من التصدي للاحتلال إلى مواجهة الإرهاب.. مواقف ومحطات للأزهر المستنير
كتبت – سارة عبد الخالق:
كان الأزهر الشريف ولا يزال منارة العلم في مشارق الأرض ومغاربها، يأتيه طلبة العلم من كل فج عميق، لينهلوا من علوم مشايخه وأخلاقهم ما يجعلهم سفراء للإسلام علماء بعلومه وفنونه المختلفة، وفي ذكرى تأسيسه في مثل هذا اليوم في السابع من رمضان عام 361 هجريًا، منذ 1079 سنة .. يستعرض مصراوي مواقف ومحطات مستنيرة للأزهر الشريف قلعة العلوم ومنارة الدين.
منذ إنشاء هذا الصرح العظيم منذ أكثر من ألف سنة وهو منارة للعلم والعلماء، فهو الذي تخرجت فيه نخب مميزة من العلماء أثرت الحياة العلمية والثقافية والدينية بفكرها وعلمها الغزير، مثل الإمام المجدد "محمد عبده" أحد رموز التجديد في الفقه الإسلامي ومن دعاة النهضة والإصلاح في العالم العرب والإسلامي.
ولم يكن الأزهر الشريف بمثابة جامع وجامعة فقط بل كان له مواقف عديدة عبر الأزمنة المختلفة.
فالأزهر الشريف مواقف مستنيرة عديدة تنبع من ايمان هذا الكيان العظيم بمسئوليته الهامة اتجاه الوطن بدءا من مقاومة المحتل والوقوف في وجهه للتصدي له والحفاظ على البلاد وصولا بمواجهة الإرهاب والأفكار المتطرفة وإرساء قواعد المواطنة والتعايش والحفاظ على حقوق المرأة.
و يتجلى دور الأزهر الشريف واضحا خلال الحملة الفرنسية، حيث قاد الأزهر الشريف مقاومة عنيفة ضد الاحتلال الفرنسي على مصر، فخلال هذه الفترة كان الأزهر مركزا للمقاومة على مختلف المستويات بدءا من شيوخ الأهر والعلماء الكبار حتى الشيوخ الصغار داخل الحركات السرية والتي كان لهم دور كبير في المقاومة الشعبية، ونظرا للدور القوي للأزهر في مقاومة الاحتلال الفرنسي أدرك "بونابرت" قائد الحملة الفرنسية خطورته، فأمر بإغلاق الجامع الأزهر وظلت أبوابه مغلقة حتى وصول المساعدات العثمانية والبريطانية.
ومن ضمن المواقف المستنيرة الهامة التي كان للأزهر دور هام فيها، موقف الإمام "عبد الحليم محمود" شيخ الأزهر الذي كان صاحب دورا حماسيا يبعث الطمأنينة والثقة في النفوس، فقبيل حرب أكتوبر رأى فضيلة الإمام الدكتورعبد الحليم محمود رؤية تبشر بنصر أكتوبر، فسارع فور استيقاظه بإخبار الرئيس السادات بتلك البشارة، مقترحا عليه أن يأخذ قرار الحرب مطمئنا إياه بالنصر، ثم توجه إلى منبر الأزهر وألقى خطبة للحث على المشاركة في الحرب ضد إسرائيل.
وأثناء الحرب ألقى خطبة الجمعة على منبر الأزهر قائلا: "على طريق أهل بدر نلتف حول القائد الأعلى، راجيا الله أن يوفق الجنود المصريين، وداعيا أن يثبت أقدامهم" مهللا "الله أكبر"، مما أشعل حماسة المصلين وحرك قلوبهم.
ولم يكن دور الأزهر الشريف المستنير قاصرا على مواجهة المحتل والتصدي له فقط، بل كان له مواقف أخرى ولعل أقوى دليل على مواقف الأزهر المستنيرة، هي ما يعيشه الأزهر الشريف الآن منذ تولي الإمام الأكبر فضيلة أ.د "أحمد الطيب" مشيخة الأزهر، فطوال فترة عمله حتى الآن كانت له مواقف كثيرة منها: تطوير مناهج التعليم، حيث أجرى تطويرا موسعا لمناهج التعليم في الأزهر تتضمن دروسا جديدة عن الآخر والمواطنة وغيرها، حيث أعلن الشيخ الدكتور أحمد الطيب منذ توليه مشيخة الأزهر في عام 2010 على أن هدفه هو النهوض بالتعليم الأزهري.
كما عقد الأزهر الشريف مؤتمرا عالميا لمواجهة الإرهاب والتطرف، بحضور علماء من مختلف المذاهب الإسلامية وقيادات الكنائس وممثلين عن جميع الطوائف والأديان في العالم العربي، كما نظم "مؤتمر الأزهر العالمي للسلام" بالتعاون مع مجلس حكماء المسلمين بحضور البابا فرنسيس الثاني وبابا الفاتيكان، للتأكيد على رسالة الإسلام التي تحمل قيم السلام والتعايش.
وأصدر الأزهر بقيادة الإمام الطيب وثيقة المواطنة والتعايش في مارس 2017، والتي أقرت مبادىء المواطنة ودولة الحقوق المتساوية التي لا يوجد فيها تمييز بين مواطنيها بسبب الدين، ودعا إلى نبذ مصطلح الأقليات.
كما رفض الإمام الطيب "تكفير أحد" قائلا أن "الأزهر لا يحكم بالكفر على شخص، طالما يؤمن بالله واليوم الآخر، حتى ولو ارتكب كل الفظائع".
كما أولى اهتماما كبيرا بالتواصل الاجتماعي عبر تخصيص صفحات للتفاعل عبر مواقع التواصل الاجتماعي وأنشأ مرصدا للأزهر و"مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية"للرد على الأفكار المتطرفة بالعديد من اللغات، رافضا فوضى الفتاوى التي تصدر عن غير المتخصصين.
وكان له مواقف هامة ضد العادات التي كرست لمفاهيم نالت من مكانة المرأة، حيث كانت له مواقف عديدة منحازة للمرأة منها: إعلان عام 2017 هو عاما لـ "تكريم المرأة"، ورفض الختان وتجريم الأزهر للتحرش والمتحرش داعيا أن يكون هذا التجريم مطلقا ومجردا من أي شرط أو سياق، فتبرير التحرش بسلوك أو ملابس الفتاة يعبر عن فهم مغلوط، لما في التحرش من اعتداء على خصوصية المرأة وحريتها وكرامتها".
كما ظهرت عدة مواقف أخرى مستنيرة للأزهر انحاز فيها للمرأة منها "قضية الحضانة" التي أيد فيها الأزهر وإمامه الأكبر الرأي القائل بمد فترة الحضانة إلى 15 عاما، مؤكدا على أن الأم لديها قدر من الحنان والرحمة تجاه ابنها أو ابنتها يجعلها تصب على التربية وتتلذذ بالصبر عليها.
بالإضافة إلى تأكيده على أن تعدد الزوجات ليس رخصة مطلقة، مؤكدا على أن التعدد مقيد بشروط والأصل في الزواج واحدة.
كما رفض شيخ الأزهر إجبار الفتاة على الزواج ممن لا تريده، واصفا ذلك بأنها مسألة "لا أخلاقية"، كما رفض زواج القاصرات، كما اهتم الأزهر بتعليم المرأة وخصص لها الأقسام والكليات، ولعل إنشاء كلية للتربية الرياضية للبنات تابعة لجامعة الأزهر لخير مثال على موقف الأزهر المستنير اتجاه كل ما يتعلق بالمرأة.
فيديو قد يعجبك: