في ذكرى رحيل الإمام الأفغاني.. أشهر رواد الإصلاح في الفكر الإسلامي
كتبت – سارة عبد الخالق:
هناك على مر السنين والأزمنة المختلفة رجال كان لهم تأثير واضح تركوا بصمات في عصرهم وفيمن أتوا من بعدهم.. أضاءوا الأفكار والعقول وكانوا قادة للتجديد والإصلاح.. وكان لهم دور فعال امتد أثره إلى العالم الخارجي أيضا، ومن ضمن هؤلاء أحد أِشهر رواد الإصلاح في الفكر الإسلامي في القرن التاسع عشر، إنه الإمام الإصلاحي جمال الدين الأفغاني، الذي توفي في مثل هذا اليوم 9 مارس من عام 1897 م.
يقول جمال الدين الأفغاني: "القرآن من أكبر الوسائل في لفت نظر الإفرنج إلى حسن الإسلام، فهو يدعوهم بلسان حاله إليه، لكنهم يرون حالة المسلمين السوأى من خلال القرآن فيقعدون عن اتباعه والإيمان به"، فهو كان يدعو دائما إلى أهمية العودة إلى القرآن الكريم، وكان مهتما أيضا بإصلاح النظام التعليمي والسياسي والفكري.
وفي كلمة للدكتور إسحق فرحان عضو مجلس أمناء المعهد العالمي للفكر الإسلامي ألقاها عن جمال الدين الأفغاني قائلا: "هو علم من أعلام النهضة في القرن الماضي، وشيخ المصلحين في القرن الحالي، وهو مفكر مجتهد يدعو إلى إعادة بناء فكر الأمة، على أساس من رفض التقليد والتبعية والتعصب، وهو سياسي ثائر يرفض الاستبداد والظلم ويحارب الاستعمار وأعوانه ، وهو مصلح اجتماعي يدعو إلى بناء شخصية إسلامية متحررة من الجبن والخوف والتواكل"، وفقا لما جاء في حلقة دراسية للمعهد العالمي للفكر الإسلامي والمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة بعنوان (جمال الدين الأفغاني – عطاؤه الفكري ومنهجه الإصلاح) .
· نشأته ودراسته
اتفق من ترجموا للسيد جمال الدين الأفغاني على أن اسمه: "محمد جمال الدين، واسم أبيه صفدر، ، وفقا لما جاء في (العروة الوثقى – جمال الدين الأفغاني، محمد عبده) بقلم مصطفى عبد الرازق.
اتفق من ترجموا للسيد جمال الدين الأفغاني على أن اسمه: "محمد جمال الدين، واسم أبيه صفدر، وقد عنى والده بتربيته، ودرس القرآن الكريم، وتلقى علوما كثيرة كالعلوم العربية والشرعية والعقلية بالإضافة إلى الرياضة والفنون ودراسة نظريات الطب والتشريح، وقد درس على يد أساتذة ماهرين بالإضافة إلى ما تضنمه الكتب الإسلامية الشهيرة، وظل دائما حريصا على التعلم، حتى أنه تعلم اللغة الفرنسية وهو في سن كبير.
كان جمال الدين الأفغاني قد بدأ دراسته وهو في الثامنة من عمره، واستمر في الداسة حتى عمر الثامنة عشرة، ولما أتم دراسته سافر إلى الهند، وأقام سنة تعلم خلالها شيئا من العلوم الأوروبية وأساليبها، ثم ذهب إلى الأراضي الحجازية لأداء فريضة الحج، وظل يتنقل بين بلاد العرب حتى وصل إلى مكة عام 1272 هـ، وكان قد تنقل بين عدة دول الهند وأفغانستان ومصر والآستانة وباريس ولندن.
كان من تلامذته الشيخ محمد عبده وعبد الرحمن الكواكبي.
وكان لهم إسهامات واسعة في الكتابة الصحفية في مصر وروسيا، ولكنه لم يكثر من التأليف اعتمادا على ما كان يبثه في نفوس العالمين لإصلاح الفكر، ومن ضمن مؤلفاته القليلة لتي تركها: (الرد على الدهريين) كتبها باللغة الفارسية، نقلها إلى العربية تلميذه محمد عبده، وكذلك (إبطال مذهب الدهريين وبيان مفاسدهم وإثبات أن الدين أساس المدنية) كتبه بالفارسية، ونقله أيضا محمد عبده للعربية، و(تتمة البيان في تاريخ الأفغان) صدر بعد وفاته في مصر سنة 1901 م.، وفقا لما جاء في أشهر الأحداث العالمية (1- 1899 م) لفؤاد صالح السيد.
· الأفغاني.. والعروة الوثقى
أنشأ جمال الدين الأفغاني في باريس "العروة الوثقى" وهي مجلة أسبوعية عربية، كان هو مدير سياستها والشيخ محمد عبده محررها، وكانت تولى الإنفاق عليها جمعية اسمها "جمعية العروة الوثقى" لها فروع في الهند ومصر وعدة دول في العالم الإسلامي، حيث كان قد انتقل إلى أوروبا بعد أن احتل الإنجليز مصر واخفقت الثورة العرابية .
وقد ذكر في صحيفة العروة الوثقى التي أنشأها جمال الدين الأفغاني ورفيقه محمد عبده: "المسلمون بعد أن نالوا في نشأة دينهم ما نالوا، وأخذوا من كل كمال حربي حظا، ظهر فيهم أقوام بلباس الدين وأبدعوا فيه وخلطوا بأصوله ما ليس منها، فانتشرت بينهم قواعد الجبر، وحصل النقص في التعليم والتقصير في إرشاد الكافة إلى أصول دينهم الحقة ومبانيه الثابتة التي دعا إليها النبي – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه، وحيث أن الدين الحق هو أول صبغة صبغ الله بها نفوسهم، ولا يزال وميض برقه يلوح في أفئدتهم بين تلك الغيوم العارضة، فإننا لا نرتاب في عودتهم إلى مثل نشأتهم ونهوضهم إلى مقاضاة الزمان ما سلب منهم".
وتحدثت الصحيفة أيضا عن علاج أمراض الأمة الإسلامية: "فعلاجها إنما يكون برجوعها إلى قاعدة دينها والأخذ بأحكامه على ما كان في بدايته، وإرشاد العامة بمواعظه الواقية بتطهير القلوب وتهذيب الأخلاق"، وفقا لما جاء في كتاب (قضايا ساخنة في فكر جمال الدين الأفغاني) للدكتور فارس الأشقر.
· حديث سبب في محاضرات عن الإسلام في السربون
تعرف الشيخ الأفغاني على الفيلسوف "إرنست رينان" في باريس عام 1883، وقد أثر الأفغاني في رينان تأثيرا كبيرا، حيث قال رينان عنه: "لقد تعرفت بالشيخ جمال الدين الأفغاني منذ نحو شهرين، فوقع في نفسي منه ما لم يقع لي إلا من القليلين، وأثر تأثيرا قويا، وجرى بيننا حديث عقدت من أجله النية على أن تكون علاقة العلم بالإسلام موضوع محاضراتي في السربون".
· شكوك حول سبب وفاته
توفى الشيخ جمال الدين الأفغاني في مثل هذا اليوم الموافق 9 مارس من عام 1897 م.
وقد تعددت الروايات حول وفاة المجدد جمال الدين الأفغاني، فالبعض يرجع أنه مات بسبب مرض السرطان الذي أصاب فكه مثلما قال الدكتور محمد عمارة : "لقد أشاع البلاط العثماني أن وفاته كانت بسبب السرطان الذي أصابه في فكه بعد خلع إحدى أسنانه أو أضراسه، وحدث التهاب استدعى إجراء عمليات جراحية ثلاث قطع الطبيب فيها جزءا من لسانه، وأستأصل فكه".
ويرى البعض الآخر أنه مات مسموما، فقد ذهب المستشرق جولد سيهر إلى قول أن: "توفى جمال الدين إثر سرطان أصابه أولا في ذقنه ثم جاوزها إلى سائر وجهه، تهامس الناس أن أبا الهدى قد حرض عليه من دس له بالسم".
وقد دفن جمال الدين الأفغاني في مقبرة المشايخ في الآستانة وبعد أن نسي قبره وضاع بين القبور جاء في عام 1926 م مستشرق أمريكي اسمه "كراين" وجدد بناءه، فكلفه على ما يقال 10 آلاف دولار، وبعد مرور خمسين عاما على وفاته نقلت رفاته إلى بلاد الأفغان في سنة 1944 م، ودفن هناك في مدينة كابل عاصمة أفغانستان في منطقة آباد وبني عليه بناء عظيم الشأن، وفقا لما جاء في (دعوة جمال الدين الأفغاني في ميزان الإسلام) لمصطفى فوزي بن عبد اللطيف – نقلا عن عدة مصادر.
فيديو قد يعجبك: