير فيه الإسلام ما يجعله عبدًا ربانيًّا كالأوائل؛ خرجوا للعالم فأخرجوه من الظلمات إلى النور، وكانوا مثالاً صالحًا للعبد الصالح.
يذكر ربنا في هذا الشأن {وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.
وتابع فضيلته: آيات بينات تصف حالنا قبل أن تصف حالهم .. كتاب ربنا لم ينزل لعصرٍ معين ولا يتكلم عن أقوامٍ بعينهم ؛إنما يتكلم للبشرية جمعاء إلى يوم الدين.
هذه الآيات وكأنها تصف حالنا في عصرنا النكد {يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ} يقولون بألسنتهم ما في عقولهم، ولم يصل إلى إيمانهم وأرواحهم، يقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا وبعد ذلك لا نرى أثرًا لهذا الإيمان، ولا نرى أن هذا الإيمان قد حرك النفس المؤمنة لعبادة الله، ولا لعمارة الأرض، ولا لتبليغ الدعوة التي أمر الله أن تُبلَّغ بين الناس، ولا أن يغير ما بنفسه حتى يغير الله حاله، ولا أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ولا بأن يتخلق بأخلاق النبوة التي أتى النبي ﷺ ؛ ليكون الأسوة الحسنة فيها، ولا شيء إطلاقًا نراه بعد هذه المقولة التي لم تتعدَّ اللسان.
{آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا} كلام لطيف، ولكن أين العمل؟! أين تغيير النفوس؟! لا وجود له .. هل كانوا بذلك منافقين؟ أبدًا .. لأنهم بعد ما قالوا ذلك يعبر ربنا بكلمة {ثُمَّ} يعني بعد ذلك عندما أتت المواقف وأتى الاختبار العملي رأيناهم قد رسبوا في الامتحان وفشلوا في الاختبار {ثُمَّ يتولى فريق منهم} ثم نرى منهم ومنهم، وليسوا جميعًا؛ لأن الامتحان درجات والمواقف كثيرة؛ نراهم يتولون ويعرضون ويجعلون إسلامهم واقفًا عند حد لسانهم وقولهم، دون أن يتعدى إلى شئٍ آخر {مِّن بَعْدِ ذَلِكَ} كلمة مهمة؛ لأنها تؤكد المراحل والأنواع والدرجات والمواقف المتتالية، ولكن الله سبحانه وتعالى رب العالمين ينبئنا بأن هذا ليس من الإيمان في شيء {وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ}.
إذن فهؤلاء الناس ينبغي عليهم أن يغيروا حياتهم، إنما شأن المؤمنين و {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} وأن يقولوا {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} اسمعوا وأطيعوا، ولكن بدون استجابة وبدون تغيير فلا يمكن للمؤمنين أن يفوزوا. {وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ}.
وأكد المفتي السابق أن الإسلام دين قوي اتخذه الناس أو كفروا به، كتموه أو صرّحوا به، طبقوه أو أخفوه، هو دين قوي على كل حال .
رزق الله النبي ﷺ بمجموعة من أصحابه، قد آمنوا بقلوبهم ووقّروه وعظموه وعزّروه ونصروه، وأظهروا إسلامهم في أعمالهم، وكانت هناك طائفة من المؤمنين ضعيفة تفعل ما يخالف الأدب مع رسول ﷺ ، وجّه لهم الكلام وقال لهم: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.فكانت هناك طائفة من المؤمنين كشأننا في حياتنا الدنيا الآن مؤمنة مسلمة، لكنها شوافة للخروج عن الأدب مع رسول الله ﷺ.
وختم فضيلة المفتي السابق بيانه قائلاً: أوصي نفسي وإياكم {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ} أن نعود إلي الأدب مع رسول الله ﷺ ، وأن نظهر إسلامنا في أعمالنا، وقوته في احتكاكنا بالكون عبادةً وعمارة، وأن نجعل الإسلام يثير نفوسنا لهذا التلقي، ولهذه الحضارة ولهذا العمران.
فيديو قد يعجبك: