معاني القرآن: تفسير آيات من سورة المرسلات
كتب ـ محمد قادوس:
يقدم الدكتور عصام الروبي- أحد علماء الأزهر الشريف ـ (خاص مصراوي) تفسيراً ميسراً لما تحويه آيات من الكتاب الحكيم من المعاني والأسرار، وموعدنا اليوم مع تفسير الآيات القرآنية {ألم نخلقكم من ماء مهين * فجعلناه في قرار مكين* إلى قدر معلوم* فقدرنا فنعم القادرون* ألم نجعل الأرض كفاتًا* أحياء وأمواتًا* وجعلنا فيها رواسي شامخات وأسقيناكم ماء فراتا} .. [المرسلات: 20*21*22*23*25*26*27]
(ألم نخلقكم): أيها الناس.
(من ماء مهين): من مَهُن الشيء-بفتح الميم وضم الهاء-إذا ضعف، وميمه أصلية، وليس هو من مادة هان، و(من) ابتدائية.
قال القرطبي رحمه الله: وهذه الآية أصل لمن قال: إن خلق الجنين إنما هو من ماء الرجل وحده.
(فجعلناه): الهاء عائدة إلى الماء المهين الضعيف المذكور في الآية السابقة، وهو مني الرجل.
(في قرار مكين): والقرار: اسم للمكان الذي يستقر فيه الماء، والمراد به رحم المرأة. والمكين صفة له. فقوله مكين بمعنى متمكن، من مكن الشيء مكانة، إذا ثبت ورسخ.
(إلى قدر معلوم) القدر بمعنى المقدار المحدد المنضبط، الذي لا يتخلف.
(فقدرنا فنعم القادرون): ثناء منه-تعالى على ذاته بما هو أهله.
(كفاتًا): الكفات: اسم للمكان الذي يكفت فيه الشيء. أي: يُجمع ويُضم ويُوضع فيه. يقال: كفت فلان الشيء يكفته كفتًا، من باب ضرب-إذا جمعه ووضعه بداخل شيء معين، ومنه سمى الوعاء كفاتًا، لأن الشيء يوضع بداخله، وهو منصوب على أنه مفعول ثان لقوله نجعل، لأن الجعل هنا بمعنى التصيير.
(أحياء وأمواتًا): منصوبان على أنهما مفعولان به، لقوله كفاتا. أو مفعولان لفعل محذوف.
(وجعلنا فيها): يعني في الأرض.
(رواسي): يعني جبالًا ثابتات.
(شامخات): جمع شامخ وهو الشديد الارتفاع.
وهي المرتفعات ارتفاعًا كبيرا. وقيل: المراد: جبال مشرفات.
(وأسقيناكم): يعني: بفضلنا ورحمتنا.
(ماء فراتًا): يقال: فرت الماء؛ إذا عذب. والمراد: ماء عذبًا حلو المذاق سائغا للشاربين.
خلاصة المعنى في هذه الآيات: أن الحق تبارك وتعالى يذكر منّته على عباده وإكرامه لهم وإظهار نعمته عليهم بأن خلقهم وأوجدهم في تلك الحياة، ولم يكونوا شيئًا مذكورًا، فخلقهم سبحانه وتعالى بقدرته من ماء ضعيف حقير بالنسبة إلى قدرة البارئ عز وجل، وهو المني، وما هذا إلا بعض مظاهر القدرة الإلهية على الناس، ويبين الحق جلا في علاه كيف تحصل عملية خلق الإنسان وذلك بجعله تبارك وتعالى هذا الماء الضعيف – مني الرجل-في مكان حصين، قد بلغ النهاية في تمكنه وثباته، إلى وقت معين محدد في علم الله وذلك بقدرته وحكمته، ويمتن الحق تبارك وتعالى على عباده بأن جعل الأرض وعاء ومكانًا تجتمع فيه الخلائق: الأحياء منهم يعيشون فوقها، والأموات منهم يدفنون في باطنها، وهذا من نعم الله على العباد بتسخيره لهم الأرض حياة وموتًا،: ومن جزيل نعم الحق تبارك وتعالى على خلقه أنه جعل على تلك الأرض جبالًا ترسيها؛ حتى لا تميد بأهلها، فثبتها سبحانه وتعالى بهذه الجبال الطوال العراض، وجعل سبحانه على تلك الأرض ماء عذبا سائغا شرابه، جاء كالأثر الطيب المبارك المترتب على تذكير الله لهم بنعمة خلق الجبال وإيجادها، وهذا من طرائق استدلاله عز وجل على إمكانية البعث بتلك المخلوقات.
فيديو قد يعجبك: