ماشي بنور الله أدعي وأقول يارب.. النقشبندي كروان الإنشاد وإمام المداحين
كتب - عـلي شـبل:
«مولاى إنى ببابك.. من لى ألوذ به إلاك يا سندى» تسمع صوته مستغيثاً بالله، مازجاً بين التضرع والثقة في المولى عز وجل، فيرتجف قلبك حباً وخشوعاً، تشعر معه كأنك تحلّق فى عالم آخر ينقلك إليه صوت كروان الإنشاد الدينى، أستاذ المداحين، وصاحب المدرسة المتميزة في الابتهالات الدينية، الشيخ سيد محمد النقشبندى، صاحب أحد أهم ملامح شهر رمضان المعظم حيث يصافح آذان الملايين وقلوبهم خلال فترة الإفطار، بأحلى الابتهالات التي كانت تنبع من قلبه قبل حنجرته فتسمو معه مشاعر المسلمين، وتجعلهم يرددون بخشوع الشيخ النقشبندي، الذي يعد أحد أشهر المنشدين والمبتهلين في تاريخ الإنشاد الدينى، ويعتبر أول من أنشد التواشيح الدينية والابتهالات والمدائح معاً حتى لُقِّب بـ«الصوت الخاشع» وبـ«لحن ملائكى» والذي ولد بقرية دميرة بالدقهلية في 7 يناير 1920 ورحل في مثل هذا اليوم 14 فبراير 1976م.
يرجع اسم النقشبندي إلى جده الشيخ محمد بهاء الدين النقشبندي الذي قد نزح من بخارة بولاية أذربيجان إلى مصر للالتحاق بالأزهر الشريف، ووالده أحد علماء الدين ومشايخ الطريقة النقشبندية الصوفية، ويرجع أصل كلمة نقشبندي إلى مقطعين: (نقش) في العربية بمعنى التزيين والتلوين، وكلمة (بندي) في الفارسية بمعنى القلب، لتكون الكلمة بمعنى: القلوب المزيّنة والمُحلّاة.
ولد النقشبندي في حارة الشقيقة بقرية دميرة إحدى قرى محافظة الدقهلية، في مصر عام 1920م. وانتقلت أسرته إلى مدينة طهطا في جنوب الصعيد، وهناك حيث لم يكن قد تجاوز العاشرة من عمره حفظ القرآن الكريم علي يد الشيخ أحمد خليل، وتعلم الإنشاد الديني في حلقات الذكر بين مريدي الطريقة النقشبندية، حيث كان والده أحد علماء الدين ومشايخ الطريقة النقشبندية الصوفية. كان يتردد علي موالد أبو الحجاج الأقصري وعبد الرحيم القناوي وجلال الدين السيوطي، وحفظ أشعار البوصيري وابن الفارض.
في عام 1955 استقر في مدينة طنطا وذاعت شهرته في محافظات مصر و الدول العربية، وسافر الي حلب وحماه ودمشق لإحياء الليالي الدينية بدعوة من الرئيس السوري حافظ الأسد، كما زار أبوظبي والأردن وإيران واليمن وإندونسيا والمغرب العربي ودول الخليج ومعظم الدول الأفريقية والآسيوية، وأدى فريضة الحج خمس مرات خلال زيارته للسعودية.
في عام 1966 كان الشيخ سيد النقشبندي بمسجد الإمام الحسين بالقاهرة والتقى مصادفة بالإذاعي أحمد فراج فسجل معه بعض التسجيلات لبرنامج "في رحاب الله" ثم سجل العديد من الأدعية الدينية لبرنامج "دعاء" الذي كان يذاع يوميا عقب أذان المغرب، كما اشترك في حلقات البرنامج التليفزيوني "في نور الأسماء الحسنى" وسجل برنامج الباحث عن الحقيقة والذي يحكي قصة الصحابي الجليل سلمان الفارسي، هذا بالإضافة الي مجموعة من الابتهالات الدينية التي لحنها محمود الشريف وسيد مكاوي وبليغ حمدي وأحمد صدقي وحلمي أمين.
وصف الدكتور مصطفى محمود في برنامج العالم والإيمان الشيخ سيد النقشبندي بقوله (إنه مثل النور الكريم الفريد الذي لم يصل إليه أحد) وأجمع خبراء الأصوات على أن صوت الشيخ الجليل من أعذب الأصوات التي قدمت الدعاء الديني فصوته مكوّن من ثماني طبقات. دخل الشيخ الإذاعة العام 1967م، وترك لها ثروة من الأناشيد والابتهالات، إلى جانب بعض التلاوات القرآنية.
"مولاى إنى ببابك" كتب كلماتها الشاعر عبد الفتاح مصطفى، وقد لا يعرف الكثيرون أن الموسيقار بليغ حمدى هو من قام بتلحين هذا الابتهال فى أول تعاون بينه وبين الشيخ سيد النقشبندى، حيث يحكي أرشيف الإذاعة المصرية، أنه في عام 1972 كان السادات يحتفل بخطبة إحدى بناته في قصره بالقناطر الخيرية، وكان النقشبندي وبليغ حمدي مدعوين لحضور الحفل، وكان الرئيس الراحل من عشاق النقشبندي وكانت له فقرة رئيسية فى أي احتفال يحضره.
ويروي الإذاعي الشهير وجدى الحكيم الواقعة، قائلاً إن "السادات حينما رأى كلاً من النقشبندي وبليغ حمدى قال لبليغ: "عاوز أسمعك مع النقشبندي"، وكلف الحكيم بفتح استديو الإذاعة لهما"، وانتهى بليغ من تلحين "مولاي إني ببابك" وكانت بداية التعاون بين بليغ والنقشبندى، وبعدها تعاونا في أعمال وابتهالات عديدة هي: أشرق المعصوم، أقول أمتى، أى سلوى وعزاء، أنغام الروح، رباه يا من أناجى، ربنا إنا جنودك، يارب أنا أمة، يا ليلة فى الدهر ليلة القدر، دار الأرقم، إخوة الحق، أيها الساهر، ذكرى بدر.
ولحن "بليغ" للنقشبندى 5 ابتهالات أخرى ليكون حصيلة هذا اللقاء 6 ابتهالات، من بين مجموعة الابتهالات التى قدمها للنقشبندى، وكان بليغ هو من اختار كلمات هذه الابتهالات بالاتفاق مع الشاعر عبدالفتاح مصطفى، ولم يتقاض بليغ والنقشبندى أجراً عنها وأصبح ابتهال "مولاى" علامة من علامات الإذاعة المصرية فى رمضان وحتى بعد أن تراجع الإقبال على الإذاعة ظل ابتهال مولاي خالدًا.
فيديو قد يعجبك: