أمهات صنعن رجالاً: أم ربيعة الرأي.. الإمام الحافظ مفتي المدينة والفقيه المجتهد (5)
كتبت – سارة عبد الخالق:
يزخر التاريخ الإسلامي بنماذج مشرفة وأمهات رائعات استطعن أن يضعن أثرهن ويصنعن رجالا بحق.. هؤلاء الأمهات كان لهن دور فعال في بناء رجال وشخصيات عظيمة حفرت أسماءها عبر العصور، وتركت علامات فارقة في عدة مجالات مختلفة.
يقدم مصراوي مجموعة حلقات تأتي تحت عنوان "أمهات صنعن رجالا" حيث يعرض فيها نماذج لأمهات كانت سندا وعونا ومحفزا لأبنائهن، ساعدتهم لكي يكونوا بحق رجالا صنعن تاريخا، منهن:
- أم ربيعة الرأي:
ضربت أم ربيعة الرأي المثل الجيد والقدوة الحسنة في التربية والتنشئة كما يجب أن تكون، فهي لم تكن أماً صنعت رجلا فحسب بل صنعت عالما جليلا حتى تباهى به أبوه، وخرج كالمجنون صائحا: "ربيعة الرأي هو ابني ربيعة الرأي هو ابني" – وفقا لما جاء في كتاب (قصص من التاريخ) لعلي الطنطاوي-، لكن ما هو الدور الذي قامت به أم "ربيعة الرأي" ؟!
بداية "ربيعة الرأي"؛ هو ربيعة بن أبي عبد الرحمن فروخ، الإمام، مفتي المدينة، كان من أئمة الاجتهاد، وهو إمام حافظ، وفقيه مجتهد، وكان عالما جليلا، يُكنى بـ "أبي سليمان"، كان شيخ الإمام مالك والأوزاعي وسفيان الثوري، وكان بصير الرأي لذلك سُمي "ربيعة الرأي" واشتهر بهذا الاسم، وعُرف عنه الجود والكرم، وفقا لما جاء في (سير أعلام النبلاء) للذهبي، و(مرجع العلوم الإسلامية) للدكتور محمد الزحيلي.
تحدث عنه الإمام الذهبي قائلا : "فقيه المدينة، صاحب الرأي"، وقال مطرف – من كبار التابعين - : سمعت مالكا يقول: "ذهبت حلاوة الفقه منذ مات ربيعة"، وروى الليث عن يحيى بن سعيد قال: "ما رأيت أحدا أفطن من ربيعة بن أبي عبد الرحمن"، وأثنى عليه ابن الماجشون – كان مفتيا للمدينة وفقيها فصيحا -: " مارأيت أحدا أحفظ للسُنَّة من ربيعة".
لعبت أم "ربيعة الرأي" دورا محوريا في حياة ابنها، وكانت خير نموذج يحتذى به - كان لوالده قصة طريفة معه -، كان "ربيعة الرأي" قد ولد بالمدينة المنورة، بعد أن خرج أبوه مع جيوش المسلمين إلى خراسان أيام بني أمية، وكان لا يعلم بأن زوجته تحمل في أحشائها جنينا، وكان قد ترك معها ثلاثين ألف دينار، وظل مع جيوش المسلمين لفترة طويلة، حتى "عاد إلى المدينة بعد سبع وعشرين سنة وهو راكب فرس في يده رمح فنزل عن فرسه ثم دفع الباب برمحه فخرج ربيعة، فقال: يا عدو الله اتهجم على منزلي، فقال: لا، وقال فروخ: ياعدو الله أنت رجل دخلت على حرمتي"، وفقا لما جاء في سير أعلام النبلاء.
فتعالى صوتهما واجتمع الجيران وكثر الضجيج، فسمعت أم "ربيعة الرأي" زوجها وهو يقول: "هي داري وأنا فروخ بني فلان ، فسمعت امرأته كلامه فخرجت فقالت هذا زوجي وهذا ابني الذي خلفته وأنا حامل به فاعتنقا جميعا وبكيا فدخل فروخ المنزل، وقال: هذا ابني، قالت: نعم، قال: فأخرجي المال الذي عندك وهذه معي أربعة آلاف دينار، قالت: المال قد دفنته وأنا أخرجه بعد أيام !".
ثم قالت له زوجته: "أخرج صل في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، فخرج فصلى"، فنظر إلى حلقة وافرة يلتف حول شيخها الكثيرون، فسأل والد "ربيعة الرأي" قائلا: "من هذا الرجل ؟، قالوا له: هذا ربيعة بن أبي عبد الرحمن، فقال: لقد رفع الله ابني، فرجع إلى منزله، فقال لوالدته: لقد "رأيت ولدك في حالة ما رأيت أحدا من أهل العلم والفقه عليها".
فقالت أمه: "فأيما أحب إليك ثلاثون ألف دينار أو هذا الذي هو فيه من الجاه، قال: لا والله إلا هذا، قالت: فأني قد انفقت المال كله عليه، قال: فو الله ما ضيعته".
فهذه القصة الطريفة التي حدثت بين "ربيعة الرأي" ووالده، كانت وراءها أم صالحة بذلت قصارى جهدها لكي تصنع بحق رجلا، على الرغم من غياب أبيه لفترة طويلة من الزمن، فاستطاعت أن تغتنم المال الذي تركه زوجها معها وتحوله إلى ثروة حقيقة تجسدت في هذا الإمام الجليل، مفتي المدينة "ربيعة الرأي"..
فيديو قد يعجبك: