فاطمة الفهرية.. أسست أول جامعة في العالم.. وأنشأت إحدى أقدم المكتبات
كتبت – سارة عبد الخالق:
ما زال التاريخ الإسلامي يزخر بالعديد من الشخصيات النسائية المؤثرة اللائي كان لهن دور فعال في مجتمعاتهن، وما زال تأثير ما صنعن باقيًا حتى يومنا الحاضر، ومن ضمن هؤلاء امرأة مسلمة عربية وظفت أموالها في خدمة بلادها حتى أنها كانت صاحبة الفضل في تأسيس النواة الأولى لجامعة القرويين التي تعد أول جامعة في العالم والتي تم تصنيفها في وقت سابق وفقا لموسوعة جينيس للأرقام القياسية ومنظمة اليونسكو كأقدم جامعة تعمل على منح الدرجات العلمية باستمرار، إنها (فاطمة الفهرية).
هي "فاطمة بنت محمد بن عبد الله الفهرية القيراونية، هي المنشئة الأولى لجامع القرويين بفاس، ويقال إنها فاطمة بنت محمد الفهرية القرشية وهي امرأة مسلمة عربية من ذرية عقبة بن نافع الفهري القرشي فاتح تونس ومؤسس مدينة القيراون"، الملقبة بـ(أم البنين).
انتقلت وهي فتاة صغيرة مع العرب النازحين إلى فاس من مدينة القيراون أيام الأمير يحيى بن محمد بن إدريس، وسكنت مع أبيها وأخواتها في عدوة القرويين قرب أرض بيضاء كان يصنع بها الجص، وتزوجت هناك، واجتهد أهلها في العمل حتى أصبحوا من الأثرياء، ثم توفي والدها وزوجها وأخ لها فورثت عنهم أموالا كثيرة، فاشترت بها أرضًا لبناء مسجد عليها، وفقا لما جاء في كتاب (معجم أعلام النساء) لمحمد التونجي، و(المرأة قبل الإسلام) لشمس الدين كمال.
بدأت في بناء مسجد عُرف بـ(جامع القرويين) عام 245 هـ، ونذرت الصوم من أول البناء حتى الانتهاء منه، وكانت قد حفرت بئرا فيه لا تزال موجودة ، ويذكر بخصوص بناء المسجد حرصها على عدم دخول أية شبهة في تشييده، فالتزمت بأن تأخذ التراب ومواد البناء من الأرض التي اشترتها لبناء المسجد فقط دون غيرها، فحفرت كهوفا تحت الأرض حتى تتمكن من استخراج الرمل والحجر والجص اللازم لبناء المسجد.
وكان هذا المسجد فيما بعد هو النواة الأولى لأول جامعة في العالم، حيث تحول المسجد تدريجيا إلى جامعة يقصدها كثير من العلماء والدارسين من مشارق الأرض ومغاربها اتخذوا من المسجد مقرا لدروسهم، وبدأ المسجد مرحلة البداية الجامعية في عهد دولة المرابطين، ثم تحول بعد ذلك إلى مرحلة الجامعة الحقيقية في عصر دولة بني مرين، وبنيت حوله المدارس.
وعن طريقة التدريس داخل جامعة القرويين يقول شمس الدين كمال في المصدر السابق ذكره: "عزز الجامع بالكراسي العلمية والخزانات، وكان الطلاب هم الذين يختارون الأستاذ الذي يرغبون في التعلم عنده حسب اختصاصه في مادة أو أكثر، فيجلس الأستاذ على كرسيه وهو يستند بظهره إلى سارية من سواري المسجد والطلاب في حلقات حوله، فأصبح جامع القرويين والجامعة العلمية الملحقة به مركزا للنشاط الفكري والثقافي والديني قرابة الألف سنة".
ويقول الباحث عبد الهادي التازي في كتابه (جامع القرويين: المسجد والجامعة بمدينة فاس) متحدثا عن فضل هذا المسجد والجامعة العريقة قائلا: "إن حيازة جامع القرويين لأوقاف جعلته مستقلاً ماليًا عن خزينة الدولة، بل إن الدولة اقترضت في مراحل تاريخية مختلفة من خزينة جامعة القرويين التي أفاضت منها على سائر مساجد فاس، وسَرَتْ أوقافها الزائدة حتى المسجد الأقصى بالقدس، وحتى الحرميْن الشريفين في مكة المكرمة والمدينة المنورة. وبفضل القرويين".
وقد درس بالجامعة الكثير من العلماء الذين توافدوا إليها من مختلف البلاد، منهم: الفقيه المالكي أبوعمران الفاسي، وأبوالعباس أحمد بن محمد بن عثمان هو أشهر رياضي في عصره وأبوبكر بن يحي بن الصائغ وكان من الذين نبغوا في عدة علوم منها العربية والطب، والمؤرخ عبدالرحمن بن خلدون المولود بتونس، وهو صاحب كتاب العِبر ومؤسِّسُ عِلم الاجتماع الحديث، وغيرهم الكثير.
وبحسب موسوعة جينيس للأرقام القياسية فإن مسجد القرويين يعد أقدم جامعة في العالم ما زالت تدرس حتى وقتنا الحالي، فقد سبقت جامعة الزيتونة بتونس والأزهر بمصر، كما أنها تُعدّ أقدم من جامعات أوروبا بمائتي عام إلا تسع سنين.
يشار إلى أن "فاطمة الفهرية" هي أيضا مؤسسة مكتبة جامعة القرويين التي تعد إحدى أقدم المكتبات في العالم، كما تعد مكتبة القرويين أقدم وأغنى مكتبة علمية بالمغرب، نظرا لأنها تضم نوادر هامة من التراث العربي والإسلامي، وقد خضعت المكتبة للترميم وأعيد فتحها للجمهور في عام 2016 م، وفقا لما جاء على موقع theguardian .
فيديو قد يعجبك: