موضحاً علاقتها باسم الله العفو.. الهواري لمصراوي: الاختلاف حول ليلة القدر وارد
كتب ـ محمد قادوس:
قال الدكتور محمود الهواري، عضو المكتب الفني لوكيل الأزهر الشريف، إن كل مسلم يتمنَّى أن يوفقه الله لليلة القدر، لينال أجر قيامها والتعبد فيها، وهو أجر عظيم يتجاوز أجر العبادة فيما يتجاوز ألف شهر، وقد أعلن هذا الجزاء رب العالمين في قرآنه حين قال: «ليلة القدر خير من ألف شهر».
وأضاف الهواري، في إحدى حلقاته الخاصة بمصراوي: الذي يستوقفني حقا في هذه الليلة المباركة أمران:
ـ الأول: علاقة الشحناء والبغضاء بليلة القدر، وعلاقتها بالخير بشكل عام.
ـ الثاني: خصوصية الدعاء في هذه الليلة باسم الله العفو دون بقية أسماء الله تعالى.
أما علاقة ليلة القدر بالشحناء فيُفهم من حديث رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ خَرَجَ يُخْبِرُ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ فَتَلَاحَى رَجُلَانِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ إِنِّي خَرَجْتُ لِأُخْبِرَكُمْ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ وَإِنَّهُ تَلَاحَى فُلَانٌ وَفُلَانٌ فَرُفِعَتْ وَعَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمْ الْتَمِسُوهَا فِي السَّبْعِ وَالتِّسْعِ وَالْخَمْسِ.
ومعنى تلاحى يعني تنازع وتخاصم.
فتخيلوا كم فات الأمة من خير حين رفعت ليلة القدر بسبب الشحناء والملاحاة والتخاصم!
إن الاختلاف داء، إذا أصاب المجتمع دمره من داخله، وصرفه الله تعالى عن حمل رسالته ودعوته، وعطَّله عن مهامه.
وتابع الهواري: أنه وقد نقل عن أهل العلم في الجدل ما يخوفنا منه ومن تبعاته، قال مَعْرُوفٌ الْكَرْخِيّ: «إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا فَتْحَ اللَّهُ عَلَيْهِ بَابَ الْعَمَلِ، وَأَغْلَقَ عَنْهُ بَابَ الْجَدَلِ، وَإِذَا أَرَادَ بِعَبْدٍ شَرًّا أَغْلَقَ عَلَيْهِ بَابَ الْعَمَلِ وَفَتَحَ عَلَيْهِ بَابَ الْجَدَلِ».
وبين عضو المكتب الفتي أن الاختلاف في دنيا البشر وارد ، فإن الناس ليسوا سواء في مداركهم وعقولهم وطبائعهم، ونحن نختلف حقيقة في أشياء كثيرة، في اللون، وفي اللغة، وفي الفهم، وفي الجسم، وفي الآراء... وكثير من مجالات الاختلاف.
وقد جعل الله عز وجل هذا الاختلاف والتنوع سبيلا للتعارف والثراء والتكامل والتلاقح والتلاقي.
وقال الهواري: بالرغم من تعدد مجالات الاختلاف إلا أن الاختلاف المذموم المرفوض الذي ينذر بوجود خطر، هو اختلاف القلوب.
والغنيمة التي يتمنى الشيطان أن يظفر بها منا هي اختلاف القلوب ووقوع التحريش والملاحاة بيننا.
والملاحاة والاختلاف يؤديان إلى الضعف والهوان، قال تعالى: «ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين».
ومن أجل الحفاظ على وحدة الصف نهانا ديننا عن أن يسخر أحدنا من غيره، أو أن ينتقص منه، ويعيره بأحد أهله، أو أن يقسِّم المجتمع إلى طبقات، أو أن يوجد فوارق بين النسيج الواحد.
ومن أجل وحدة الصف والوئام بين الأفراد ضمن حرية التعبير للأفراد ما دام في حدود الأدب، وعلم الناس كيف يكون أدب الاستماع إلى الآخرين، وكيف يجب رجوع الإنسان إلى الصواب إذا تبين له خطأ ما يعتقده ... وغير ذلك من آداب.
ليلة القدر تدعونا لننال أجرها، ونفهم عنها أن نتأدب بأدب الاختلاف، وألا يكون الاختلاف سببا للحرمان من الخيرات.
أما علاقة ليلة القدر باسم الله العفو فيفهم من حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها، قالَتْ: قُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ، أرَأيْتَ إنْ عَلِمْتُ أيُّ لَيْلَةٍ لَيْلَةُ الْقَدْرِ، مَا أقُولُ فِيها؟ قَالَ: «قُولي: اللَّهُمَّ إنَّكَ عَفُوٌّ كَرِيمٌ تُحِبُّ العَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي».
واسم الله العفوُّ يعني أنه سبحانه هو الذي يحب العفو والستر، ويصفح عن الذنوب مهما كان شأنها، ويستر العيوب ولا يفضح أهلها بها، يعفو عن المسيء كَرَمًا وإحسانًا، ويفتح واسع رحمته فضلاً وإنعامًا، حتى يزول اليأس من القلوب وتتعلق في رجائها بمقلب القلوب.
والدعاء في ليلة القدر بهذا الاسم يقتضي أن تظهر آثار الاسم الكريم على سلوكياتنا فنرتقي إلى أن يعفو بعضنا عن بعض، وأن ننسى الإساءة فيما بيننا، وأن نتبادل التهاني والمودة حتى نكون أهلا لرضوان الله وعطائه.
فيديو قد يعجبك: