أنشأوا دور الأيتام وأوقفوا عليها.. نماذج من الحضارة الإسلامية في رعاية الأيتام
كتب – هاني ضوه :
سبقت الحضارة الإسلامية الكثير من دول الغرب باهتمامها بالحقوق الإنسانية وحفظ كرامة الضعفاء والمساكين والأرامل والأيتام، فجعلت لذلك نظامًا وأوقافًا للإنفاق عليها، وأنشأت أوقافًا للأيتام أو ما يعرف في عصرنا الحالي بدور رعاية الأيتام.
كانت البداية بشكل فردي تطبيقًا لوصايا النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي حثنا على كفالة الأيتام والإحسان إليهم حتى أنه قال: "أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة" وأشار باصبعيه السبابة والوسطي. كان من يقدر من المسلمين على كفالة يتيم قريب أو غريب كان يفعل ذلك.
ولعل بداية كفالة الأيتام بشكل منظم ومؤسسي بدأت بإنشاء أول دار أيتام في عهد الحاكم الأموي الوليد بن عبدالملك، حيث أنشأ سنة 88 هجريًا - 707م مكانًا مخصصًا لرعاية الأيتام ووظف لهم فيها المربين والأطباء ومن يقومون على خدمتهم وخصصهم لهم رواتب حتى لا يسألوا الناس.
وسار على نفس النهج نور الدين زنكي في الفترة من 511 ه – 569هــ، حيث كان حريصًا على بناء دورًا للأيتام لتخريج العلماء وخصص لها الأوقاف الكثيرة خاصة في الشام، وذكر الإمام ابن العماد الحنبلي ذلك في كتابه "شذرات الذهب" عندما ترجم لسيرة نور الدين زنكي حيث قال إنه "بنى المكاتب للأيتام ووقف عليها الأوقاف.
وكذلك فعل السلطان أبو يوسف يعقوب الموحدي (595هـ/1199م)، الذي أمر بإنشاء دارًا للأيتام وكانت تضم 1000 طفل يتيم وعشرة معلمين لرعايتهم وتعليمهم وتثقيفهم.
وبلغ اهتمام السلطان أبو يوسف الموحدي بدار الأيتام التي أنشأها مبلغًا كبيرًا، حيث كان يزورهم كل عام ويوزع عليهم الهدايا، فيعطي لكل طفل دينار وثوب جديد ورغيف ورمانة.
والسلطان الموحدي كان يلقب بـ "المنصور" وتولى حُكم دولة الموحدين خمس عشرة سنة متصلة؛ وكان أقوى شخصية في تاريخ دولة الموحدين، وقد عُدَّ عصره في دولة الموحدين بالعصر الذهبي.
ووصف العديد من الرحالة الذين جابوا البلدان الإسلامية كيف أن حكام المسلمين قد اهتموا اهتمامًا شديدًا برعاية الأيتام وإنشاء دور الرعاية لهم، فذكر الرحالة ابن جبير في كتابه "رحلة ابن جبير" إلى الشام حيث وصف مدينة دمشق في ذلك الزمان بأن فيها: "للأيتام من الصبيان محضرة كبيرة بالبلد لها وقف كبير يأخذ منه المعلم لهم وهذا أيضا من أغرب ما يحدّث به من مفاخر هذه البلاد".
وفي العصر الأيوبي ذكر ابن شداد في كتابه "النوادر السلطانية والمحاسن اليوسفية" أن "صلاح الدين الأيوبي رحمه الله أول من أوقف الأوقاف في العصر الأيوبي من أجل الأطفال الفقراء والأيتام، فأوقف قرية نستروا ، كما أوقف صلاح الدين قطعة أرض على صبي صغير وجد فيه نبوغاً وتميزاً".
وذكر المقريزي في كتابه "المواعظ والاعتبار" أن الظاهر بيبرس قد أنشأ مكتب سبيل بجوار مدرسته، وقرر لمن فيه من الأيتام الخبز كل يوم، والكسوة في فصلي الشتاء والصيف".
وهكذا كانت الحضارة الإسلامية على مر تاريخها سباقة في رعاية الأيتام وحفظ حقوقها وإقامة الدور والخاصة برعايتهم وتربيتهم وتأهيلهم ليكونوا أفرادًا نافعين لأوطانهم وأمتهم.
فيديو قد يعجبك: