بلغ 110 سنة وصنف ضمن 500 شخصية مؤثرة في العالم .. وفاة الزاهد الموريتاني الحاج ولد فحفو
كتب – هاني ضوه :
موت العلماء خسارة كبيرة تصيب الأمم، وبالأمس انتقل عن دنيانا الفانية علم جليل وعالم فذ من علماء الأمة الإسلامية في موريتانيا تخرج على يديه المئات من علماء موريتانيا وخارجها بل وحتى من دعاة أوروبا مثل حمزة يوسف.
إنه العالم التقي الزاهد المرابط الحاج بن السالك بن فحفو المسومي الصنهاجي، الذي انتقل بالأمس عن عمر 105 تخطى 110 سنة، أفناها في تعليم العلوم الشرعية والتأليف، وأقيم صلاة الجنازة عليه من قبل أقاربه وتلامذته ومحبيه اليوم في القرية ذاتها ودفن في مقبرة “توميرات اكلاكه”.
واشتهر الإمام الراحل بالزهد والتقوى والورع، وكان له "محظرته" الخاصة وهي مدرسة لتعليم القرآن العلوم الشرعية واللغوية، والتي تخرّج منها المئات من العلماء والفقهاء وخبراء اللغة العربية من داخل موريتانيا وخارجها حتى وصل علمه وشهرته إلى أوروبا فتعلم عليه يديه الداعية الأمريكي حمزة يوسف.
تعتبر محظرة العلامة الرباني لمرابط الحاج ولد فحفو واحدة من أهم الجامعات الشنقیطیة العتیقة في موريتانيا، حیث تقع في منطقة “توميرات اكلاكه” وهي منطقة تكانت وسط موريتانيا على الشریط الجبلي بین ولایتي لعصابة وتكانت، وكان يفد إليها مئات العلماء والقضاة وطلبة العلم من شتى بقاع العالم، وذلك لما لاقت من قبول لدى الطلبة الوافدین إليها من كل حدب وصوب .
عبادته وأخلاقه
وكان لمرابط الحاج ولد فحفو لا يترك ساعة من ليل أو نهار إلا ويقضيها في تعليم أو طاعة، فكان يجلس على فراشه البسيط وفي كوخ متواضع بين العشرات من طلبة العلم، يجلس بينهم ليملي على هذا "ثُمْناً" من القرآن الكريم، وعلى الآخر "قفا" من "مختصر الخليل". ويشرح لثالث نصاً في النحو. ويرد السلام على الزوار. ومن حين لآخر يقوم لإصلاح بعض شؤون الدنيا أو يأمر بذلك.
وكان الشيخ رحمه الله لا يتوقف عن التدريس إلا مع ساعات الزوال الأولى ليستأنف العمل بعد صلاة الظــهر فـي "محظرة" "غلاغة"، فكان يجلس في محظرته مع طلابه في المسجد بعد صلاة الفجر إلى أن ترتفع الشمس قيد رمح فيصلي الضحى في المسجد ثم ينتقل بهم إلى خيمة بنيت على تل من الكتب فيجلس في ظل أول النهار فإذا تقلص عنه الفيء انتقل معه إلى مكان آخر وهكذا إلى أن تتوارى في الحجاب، لا يشغله عن التعليم إلا أداء الصلوات في أوقاتها.
أما في الليل فغالبًا ما يجلس في فناء الخيمة مع طلابه إلى أن يذهب الثلث الأول فينام الثلث الثاني ويستيقظ ثلث الليل الأخير فيصلي صلاة الشفع والوتر أو ما شاء الله منها ثم يضطجع يقرأ القرآن إلى الفجر ولا أظن أن أحدا استيقظ آخر الليل إلا وسمع قراءته للقرآن، علما أنه لا ينام النهار إلا قليلا أو لا ينام بسبب طلاب العلم وإلحاحهم عليه.
وكان رحمه الله إذا جاءه زائر جلس وتحامل على نفسه حتى يصدر طلاب العلم هكذا هو في يومه وليلته لا يفعل شيئا إلا تدريس العلم ولا يخطو خطوة إلا بين المسجد والخيمة.
قيل له يومًا: لم لا تتحرك فإن الجلوس يضر بصحتك فرد قائلا: "إن رياضتي في تدريس العلم"، وقد كان مع زهده وورعه وعزوفه عن الدنيا محبا للأدب واللغة العربية وكان يتفاعل مع الشعر الجيد ويتأثر به كثيرا.
وقال عنه أحد العلماء: العلم في الناس كثير إلا أن ورع الحاج بن السالك مفقود في غيره. وبعد من أكرم الناس لا يرد سائلا أبدا فيعطي من يستحق ومن لا يستحق وشيمته أن يدفع للأجير بغير حساب فيعطيه أكثر من حقه أضعافا كثيرة، كانت تأتيه هدايا كثيرة فيفرقها أيادي سبا بين ذوي القربى والغرباء من طلاب العلم وفقراء المنطقة، وليس هذا من باب المدح أو الإطراء إنما هو جزء من حقيقة الشيخ وغيض من فيضه يعرف ذلك من يعرفه.
وعلى الرغم من زهد الشيخ الراحل وورعه فإنه كان يحب حسن الثياب ويحب التعطر والتجمل مع الزهد والورع والتواضع الجم، وكان كريم الخلق إذا أتاه الإنسان سمع أنواع التراحيب مع الانبساط والمفاتحة والسؤال عن جميع ما يتعلق بالآتي من الأهل والأقارب وكان له اهتمام خاص بالطلاب والضيوف.
ومن عجيب أمره أنه يكون مع جلسائه مثل الشاهد الغائب فهو معهم إذا كان الكلام في أمور الآخرة وأما إذا كان الحديث عن الدنيا فإنه يرحل من بين أيديهم ويشتغل بذكر الله تعالى أو قراءة القرآن كأنه دائما يعمل بقول الله تعالى (قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون).
مؤلفاته:
وللراحل العديد من المؤلفات معظمها لا يزال على شكل مخطوطات، ولم يطبع منها إلا النزر القليل، ومعظم كتبه إنما ألفت بسبب طلب من أحد، فيقول في مقدمتها طلب مني بعض الطلبة، وهي:
دليل الطلاب، تنوير الحوالك على ألفية ابن مالك (في مجلد واحد)، إفادة القارئ والسامع على الدرر اللوامع في مقرأ نافع، لباب النقول في متشابه القرآن وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، شرح للمقصور والممدود لابن مالك أيضاً، شرح لقصيدة كعب بن زهير (بانت سعاد)، شرح للشرنوبي، شرح قصيدة زروق في صفاته صلى الله عليه وسلم، وفتاوى في ورقات قليلة.
تلامذته:
وتخرج على يديه عدد من مشاهير العلماء والدعاء من مختلف دول العالم من بينهم: محمد يحيى بن الشيخ الحسين، وكان عالمًا فاضلًا متقنًا للأصول، والشيخ محمد الأمين بن عبد الرحمن، وهو عالم جليل رفيق دربه يعمل في محضرته ويخلفه في الصلاة، والشيخ أحمد فال بن أحمدن، له محضرة خاصة به وهو من أفاضل العلماء وأكابر الصلحاء، والحبيب علي الجفري، والداعية الأمريكي حمزة يوسف.
ضمن أكثر 500 شخصية مؤثرة في العالم
وقد ورد إسم العلامة الحاج ولد فحفو رحمه الله ضمن أكثر (500) شخصية مؤرة في العالم في تقرير عام 2016، وذكر التقرير أن المرابط الحاج ولد فحفو رحمه الله قد نذر حياته للعلم والتعليم وأنه خرج المئات وربما الالآف من العلماء من محظرته.
فيديو قد يعجبك: