خطيب المسجد الحرام: هذا هو شرط قبول كل الأعمال والطاعات
(وكالات):
قال فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور فيصل بن جميل غزاوي، إن من القواعد الأصيلة التي ينبغي فهمها ومراعاتها والمبادئ الأساسية التي يحتاج العبد أن يكون على ذُكر منها، أن ما كان لله يبقى وما كان لغيره يفنى فكل شيء كان لله فحقيق بالقبول وله النماء والبقاء، وما عدا ذلك فهو ذاهب وزائل لا محالة.
وأضاف فضيلته في خطبة الجمعة اليوم من المسجد الحرام بمكة المكرمة- نقلا عن وكالة الأنباء السعودية واس- ولنا في قصة ابني آدم عبرةٌ وعظة قال تعالى: ( وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ) فلما كان هابيلُ متقيا لله مقرِّبًا قربانه لله ومخلصًا له فيه تقبله الله منه، ولم يَتقبل من قابيل الذي لم يكن تقيا.
وأضاف قائلاً : ولما دعا المؤمنون ذوو الألباب ربهم بما وصف من أدعيتهم التي دعوه بها عقّب الله على ذلك بقوله : (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ ولَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّنْ عِندِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ)، فلا يُضيع عملَ عاملٍ لديه، بل يوفي كل عامل عمله، وسيجازي المؤمنين خير الجزاء على ما عملوا وأبلوا في الله وفي سبيله.
وأردف يقول : وعلى الضد من ذلك فمن لم تكن له نية صالحة وكان عمله لغير الله، بل كان يريد بعمله وسعيه ونيته الدنيا لم ينفعه ذلك قال تعالى: (وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا) وهكذا كل ما لم يكن لله لا ينفع ولا يدوم وفي التنزيل (فأما الزبد فيذهب جفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض).
وأوضح فضيلته أن هذا المبدأ العظيم ما كان لله يبقى وما كان لغيره يفنى ينتظم صورا متعددة فمن ذلك العبادات إذ يجب أن يكون العمل لله ويُبتغى به وجهُه.
وأكد أن الإخلاص شرط قبول الأعمال، وأيضًا مَن أخلص طاعاته لوجه اللهِ، طالبا منه الأجرَ والثَّواب لا لطلب سمعة ورياء فإنه يَكمُلُ إيمانُه حيث صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( مَنْ أَعْطَى لِلَّهِ، وَمَنَعَ لِلَّهِ، وَأَحَبَّ لِلَّهِ، وَأَبْغَضَ لِلَّهِ، وَأَنْكَحَ لِلَّهِ، فَقَدْ اسْتَكْمَلَ إِيمَانَهُ) "مَن أعطَى للهِ" أي أنفق من زكاة ونفقة وكفارة وصَدَقة وهدية لا يريد بها إلا وجهَ اللهِ عز وجل، "ومنَع لله " أي: وأمسك وامتنع عن إنفاق ماله في غيرِ ما أمَر به اللهُ عزَ وجل، وكان إمساكُه طلبا لرضا اللهِ وليس منعا لهوى في نفْسِه مع الشح والبخل، "وأحب لله وأبغض للهِ" أي: أحب وأبغض بما يقرِب مِن طاعة اللهِ، فيُخرِج حظَّ النفس من الحب والكره للغير، إلا بما يُرضي اللهَ عزَ وجل، "وأنكح لله" أي: كان زواجه وتزويجه لأبنائه وبناته أومَن يلي أمرهم وفْقَ ما أوصى به رسول الله صلى الله علَيه وسلم متقربًا بذلك إلى اللهِ تعالى؛ "فقد استكمل
وأكد الشيخ غزاوي أن أهل الإخلاص والصدق من هذه الأمة من أهل السنة والجماعة هم من أعلى الله شأنهم وأبقى ذكرهم بين الناس كالأئمة الأربعة، أبي حنيفة ومالكٍ والشافعي وأحمد وابن المبارك والبخاري ومسلم وابن تيمية وابن القيم وغيرِهم كثير، رحمهم الله.
وبين أن من بركة العمل لله أن يبقى نفع ما يعمله المرء ويظهر أثر ذلك في واقع الناس، ولكم أن تتأملوا في تلك الآثار المباركة لدعوة الأنبياء التي قصد بها وجه الله وأثمرت ثمارا يانعة وكذلك دعوة الأئمة المصلحين والهداة المهتدين من بعدهم وكم تفيأ الناس ظلالها وارتووا من معينها العذب .
وقال إمام وخطيب المسجد الحرام : إن من سنن الله الماضِية مُكافأة صَانعي المعروف وفاعلي الخير إلى الخلق بأفضلَ مما صنعوا، ومن إكرام الله لهم أن يبقى نفع أعمال البر التي عملوها في حياتهم وأثرها الحميد بعد مماتهم, فالخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه اشترى بئر رومة فجعلها وقفًا عامًا للناس كافة في عصر النبي صلى الله عليه وسلم وما بعده من العصور، ومن بركة هذا الوقف أنه ما زالت عين البئر قائمة حتى اليوم، وهو من أشهر المعالم الوقفية التي بقيت عبر العصور الإسلامية وكذلك زُبيدة زوجة هارون الرشيد رحمها الله لمّا أدركت أثناء حجّها ما يعانيه الحجاج جرّاء حصولهم على الماء من تعب وإرهاق ومشقة، أمرت بإجراء عين سميت باسمها "عين زبيدة" وهي عين عذبة الماء غزيرة وهي إحدى روائع أوقاف المسلمين وكانت إلى عهد قريب تصل سقياها بيوتَ أهل مكة ولما ألف الإمام مالك رحمه الله موطأه قيل له ما الفائدة في تصنيفك؟ فقال: " ما كان لله بقي " ما أعظمها من كلمة ! حق لها أن تكتب بماء الذهب فقد ذاعت وشاعت وصارت مثلا يتناقله الناس، وكذلك بقي كتابه العظيم (الموطأ) وتلقته الأمة بالقبول في مشارق الأرض ومغاربها ونفع الله بما فيه من العلم نفعا عظيما وكم بارك الله في مصنفات العلماء السابقين فنفع بها في عصرهم وحتى العصر الحاضر فنجد كتبهم قد لقيت رواجاً وقبولاً وانتشاراً عجيبا وأكب عليها طلاب العلم قراءة وفهما وشرحا واختصارا.
وأضاف فضيلته أن من صور تلك القاعدة الجليلة العلاقات والصلات يقول الله تعالى: (الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين) قال ابن كثير رحمه الله "أي كل صداقة وصحابة لغير اللّه، فإنها تنقلب يوم القيامة عداوة إلا ما كان للّه عزَّ وجلَّ، فإنه دائم بدوامه " وقال ابن القيم رحمه الله : " وهذا أَمر معلوم بالاعتبار والاستقراء أَن كل من أَحب شيئاً دون الله لغير الله فإِن مضرته أَكثر من منفعته وعذابه أَعظم من نعيمه " , مشيرًا إلى أن من صور تلك القاعدة أيضا البذل والإنفاق فالمؤمنون ينفقون أموالهم ابتغاء وجه الله تعالى.
فيديو قد يعجبك: